همتك نعدل الكفة
386   مشاهدة  

سكين بارد (قصة قصيرة)

سكين بارد (قصة قصيرة)


1

للمرة الرابعة أسمعه ينادي، صوته قوي واضح، نصف رزقه، مثل أي بائع سريح، “أسنننننن السكينة، أسنننننن المقص”، أنتظره على باب العمارة، صوته ينمو كظل ويترب، يرتدي جلباب رمادي فاتح، ومعه ماكينة السن وسلك كهرباء طويل، عليه عمة بيضاء، في البداية استغربت من نظافة عمته وملابسه، وانتبهت أن اليوم الاثنين هوأول يوم عمل للصنايعية، فخمنت أن ملابسه غسلت، العقل دائما ما يبرر ما تستغربه، الغريزة التي تميل للشك، وتحذر الفخ دائما في كل ما تراه، الغريزة التي نمت وتراكمات عبر آلاف السنين وورثناها عن آباءنا نتركها أحيانا ونستريح للعقل الذي يزين لك سوء عملك ويتبع هواك، يسحبك كما تريد إلى موضع الفريسة حتى تصبح مثار استغراب من حولك.

 

طلبت من الرجل سن سكاكين المطبخ والمقصات الباردة، سمر صدعتني أكثر من مرة: السكاكين باردة، أنا زهقت، مش عارفة أقطع حتى الخضار، أتهرب من التلميحات.

بصوت حاد قالت: عايزين نسن السكاكين، كأنه أمر.

المرة الأولى التي سمعته فيها ينادي كنت في مزاج جيد ولا أريد أن أفسد يومي بمتابعة عامل حتى لو 10 دقائق، المرة الثانية كنت كانت قدماي ترتعش من عدم النوم وكنت أتمنى أن أجد الأسانسير في الدور الأرضي، بعد ذلك بحثت عن حجر جلخ لحد السكاكين، وحينما وجدته لم يعمل بالشكل المطلوب.

 

قال: أطلع معاك علشان الكهربا. نظرت إلى سلك الكهرباء سميك جدا يبدو أنه 3 بوصات، جديد ولامع، سألته: السلك ده جديد؟

 

كان معايا واحد تاني بس باظ عند زبون دلوقتي ضرب خالص، علشان كان بوصة واحدة لسه شاري ده من الكهربائي اللي في نص الشارع.

 

صعد معي في الأسانسير، دخلنا الشقة، وتركت الباب مفتوحا، أحضرت كل السكاكين والمقصات أمامه.

 

صوت الماكينة مزعج، يتتطاير منها الشرر، خيوط من النار تلمع بالقرب من الحائط، أتابعه، غالبا أحب متابعة العمال، أحب أن أرى كيف يخلقون الأشياء، يضعون المواد فوق الأخرى، المقاسات المناسبة، لكل شيء أدواته، يبحثون عن حلول كأساتذة جامعات، كعلماء في معامل، يفكرون لحظات، يتخيلون، بعضهم يميل برأسه، وآخرين يتسمرون كأصنام، يتوقعون الخطأ في المعادلة، يبحثون عن معادلة أخرى، يجمعون ما تعلموه ويبحثون عن التركيبة السحرية المناسبة، وكأي عالم في معمله يجربون، أحيانا يخطئون ويحاولون مرة أخرى، أما أنا فأتفرج في صمت، جربت مرات أن أقترح عليهم، لكنهم لم يلتفتوا أو يرمون نظرات بلا معني، شاردون كأنهم في ملكوت آخر، مع الخالق العظيم يحاولون تقليده، واكتشفت أن المشاهدة أعظم، كأنك تتابع لبؤة تصطاد، كل محاولة تسأل هل هي؟، مثل مشاهدة مباريات كل القدم متعتها الأهم هي الشك وعدم التوقع وانتظار النجاح مع كل هدف أو منع هدف.

مسكت أول سكين انتهى منه، جربت حدته على ظفر الإبها، كاد أن يقطعه نصفين، تذكرت فيلم بودي جارد، حينما كان البطل معه سيف ياباني حاد جدا لدرجة أن قطع قماش حرير سقط على نصله.

انتبه إلى، قال وهو يشير بسكين آخر: سيب السكينة لسه هعيد عليها، انبهرت!، هذا أفضل بمراحل من حجر الجلخ، تركت السكين واستمرت المتابعة.

 

الصاروخ يدور بسرعة شديدة، يضع جنب السكين عليه،  يمرره من أعلى إلى أسفل، يزأر الصاروخ باللمس كأنه آلة تنبيه سيارة، يضغط على مناطق محددة، ويترك أخرى، يحدد المناطق كثيفة الاستخدام، يجعلها حادة أكثر من غيرها، يطرد الوسخ بالاحتكاك فيترك السكين جديدا ومخيفا، يعيد له هيبته، يتركه يهدأ، يعيد الكرة مرة أخرى، بسهولة ويسر، يضع السكين المنتهي من المرحلة الأولى على يمينه، يتناول آخر من شماله، أعد له كوب شاي سريع: سكر زيادة طبعا.

 

لا معلقة سكر واحدة.

 

أول مرة أشوف صنايعي بيشرب شاي سكر خفيف!.

 

أصل أنا مش صنايعي أنا معايا بكالريوس تجارة، أمثل الدهشة لمجاراته، أحيانا يكون عزاءه الوحيد نظرات الدهشة والانبهار بإنجازه.

 

فعلا!؟.، طب وايه اللي خلاك تشتغل هنا؟ متقوليش ملقتش شغل أنت لو اشتغلت في قهوة أحسن لك.

 

يبتسم دون كشف أسنانه: لا دي مهنة أبويا وأجدادي، من زمان وهما بيسرحوا يسنوا السكاكين أيام ما كان حجر جلخ مش صاروخ وبيشتغل بعجلة وبيشلوا على ضهرهم.

 

دي مش إجابة؟، ده مش معناه إنك تشتغل زيهم.

 

يضع السكين على الحجر، يستنطقه ليجيب بدلا منه: لا أنا بحب الشغلانة، اشتغلت محاسب في شركة صغيرة بس تعبت، فكرة إنك تشتغل عند حد دي وحشة قوي، بيتحكموا فيك، أنا كده حر نفسي. بمزاجي، لما يبقى معايا فلوس اقعد في البيت ومشتغلش، عيبها لما أتعب ومفيش فلوس، بس أنا حر نفسي أعمل اللي أنا عايزه وبراحتي.

 

يعمل وهو يتحدث، ننتظر فترات راحة السكاكين من الضغط على الحجر لبدء الحوار. السكاكين تتراكم على الجهة اليمنى. أغير ملابسي وأجهز الأموال لمحاسبته، ألمح ارتباكه، السكاكين خلفه، أقترب أنحني لمسك سكين لمعاينة عمله قبل الحساب، في لحظة يضع أكبر سكين على رقبتي، تتغير لهجته: سيب السكاكين، السكين على رقبتي حاد جدا، رهبة الموقف تربكني، أخشى على ابنتي وزوجتي. يقول بهدوء مصطنع: بالراحة كده هات كل الفلوس اللى في البيت، نادي على مراتك. يلوي ذراعي بعنف: نادي على مراتك.

سمر، تأتي على مهل، تصرخ، يقول: اسكتي وإلا دبحته قدام عينك.

 

ترد في هلع والنبي لا، أنت عايز مننا أيه؟

 

في خوف أقول: بس يا سمر أعملي إللي هييقولك عليه، أتماسك قليلا: متفكرش إني معايا فلوس، كل الفلوس في البنك.

 

يرد: لو مسكتش يا بن الوسخة هموتك، هدبحك زي الخرفان يا خول.

 

أنا بقولك علشان مش هتاخد مننا حاجة، فانزل من سكات وكأن مفيش حاجة حصلت وكمان مش هبلغ.

 

يرد بغضب: هاخد دهب مراتك، دبلة الجواز، أي حاجة.

 

يوجه كلامه لمراتي: هاتي كل الفلوس إللي في البيت وحطيها على الترابيزة دي، يمسك معصمي بقوة، والسكينة على رقبتي، يمكنني أن أفلت معصمي من يديه، لكن السكين حاد، جربته على ظفري، غلطة واحدة ويخرج دمي كله من الشريان الرئيسي في رقبتي.

 

أفكر بسرعة، لا حل إلا بالحديث معه: يعني مش كنت رحت منطقة أحسن من دي، والله إحنا ممعناش فلوس في البيت، معايا كارت الفيزا، لسه المرتب نازل من يومين سحبت مصاريف تقضي يومين وخلصت، كل اللي معايا 70 جنيه، ارتفع صوتي عند 70 جنيه، يضغط على معصمي بقوة: أخرس يا بن القحبة.

 

تمام هخرس بس صدقني هما 70 جنيه مفيش غيرهم، يدفعني للأمام ويتحرك ينادي على زوجتي: أنت فين اتأخرتي ليه؟، هدبح جوزك.

 

يلكزني بركبته، نادي عليها: يا سمر.

 

أنا بدور على الفلوس، صوتها ضعيف جدا، بعيد.

 

يقول لي: هي فين؟، فين أوضه النوم.

 

على الشمال أهي، يضرب الباب بي ينفتح يدفعني بقوة، ندخل الغرفة، فارغة، أشعر بتوتره، أنفاسه ساخنة متقطعة توقف شعيرات مؤخرة رأسي، قبل أن يلتفت ويخرج أسمع بوم، ترتخي يداه يجرح السكين رقبتي، أصرخ من الخوف، أضع يدي على رقبتي مكان السكين: الحمد لله جرح بسيط مزق جزء من الجلد فقط.

 

أربطه بحبل الغسيل الجديد في أرجل طاولة السفرة، ألملم نفسي وأفكر ماذا أفعل؟.

زوجتي أكثر هدوءا مني، متوترة لكنها واثقة فيما تفعله، قالت: أربطه في سور البلكونة ونقفل عليه، هنا ممكن يفك نفسه في لحظة ويقتلنا.

أضربه بقدمي: يا بن المتناكة يا خول أنا مش هحلك انهارده

متضربوش أحسن يفوق، نحمله، كأنه جثة، أسبه، ننقله معا إلى الشرفة، أربط طرف الخيط في أعمدة سورها.

تقول: اتصل بالشرطة وأنا هقفل البلكونة كويس عليه.

يدي ترتعش أتحسس الجرح، أضع عليه ماء وعلى وجهي، أحاول أن أتذكر رقم النجدة، سمعت جاري ينادي عليً خرجت، حكيت له ما حدث. فجأة أسمع صرخة زوجتي… سقط. 

 

سقط عامل في العقد الرابع من العمر من شرفة بالدور الخامس بعد أن حاول سرقة المنزل.

 

2

غسلت المواعين مرتان، نظفت الشفاطات، دعكت حيطان المطبخ والأرضية، أخرجت المحفوظات من الثلاجة وغسلتها، ولم أجد راحة أبدا، روحي متقطعة، منقسمة، مفتتة كعلب التونة الرخيصة، تعوم في بحر من اللاوعي، أدقق النظر إلى سوائل التنظيف، أعبث بها بيداي أسكبها برفق، لزجة، تسيل لأسفل بنعومة، كعمري الذي يهرب دون أن استمتع به، 35 عاما لكن أبدو فوق الخمسين، في الشارع ينادونني يا حاجة. جارتي أصغر مني بخمس سنوات تقول لي يا طنط، الحياة تمر من بين أصابعي، المتعة منها انتهت، والآن جاء دوري للسكون والتفكير في مستقبل ابتني. لم أحقق شيئا ولا أريد، أريد أن أشعر مرة أخرى، بحب، أن أعود مراهقة، تملع عيناها ويدق قلبها وتحلم بالحب.

 

أعيش حياتين، مع زوجي. أطفئ الأنوار ونحن نمارس الجنس، أتجنب نظراته لجسدي، تذكرني عيناه بوزني الزائد، بترهلاتي، ببطني المدورة، لا أريد أن أراه ينظر إلي، أمثل وصولي للنشوة بعد مرحلة من الوجع، حياتنا روتينية، قاتلة، نتحدث عن ابنتنا فقط، لا يوجد بيننا إلا المشاكل والقرارات المهمة والطلبات المنزلية وضروريات العيش المشترك، ومزيد من المشاكل والصراخ والغضب والمشاعر السلبية.

 

الحياة الأخرى مختبئة لكن في النور، أسير عارية أمامه، بلا خجل، كأني ونفسي حينما تكون راضية عني، عيونه تمدحني، ينظر لي بشهوة، حينما نتكلم أحب أن تلمس أصابعي جسده، كأنه مغناطيس، أترك كف يدي يشعر به، أجلس قريبة منه، يهمس في أذني معظم الوقت، تعودنا على الهمس خوفا على علاقتنا من زوجي وزوجته السابقة، تعجبني همساته، لا أسمع معظمها، لا تصل، لكن أنفاسه تمدحني، جسدي يتحرك، يعود سنوات إلى الوراء، أشعر أني بنت، يلمسني بنعومة وقوة، يمزق خلاياه، يؤلمني بحب، كالشطة الحارة يلسعني فأرتجف من النشوى، يتحدث معي عن كل شيء، أحقد على زوجته، أحسدها عليه، يسمعني باهتمام، يشجعني، يبدد خوفي وترددي، لكن أخاف منه أحيانا، من صورنا على هاتفه، من التسجيلات الإباحية التي أرسلها له وهو في العمل، أخاف على حياتي الأخرى، من الفضيحة، من خسارة ابنتي إلى الأبد، أخاف من غدره، ومن تعودي عليه، سنتزوج، لكني أريد ابنتي وشقتي، طلق زوجته فلم ينجب منها وأريده أن ينساها كأنها لم تولد.

 

كل ما يجب أن أفعله أن أطلب من زوجي أن يحد السكاكين الباردة لتبدأ خطتنا. الخلاص. لا أطلب منه، الكلمات لا تخرج، أتعلق بإشارات لا تأتي، مترددة، روحي متقطعة مفتتة كبلورة مكسورة.

سمعت صوت فتح باب الشقة: سمر. دخلت خلفه غرفة النوم، رأيت آثار حذاءه على السيراميك والسجاد، تعاركنا كثيرا بسبب الدخول بالحذاء إلى غرفة النوم، دمي يغلي، مغص الدورة الشهرية يقتلني، لم تنفع معه المسكنات هذه المرة، تأخرت على غير العادة، نظرت إلى الحذاء، ارتبك واعتذر بآلية بلا آسف حقيقي، لم أرفع عيني عن الحذاء: عايزين نسن السكاكين، كلها مش نافعة.

 

كل يوم اترك ابنتي عند جارتي بحجج مختلفة، أنتظر المكتوب، كل يوم أقول له عايزين نسن السكاكين، لابد أن أطلب منه الشيء أكثر من مرة حتى يستجيب، لا يهتم بما أريد، يفكر ويهتم بالأشياء التي يريدها كقمصان النوم ومداعبة عضوه والطعام، كل يوم انتظر أن يصل ومعه سامح. أخاف من الفشل، وأحيانا أتمنى ألا يتقابلا أبدا، وأياما أخرى أدعو الله أن ينتهي العذاب وزواجي.

 

سمعت صوت فتح باب الشقة، قال: يا آية، عرفت أن معه أحدا ما ولا يريد ذكر اسمي، سقط منى طبق، بالكاد سمعت لومه لي، وضعت طرحة على رأسي وخرجت إلى الصالة، رأيته يرتدي جلباب رمادي فاتح وعمة بيضاء على رأسه ومعه الصاروخ، لمحت توتر عيناه، شعرت بخيط الدم يتحرر، دافئ يلسع فخذي، ضغطت على شفتي السفلى، دخلت بسرعة قبل أن يسقط دم الحيض على الأرض، حذرتني أمي من سقوط الدم على الأرض، “يجلب النحس وينجس البيت”، يداي ترتعش، ثدياي كتلتين من الجحيم، أعد كوبا من الشاي لسامح، صوت أزيز الصاروخ كصفارات إنذار غارة، بركان في صدري يفور، عقلي يختنق من الأفكار، تتقافز كالماء المغلي، تتبخر إرادتي، السهم تحرر من القوس كدم الحيض، لا يمكن منعه، المكتوب هنشوفه، يقبلني زوجي في رقبتي من الخلف، يمسك مؤخرتي بشهوة، يفعل هذا حينما يريدني، لا يعلم أن الدم نزل، وأنه في يومه الأخير، تعجبني فكرة أن يموت بهيجانه: الراجل هيسمعنا

يرد بتحد: طظ. يخرج من جيبه إيصال: حجزت لك حمام مغربي وساونا في الفندق اللي جنبنا، فندق رخيص لكني كنت أريد الحمام المغربي.

إقرأ أيضا
الونس

 

عيناي تدور ولا تنظر في وجهه، يتنفس بإحباط: كنت فاكر إنك هتبقى مبسوطة.

أرد بسرعة: الدم نزل علي انهارده

 

إحباطه يزيد: مش مشكلة اتصلي بيهم وغيري المعاد، الشاي خلص؟.

 

ألتقط ملابسه التي خلعها من على الأرض، آخر مشهد في دور الجارية، الخادمة التي اشتراها بجنيه مهر، آخر مرة أضع ملابسه في الغسالة، لن يطلب الطعام مرة أخرى، سأستريح من الطلبات.

 

سمعت اسمى، قلبي يسقط في بئر عميقة، اشعر بفراغ في صدري، أتحرك بصعوبة إلى الصالة، لا تحملني قدماي، سامح يضع سكينا على رقبة زوجي، أصرخ بصوت ضعيف، أدخل أحضر الفلوس، يقول 70 جنيه، 70 جنيه، أجلس على السرير لا أقوى على النهوض، سيلقيه من البلكونة، يسقط من الدور الخامس، أحبال النشر جاهزة، أبحث عن سكينة كنت وضعتها في درج التسريحة، كنت أخاف من دخول حرامي وزوجي غائب، سكينة في الدرج يمكن أن تحميني، لم أجدها، ماذا سافعل؟، وجدت عصا كان زوجي يستند عليها حينما كسرت رجله، مسكتها من نهايتها، شعرت بالقوة، كأنها طرف جديد لجسدي، أو وصلة جديدة لذراعي الأيمن تجعله أقوى، انتظرت خروجهما من الغرفة، رفعتها وهويت بها على رأس سامح، سقط على الأرض، في عيناه بقايا دهشة وحزن، وفي قلبي وجع وغضب، دخلت الشرفة وأحضرت أحبال النشر، ربطت فمه بمنديل، وأقنعت زوجي بربطه في أعمدة سور الشرفة التي تشبه القلل، انتظرت أقرب فرصة وفتشت سامح، فتح عينيه، يحاول أن يتملص من الحبل، نظر لي بمزيج من الدهشة والخوف، حزنه دفع دمعة وحيدة على خده، أربكتني، لمسته كأني أودعه، وجدت الهاتف، أغلقته، وضعته في صدري الذي لا يكف عن الصعود والهبوط والفوران، سمعت زوجي يتحدث مع جارنا الذي سمع الصراخ، هل صرخت بصوت عال؟، لا أنظر في عين سامح، أحرر قيوده من سور الشرفة بالسكين الحاد، يقف، يعطيني ظهره كي أحرره يديه المعقودة خلفه، أمسك قدميه، أرفعه، أدفعه، أسمع أنين الخوف، كثور يُذبح، قلبي يتقطع يتفتت كحبات الأرز، سمعت ارتطامه على الأسفلت وصرخت. 

 

تلقى اللواء سعيد الفتوة مدير الأمن بلاغا من مأمور قسم الشرطة بتلقيه بلاغا من الأهالي بسقوط ( سامح. أ محاسب – 32 عاما) من شرفة منزل بالدور الخامس بعد أن انتحل صفة عامل “سن سكاكين” لدخول منزل المجني عليه وسرقته.

 

3

رتبنا كل شيء، طرحنا كل الاحتمالات، لم نترك ثغرة، رسمنا مصيرنا، وحلمنا بالحياة معا.

 

كنت أريد أن تنتهي حياتها مع زوجها بالطريقة الطبيعية، أن تخلعه وتترك له كل شيء، عذابها لا يستحق ثانية واحدة أخرى معه، تتركه وترحل، وابنتها ستصبح ابنتي، أربيها كما لو كنت سأربي ابنتي التي تمنيتها، أرادت أن تنتقم منه، من سنوات عذابها معه، من إهمالها.

رفضت في البداية، غضبت، هجرتني، توسلت، قالت أحلم برجل يحميني، كنت أخاف من أنت تفلت مني، كأحلامي بأن أكون غير أبي، أن أصبح موظف له راتب شهري، ومعاش، مطمئن، لا أنتظر إلا أول الشهر، وكانت هي معيني، تراني الهيرو، الفارس، كانت تشبعني نظراتها الراضية، وجودها مطمئنة بجواري لا تحلم إلا بي يجعلني ملكا.

من حقها أن تطفئ النار بداخلها، ألا تتركه ينتصر ويأخذ كل شيء منها، حياتها، الشقة التي كتبتها باسمه رغم معارضة أهلها، أن يظل موجودا في حياتها حتى بعد الانفصال، وتضطر إلى رويته بسبب ابنتها، حقها أن تنتقم.

 

صاروخ أبي يعمل، أحد به السكاكين لي وللجيران، اشتريت جلباب رمادي فاتح وعمامة بيضاء تغطي رأسي وتخفي جزء من ملامحي، أنظر في المرآة، أرى أبي تماما، ولده الوحيد الذي أخذ كل شيء منه حتى ملامحه الحادة، أحد السكاكين مثله أيضا، لكني أرتدي جاونتين للسلامة، وحتى لا تتحجر يداي مثله، كنت اسمع أمي تشكي من خشونتها لجارتنا.

عشرة أيام أتجول في المنطقة، قبل ميعاد وصوله للمنزل بنصف ساعة، أحمل الصاروخ وسلك الكهرباء السميك، أنادي مثل أبي “أسنننننن السكينة أسننننننن المقص”، أتفادى النظر في وجه البشر، أعمل مضطرا وأهرب سريعا، لا أريدهم أن يحفظوني.

كل يوم أراه، لا ينتبه لندائي، تبكي في الهاتف: قلت له لكن مفيش اهتمام، الحاجات البسيطة الصغيرة زي الكبيرة، لو كان بينتبه لطلباتي كان نادى عليك، كان سمعك، هو في دنيا وأنا في دنيا أنا خلاص زهقت.

 

زوجتي أيضا كانت لا تهتم بي، طلقتها، لم تنجب رغم عمليات التلقيح التي دبرت أموالها بالكاد، كنت أظن أنني أحبها حتى تعرفت على سمر، كان لقائنا كلقطة سينمائية، سقطت هاتفها في الميكروباص، ظنت أنه سرق، طلبت أن نتصل به، أخذت رقمها واتصلت، رن الهاتف أسفل مقعدها، ابتسمت خجلا، وجهها كان مبهجا كوردة، خطفتني، عيناها واسعتان تذبح كنصل حاد، لم تفارقني ليومين، لا نوم لا أفكار ولا أحلام إلا أن أجدها، وجدتها على الفيس بوك كأشخاص ربما أعرفهم، كانت تضع صورة زفافها، أصبحنا صديقين، وبعد مدة عاشقين.

 

الخطة بسيطة لكن يجب تنفيذها بحذر، خطأ صغير يساوي سجن، توقفت سمر عن الشكوى من زوجها للجيران، نشرت على الفيس صورهما معا مع كلمات جميلة عن الحب، قطعت أحبال نشر الغسيل، اشترت أحبالا جديدة، تركتها في الشرفة، نسقط زوجها من الشرفة وتدعي انتحاره.

أهدده بسكين وأوهمه بالسرقة، أدفعه ناحية الشرفة، تمسك سمر قدميه وترفع وسطه إلى السور وتتركه يسقط، تدربنا على هذه اللحظة كثيرة، تركتها ترفع وسطي إلى حافة السرير، عاريين، أسحبها فوقي بعد كل دفعة، أقبلها في كل مكان تطوله شفتاي، أحب استمتاعها، يدفعني للجنون، انتصب، أتمهل أكثر، أدفعها إلى بداية حفرة الشواء، لا أتركها تستقر على حالة، الاستقرار ممل، أعطيها قليلا قليلا، ثم أنهي بقوة، كنهم كجائع، تستسلم كأنها تسقط في الماء، تغيب لحظات، تغمض عينيها، تعض شفتها السفلى، تشعلني أكثر، نغيب، لا نسمع ما حولنا، تغلفنا أبعد سحابة عن الأرض.

 

أصعد مع زوجها إلى الدور الخامس، أسير خلفه بمسافة كافية، لا أريد أن يلاحظني أحدا معه، ألمح نظراته المتشككة إلى ملابسي وسلك الكهرباء، كنت جهزت كل شيء، تدربت على الأجوبة بابتسامات السخرية واصطناع الجدية، كل شيء مدروس.

أضع السكين على رقبته، أدفعه إلى الداخل، مرتبك رغم التدريب، قلبي يرتجف من الخوف، أمسك معصمه بقوة كي أتماسك، لو تركته جسدي سيرتجف، ألاحظ أنه يرتجف أيضا، ألكزه بركبتي، أبحث عنها، هل انهارت من الخوف وغشي عليها؟، أسمع هسيس خلفي، قبل أن أسقط اسأل نفسي عن الخطأ الذي لم نحسبه.

في الشرفة وجدتها عيناه تدمع لكن جامدة، غريبة كأني لا أعرفها، تحررني من سور الشرفة، أقف وأعطيها ظهري لتخلصني، تمسك قدماي، أستسلم لمحاولات تخليصي، تدفعني، قبل أن أقاوم أجد رأسي في اتجاه الشارع أسقط، ولا أعرف لماذا ؟

 

وفاة محاسب انتحل صفة عامل لسرقة منزل فسقط من الشرفة بعد أن ضبطه الأهالي

كتب- ربيع النادي

سقط عامل في العقد الرابع من العمر من شرفة بالدور الخامس بعد أن حاول سرقة المنزل.

تلقى اللواء سعيد الفتوة مدير الأمن بلاغا من مأمور قسم الشرطة بتلقيه بلاغا من الأهالي بسقوط ( سامح. أ محاسب – 32 عاما) من شرفة منزل بالدور الخامس بعد أن انتحل صفة عامل “سن سكاكين” لدخول منزل المجني عليه وسرقته.

وكشفت التحريات أن المحاسب انتحل صفة العامل ودخل المنزل وهدد الزوج والزوجة بسلاح أبيض “سكين” للحصول على أموالهما ومجوهرات الزوجة إلا أنها تمكنا من القبض عليه وتوثيقه بالحبال في الشرفة إلا أنه حاول فك قيوده فسقط من أعلى ما أدي إلى إصابته بارتجاج في المخ ولفظ أنفاسه الأخيرة قبل وصوله المستشفى.

تم تحرير محضر بالواقعة وعرض على النيابة التي أمرت بتشريح الجثة وتسليمها لذويه واستمرار تحريات المباحث.

 






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان