سكان مولوتوف الأصليين… ما هكذا تورد الأبل
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
أصبح الحديث عن موجات موسيقى الراب والتراب والإليكترو-شعبي في مصر محفوفًا بالمخاطر، أن غامرت وانتقدت المنتج الفني سوف تجد من يتهمك بالتعالي ومصادرة حق أي شخص في الإبداع.. حتى لو لم يمتلك الحد الأدنى لأي إبداع، ناهيك عن المزايدة بأنك تتبنى وجهات نظر شبه رسمية متمثلة في نقابة الموسيقيين، التي تطاردهم بين الحين والأخر، أو أنك “حلمى بكر في نفسك”.
مع سيل من التنظير عن توقف الزمن بك وعدم استيعاب موجات التطور الجديدة وأن المهم في النهاية هو رأي الجمهور، الذي يعطي شرعية لها وهذا ببساطة المشهد الموسيقي الحالي أما أن تقبله على علاته ومشكلاته وتناقضاته ورداءته أو تغلق فمك وتصمت.
مولوتوف السكان الأصليين
تلك المقدمة كانت ضرورية وأنا أحاول استيعاب وفهم التجربة الموسيقية الجديدة التي أطلقها المنتج الموسيقي الشاب “أحمد أشرف” الشهير بـ “مولوتوف” والذي ينصبه البعض كأحد أقطاب الموجة الموسيقية الجديدة مستندين على نجاحاته مع “ويجز، مروان بابلو” وغيرهم، التجربة كان عنوانها “السكان الأصليين” التي يستعيد فيها بعض الأغنيات الفلكلورية ويقدمها في قوالب موسيقية إلكترونية، مستعينًا ببعض الأصوات مثل والدته المطربة والكاتبة “ريم خيري” والباحثة والمطربة “فيروز كراوية” مع “جيمي الجوهري”.
وضع مولوتوف على غلاف الألبوم اقتباسًا على لسان جده الكاتب الكبير “خيري شلبي” أحد أهم من كتبوا عن السكان الأصليين، عنوان الألبوم مغري جدًا للاستماع ويجعلك تنظر إليه بوصفه عمل يفتش في جذورنا الموسيقية ويبحث عن هويتنا الضائعة أو كما كتب على غلافه من روح الفلكلور والسكان الأصليين وفكرة إعادة التراث تلقى رواجًا طوال الوقت بالإضافة إلى وجهاتها كون من يقدمها أحد أقطاب الـ New Wave في الموسيقى الإليكترونية المعلبة، ذلك الشاب الذي لم يتخطى عمره الثلاثون بعد وينتمي إلى جيل Z المتهم دائمًا بالتغريب والابتعاد عن تراثه الأصلي.
رؤية حديثة أم كيتش موسيقي
لا يتعامل منتجو موسيقى الراب والمهرجانات مع الأغنية كقالب ثابت، دلالة على التمرد على شكل الأغنية التقليدي المتكلس خطابها شعريًا وموسيقيًا، التمرد والحرية قد يطلق العنان لإنتاج أفكار جديدة تحدث من شكل الأغنية أو تتناسب مع رؤيتهم بفرض وجود رؤى أو أفكار حقيقية ثم تغليفها وتقديمها إلى جيل Z باللغة الموسيقية التي يفهمونها ويتفاعلون معها سواء كانت راب أو تراب أو حتى في قالب إليكتروني أجوف.
ضم ألبوم السكان الأصليين سبع مقطوعات من ضمنها بعض الأغنيات الفلكلورية الشهيرة مثل “يا طالع الشجرة، على حسب وداد جلبي، الحنة يا قطر الندى، الليلة جميلة” بالإضافة إلى مقطوعات موسيقية.
يفتتح الألبوم بتراك موسيقي بعنوان “الإمام الشافعي” الذي يرتكن بالكامل على جملة موسيقية واحدة بلا أي خطوط موازية لها سوا المؤثرات الصوتية فقط، ثم قدم أغنية تراب بعنوان “من الشارع أنا جيت” بكلمات عشوائية تمامًا؛ لن تستطيع أن تمسك بفكرة موحدة تفصح عنها الكلمات المكتوبة على طريقة القص واللصق ثم قام بدمجها مع أغنية “يا طالع الشجرة” دون أن يكون رابط بينهما مع خلفية من المؤثرات الصوتية والإيقاعات المجوفة.
في تراك أمازيغ أعاد مولوتوف تدوير جملة موسيقية بأكثر من شكل مرتكز على المؤثرات والحليات الإيقاعية دون خيال خصب في صناعة جمل فرعية من الجملة الرئيسية، تظهر فيروز كراوية في تراك “الليلة دي” المعروف باسم “ع اليادي” بأداء ضعيف جدًا بسبب مساحات صوتها البسيطة، التي لم ترتكز بشكل قوي على جملة البياتي الشرقي وكأننا أمام طالبة هاوية تغني في حصة مدرسية لإضاعة الوقت.
أما تراك “على حسب وداد جلبي” فكان كارثيًا من ناحية النشاز الموسيقي؛ حيث الأداء في وادي والموسيقى في وادي آخر، لا اهتمام بالإيقاع أو طريقة الغناء أو حتى تطوير وتحديث في الجملة اللحنية، وعلى هذا المنوال جاءت بقية التراكات التي هي عبارة مجرد شخبطات إيقاعية إليكترونية وكأنه كان يجرب ما ينوى فعله لا ما قام به بالفعل.
ما هكذا تورد الأبل
يفتح هذا الألبوم الكارثي على مستوى الموسيقى عدة تساؤلات جدية حول صناعة الموسيقى في مصر وهل فعلًا نعيش في عصر اختفي فيه الموهوبين الحقيقين، وأصبحنا أسرى تحت وطأة تلك الموجات الجديدة التي لاقت رواجًا لأسباب اجتماعية وسياسية لا علاقة لها بصناعة الفن في المقام الأول.
ثم ما يستفزك هو أن العمل عنوانه “السكان الأصليين”، فهل هذا غناء أو إيقاعات “السكان الأصليين”؟!، ولماذا لم يستمع مولوتوف إلى تجارب سبقته في تناول الفلكلور أو الأغنيات الشعبية كي يتعلم منها مثل تجارب فتحي سلامة المدروسة بعناية شديدة، أو تجربة موريس لوقا المهمة في ألبوم “بنحيي البغبغان”، أو حتى مر على تجارب حميد الشاعري في تناول الفلكلور في شكل إيقاعي فقط.
وهل كلف نفسه بالنزول إلى أي فرح شعبي ليرى “السكان الأصليين” وتفاعلهم مع المطربين في إعادة الأغاني القديمة على طريقتهم الخاصة، أما ما فعله هو محاولة إثبات الحضور بتقديم الفلكلور برؤية إليكترونية ضعيفة جدًا لا علاقة لها بالسكان الأصليين ولكن بـ”سُكان Egypt” ومعهم فئات ثقافية تعيش في جيتوهات منعزلة عن “السكان الأصليين” ويتعاملون معهم وفق منطق المستشرقين المنبهرين بالتراث.
في النهاية لا تشغل بالي مسألة إعادة تقديم التراث أو حتى العبث به لأن الباب مفتوح على مصراعيه لأي مبدع حقيقي، لكن ما سمعته هو رؤية بلا أي رؤية ولا يمكن وضع توصيف حقيقي للألبوم سوا أنه مجرد لهو وتجريب ببرامج وقوالب إلكترونية موجودة سلفًا، ولو كان أعاد توليفها على طريقة أي لاعب دي جي لكان أفضل له، وعليه يجب أن يفهم ويعي أن الفن لا يمارس بالذراع أو بالشهرة المفاجئة لأن في النهاية من سيبقى ويظل هو الموهوب الحقيقي.
رحلة الملك محمد منير في التنازل عن العرش
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال