همتك نعدل الكفة
317   مشاهدة  

سلام على من غرق في فناجين القهوة (2) دي بلزاك وأيامه الأخيرة

بلزاك


انتهينا الأسبوع الماضي عند دي بلزاك و دوبيرني، دعنا نستكمل حديثنا عن هذا العبقري

اقرأ أيضًا 
سلام على من غرق في فناجين القهوة (1) بلزاك ودوبيرني

فكر دي بلزاك في أن يغامر بالدخول إلى سوق الأعمال التجارية علّه يحقق ثراءً سريعًا يضمن له معيشة كريمة ليتفرغ لأعماله الأدبية بشكل نهائي وكامل، فانشأ دارًا للنشر ومطبعة، ووضع خطة لإستيراد الأخشاب لفرنسا، كما سافر إلى إيطاليا حيث مناجم قديمة للفضة التي أراد استخراجها، ولكن بائت كل تلك المحاولات بالفشل، وأغرقته الديون بلغت مائة وخمسة وعشرون ألف فرنك قبل أن يبلغ الثلاثين من العمر، فقد كان يتحدث عن مشاريعه بحماس شديد ويروي كافة تفاصيلها الدقيقة كأنه يكتب رواية ويصف أفكاره فيها ويحكي عن خبايا نفوس أبطاله، فقام أحد التجار الصغار بسرقة أفكاره وسارع ونفذها في صمت، فلم يتبق لديه إلا موهبته الفريدة، الكتابة التي لا أحد يستطيع سرقتها منه.

دي بلزاك

عمل بلزاك كثيرًا وصبر وثابر وعاني طويلًا،فكان ينام في السادسة مساء، ويستيقظ منتصف الليل ويظل يعمل حتى مساء اليوم التالي، ويقاوم النوم بفناجين قهوته إلى ان إنهارت صحته، ليصل إلى قمة المجد والشهرة ويجني ثمار نبوغه وعبقريته ويؤثث بيتًا فاخرًا عوضًا عن تلك الحجرة الحقيرة.

ثم التقى بهانسكا وأحبها، تلك المرأة البولندية الأرستقراطية الجميلة المدللة التافهة اللعوب، والتي كانت إحدى معجباته، وظلت ترفض الزواج منه إلى ان عرفت بمرضه وأنه قد اوشك على الموت فتزوجا، ولم يكد يمضي على زوجهما ثلاثة أشهر حتى سقط بلزاك ميتًا بالذبحة الصدرية بسبب فناجين القهوة التي كان يستعين بها لمقاومة النوم.

كان يتألم كالملعون شاكيًا من صدره وكليتيه وقلبه، ولم يعد قادرًا على التنفس، كان يختنق وينتفخ جسمه كالقربة، فكان الأطباء يفرغون قيح جسمه يوميًا بمبزلة، إلا أن البزل نفسه لم يعد يجدي.

لم يضعف كبرياءه المبدع أمام الموت، وأكد مرة أخرى قوة إيمانه بعمله عن طريق كلماته الأخيرة التي تلفظ بها باقتناع في لحظات احتضاره فقال  : ” أحضروا لي الطبيب بيانشون فلن ينقذني أحد سواه”، وقد كان “بيانشون” شخصية طبيب خيالية في إحدى رواياته.

دي بلزاك

وكان فيكتور هوجو يزور صديقه بلزاك وهو يحتضر، ورأي هانسكا زوجته مع عشيقها في فراشه وهي تخونه، وقد خص هوجو الشديد الاعجاب ببلزاك بصفحات تراجيدية جميلة آسرة من كتابه  ” ” Les contemplations”التاملات”.

إقرأ أيضا
حكيم الأغنية الشعبية

وهكذا عاش بلزاك العبقري حياة عاصفة مؤلمة مضطربة، إلا أنه ترك وراءه في عالم الأدب ما يزيد عن 2000 شخصية نادرة هم أبطال رواياته الذين صوروا الإنتهازية والبخل والجشع والحقد والأنانية والقهر والحرمان، وكافة الصراعات الإنسانية.

يقول عنه المؤرخ الأدبي جوستاف لانسون : “إن بلزاك لا يحسن الكتابة في الفضيلة والخير…إنما تبدأ عبقريته عندما يتجه إلى الكتابة عن الرذيلة والشر”.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان