سيباستيان هالر.. لو بقِيت لي لحظة واحدة فسوف أحياها لأقصاها
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في فيلم وثائقي من إنتاج شركة التلفزيون الفرنسية canal+ .. بعنوان Fight، نرى بريسيلا – زوجة هالر – تصف الأخبار المتعلقة بإصابته بالورم بأنها “كابوس”… وكان هالر وقت قيل هذا الوصف “كابوس” .. محاطًا بالأسلاك حول قفصه الصدري ورقبته منتظرًا تقارير الأطباء حول حياته التي كانت على المَحَك لفترة من الفترات، وذلك حين رحل من فريقه الهولندي “أياكس”، منتقلًا إلى الفريق الألماني بروسيا دورتموند، ليحل محل إيرلينج هالاند الذي ذهب إلى كتيبة بيب جورديولا في مانشيستر سيتي.
وعندما نكتب أن حياة الرجل جد كانت على المَحك، فإنك لابد أن تعلم أن مصابه كان عُضال، حتى إن أخبار الصفقة الجديدة التي انتقلت إلى العملاق الألماني “دورتموند”، والتي اكتثُشف بالصدفة إصابته بسرطان الخصية .. كانت حديثًا لكل الصحف الرياضية حول العالم .. وأجري “هالر” عملية استئصال الخصية المُصابة بعد أسبوعين فقط من الكشف الطبي .. وكانت سيرته – عقب ضجة الإصابة – قد ذهبت أدراج الرياح .. وكأن لاعبًا لم يكن.
وكانت الليالي قد مرّت على الإيفواري الذي لعب للمنتخبات الفرنسية لكنه في النهاية قرر تمثيل منتخب بلاده، وكانت الليالي قد مرّت بثقلها ومُرها، ومن طبيب إلى طبيب، ومن مرحلة علاجية لأخرى .. وكانت أخبار اللاعب قد اختفت على كل الصحف التي كانت تتابعه منذ أن قالوا بأن كرة القدم في انتظار موهبة جديدة .. وكانت حكاية اللاعب الذي يبلغ الـ 29 من عمره كانت تغلق أبوابها وتتوارى شيئًا فشيئًا .. لكن هناك فصلًا جديدًا كانت الأقدار قد خبّئته، وكانت أسطورة النور الموجود في نهاية النفق قد أعلنت عن وجودها فعلًا لا وجودها الأسطوري بين أوراق الكتب وعلى ألسنة الفلاسفة .. وكان الحديث عن الأمل –تك المرة – ليس دربًا من دروب التخدير الإنساني للصبر على الأيام، وكانت الحياة قد قررت أن تعطينا درسًا من جديد وتقول لنا : مازلت سخيّة، أعطي المؤمنون، وأتعالى على كل المتشائمين، وأرقص عندما تظنون أنني على وشك البكاء، وأطير عندما تتيقنون بأنني سأحط على الأرض بلا حركة.
وكانت بطولة إفريقيا هي مثال حي على أن “هالر” قد رضت عنه لعبة الحظ، وأن مسألة (البخت) ولعب الورق ما تزال موجودة على الرغم من ارتفاع أسهم النكد، وابتذال قصص الأمل حتى أنها أصبحت تفضي إلى كآبة في النفس، ذلك لأن (صنعة) الأمل أغرقت الناس إلى الأنوف فما عادت تُصدَّق، وانتشار التحفيز المصطنع جعل من التحفيز تكسيرًا لمقاديف القصص الواقعية الحقيقية .. وفاز اللاعب “هالر” ببطولة إفريقيا 2024 حيث أحرز لفريق ساحل العاج أهدافه الحاسمة في بطولة لم يكن يتوقع أكثر المتفائلين من ساحل العاج الفوز بها، فتعثرات الفريق أكبر من إنجازاته، ومع ذلك لعب الحظ لعبته، ودار الورق دورته، كي يثبت لنا كل مرة أن التشاؤم دربًا من العدمية أكثر منه الواقعية، وأن الأيام يمكن أن تقلّب نفسها بنفسها وتختار المؤمنين .. وأنه ليس هناك أفضل من قاعدة الشاعر أحمد مطر في قصيدته التي كتبها بعنوان “طائر الأماني” مستجديًا الحظ في كل لحظة : لو بقِيت لي لحظة واحدة فسوف أحياها لأقصاها.
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال