رئيسة التحرير
رشا الشامي
همتك نعدل الكفة
56   مشاهدة  

سيد الناس.. متى تنتهي هيمنة “دراما المقاولات” على الشاشات؟

سيد الناس
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



إذا كان هناك مصطلح يلخص تجربة مسلسل سيد الناس، فهو أن العمل ليس دراما حقيقية، بل مجرد مقاولة درامية بامتياز. فالهدف هنا لم يكن تقديم حبكة جديدة أو شخصيات متطورة، وإنما تسليم منتج مطابق للمواصفات المعتادة التي يقدّمها محمد سامي عامًا بعد عام: البطل الشعبي الخارج من السجن، الصراعات العائلية المتوارثة، الحوارات الزاعقة، الشخصيات النمطية، والخلطة البصرية التي تكررت حتى أصبحت بلا روح.

منذ اللحظات الأولى، يبدو أن صُنّاع العمل تعاملوا معه كمشروع تجاري مضمون الربح، حيث يتم إعادة تدوير العناصر نفسها التي أثبتت نجاحها سابقًا، دون أي محاولة لخلق تجربة درامية تستحق المشاهدة. وهنا يصبح السؤال: إلى متى سيظل المشاهد زبونًا لهذه النوعية من الأعمال؟

حبكة مستهلكة بلا مبرر فني

سيد الناس يدور حول شخصية “سيد”، الرجل الذي خرج من السجن ليواجه صراعات الماضي والانتقام والعداوات القديمة، وهي حبكة لا تختلف كثيرًا عن أعمال سابقة لمحمد سامي مثل الأسطورة والبرنس وجعفر العمدة. لكن المشكلة الحقيقية ليست في التكرار فقط، بل في غياب أي عمق درامي حقيقي داخل هذا القالب المكرر.

فلا توجد تفاصيل جديدة تجعل الشخصيات أكثر واقعية، ولا نرى تطورًا حقيقيًا في البناء النفسي للأبطال، بل مجرد توظيف مفرط للمبالغة والصراخ والعنف وكأنها بدائل عن كتابة سيناريو قوي. الشخصيات كلها تسير وفق معادلة واضحة: رجل قوي، نساء يصرخن، أشرار يتآمرون، حوارات لا تخلو من الاستعراض الزائف.

عمرو سعد.. أسير القالب الواحد

عمرو سعد، الذي قدّم أدوارًا مميزة في بداياته، يبدو في سيد الناس وكأنه عالق داخل صورة “البطل الشعبي” دون أي محاولة للخروج منها، يظهر بنفس النبرة الصوتية المبالغ فيها، ونفس “التنهيدة العميقة” التي يفترض أنها تمنح الشخصية عمقًا لكنها في الحقيقة تبدو مفتعلة، وبنفس طريقة المشي التي تعتمد على البطء والاستعراض، وكأن كل هذه الأمور كافية لصنع شخصية مؤثرة.

لكن المفارقة الأكبر أن شخصية سيد خرجت من السجن بعد ثلاث سنوات، ومع ذلك يظهر في المسلسل بجسد رياضي وكأنه كان يتدرّب يوميًا في صالة جيم مفتوحة! هذه التفاصيل الصغيرة، التي يُفترض أن تعكس واقعية الأحداث، يتم إهمالها تمامًا لصالح الإبهار السطحي الذي يخدع المشاهد في البداية، لكنه سرعان ما يكشف عن فراغه الفني.

إلهام شاهين.. الأداء الأكثر غرابة

أما إلهام شاهين، فقدّمت في المسلسل أداءً يثير التساؤلات، إذ خرجت تمامًا عن طبيعتها الهادئة المتزنة إلى أداء مسرحي مبالغ فيه، مع انفعالات غير مبررة وتكرار للصراخ والعبوس وكأن هذه هي الوسيلة الوحيدة للتعبير عن المشاعر. لا يبدو أن الشخصية مكتوبة بأسلوب يمنحها أبعادًا درامية حقيقية، بل تبدو مجرد إضافة استعراضية للمسلسل، دون أن تقدّم قيمة فعلية للأحداث.

كاست متذبذب وأداء مفتعل

المشكلة لم تتوقف عند الشخصيات الرئيسية، بل امتدت إلى معظم المشاركين في المسلسل، فأحمد زاهر، يقدّم أداءً مكرّرًا بنفس انفعالاته المعتادة، دون أي محاولة للتماهي مع الشخصية أو منحها طابعًا مميزًا، أما عن رنا رئيس لم تتوقف عن الجحوظ والصراخ في كل مشهد تقريبًا، وكأنها تؤدي دورًا في فيلم رعب وليس في مسلسل درامي، وكذلك نشوى مصطفى ظهرت في شخصية غير ملائمة لها على الإطلاق، بأداء متكلف لا يتناسب لا مع خبرتها الفنية ولا مع طبيعة العمل.

 مصطفى عماد: ضوء وسط العتمة

وسط هذا الكم من الأداء المفتعل، كان مصطفى عماد هو الاستثناء الوحيد، حيث قدّم شخصية آسر الجارحي بتلقائية وهدوء بعيد عن المبالغة، مما جعله النقطة الأكثر إشراقًا في عمل يعاني من فراغ فني واضح.

محمد سامي.. المخرج الذي يقتل شخصياته

المشكلة الأكبر ليست في أداء الممثلين فقط، بل في رؤية محمد سامي الإخراجية التي تفرض على الجميع نفس أسلوب الأداء المبالغ فيه، وكأنه يريد تحويل كل الشخصيات إلى نسخ متشابهة. لا توجد مساحة لخلق شخصيات ذات طابع مختلف، بل مجرد كليشيهات مكررة يتم استنساخها كل عام.

والأدهى أن سامي قرر هذه المرة أن يشارك كممثل، رغم أنه يفتقر إلى الحد الأدنى من أدوات التمثيل! وكأن المسلسل لم يكن يفتقر بالفعل إلى الواقعية والإقناع، فجاءت مشاركته لتضيف مزيدًا من الافتعال والضعف الفني.

إقرأ أيضا
إبراهيم فايق

“سيد الناس”.. دراما بدون “ناس”

المفارقة الأهم في المسلسل أنه يحمل اسم سيد الناس، لكنه بعيد تمامًا عن الناس سواء في كتابته أو معالجته.، فهو ليس عملًا يتناول واقعًا اجتماعيًا ملموسًا، بل مجرد قصة مستنسخة تعيد تقديم نفس القوالب التي لم تعد تقنع المشاهد الواعي.

ويبقى سيد الناس مجرد مثال جديد على كيف يمكن لمخرج أن يحوّل الدراما إلى منتج استهلاكي فاقد للروح،  والسؤال الذي يظل مطروحًا: إلى متى ستظل هذه النوعية من “الدراما المقاولاتية” تسيطر على المشهد؟

اقرأ أيضًا: قلبي ومفتاحه.. عمل غير مكتمل أم رؤية فنية ترفض الكمال؟

الكاتب

  • سيد الناس مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان