سيد رجب ورحلة جاسون التي لن تنتهي أبداً
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
(1) البداية:
وجه مصري أصيل يمتلك سمرة معتادة وشعراً أسود مجعداً، خطه المشيب، وزوجين من العيون «المغمسة» بالحزن وأنفاً مفرطحاً وشارباً كثاً وشفتين رفيعتين للغاية وكأنها قررت الرحيل.
وجه مصري خالص قد تقابله أثناء رحلتك إلى العمل في المترو أو في محل الفول والطعمية حين تقرر شراء الإفطار.
من مواليد 16 نوفمبر عام 1950، وتخرج من معهد الفنون المسرحية في أوائل الثمانينيات، عشق الفن وتحديداً المسرح لكنه خاض رحلة طويلة حتى تلحظه الأضواء على خشبته المقدسة.
*****
لم يكن جاسون البطل الإغريقي الشهير يعرف حين بدأ رحلته البحرية للحصول على الصوف الذهبي من كولخيس هل سيصل أم لا.
كان جاسون لا يملك سوى الهدف والأمل في بلوغه، بنى سفينته أرجو واستعد لرحلته جيداً ثم انطلق.
(2) النبوءة
43 عاماً انتظرها سيد رجب حتى يصل إلى محطته الأولى في رحلته المنشودة بحثاً عن الهدف، في عام 93 يحصل على جائزة أفضل ممثل في مهرجان المسرح التجريبي، الذي شارك فيها ضمن فرقة «الورشة» المسرحية التي ساهم في تأسيسها.
لم يكن الحضور يزيد عن 100 شخص، لم يلحظ أحدهم تلك اللمعة النادرة من السعادة التي كست عينَي رجب للحظات، بعدها كان يفكر جيداً في محطته المقبلة، كان يدرك أن الجائزة مجرد علامة على نبوءة قديمة أخبرته أنه سيصل لكل الناس، وأن هؤلاء الـ 100 سيزيدون عن 100 مليون يوماً ما.
****
ذات يوم كان جاسون يعبر مجرى مائياً عميقاً فوجد على الضفة بجواره امرأة عجوزاً طلبت مساعدته، فحملها فوق ظهره عبر المجرى المائي في شهامة وشجاعة، وصلت العجوز سالمة إلى الضفة الأخرى للمجرى لكن فقد ياسون صندله من إحدى قدميه، أصبحت إحدى قدميه عارية والقدم الأخرى بها صندل، أصبح ياسون عنئذ الشخص المذكور في النبوءة.
(3) الرحلة
الممثل المسرحي لا يكتفي فقط بالتمثيل بل يخوض غمار عدة ورش من أجل كتابة القصة والسيناريو، ويكتب عدة قصص قصيرة تتم ترجمة بعضها إلى اللغتين الإنجليزية والإسبانية.
يشارك كذلك في أدوار صغيرة في أفلام مثل فيلم «أحلام صغيرة» عام 1993، فيلم «أحلام مسروقة» عام 1999، فيلم «حب البنات» عام 2004، فيلم «الأولة في الغرام» عام 2007 وفيلم «قبلات مسروقة» عام 2008.
ولكن في «حب البنات» كان المخرج خالد الحجر دون غيره يرى ما لم يره أحد.. تلك الموهبة المدهشة التي لم تستثمر بعد، ذلك الكنز الذي لم يكشف أحدهم غطاءه.
كان سيد رجب بعدها يحصل على جائزته الثانية من مهرجان المسرح التجريبي عام 2007، بفاصل 14 عاماً عن الجائزة الأولى.
صار حبيسا في المتاهة، عاد صاحب الـ 57 عاماً إلى نقطة البدء وكأن شيئاً لم يكن، وكان السفر إلى أميركا استسلاماً براقاً ويبدو وكأنه انتصار صغير
****
حين وصل جاسون إلى كولخيس من أجل الحصول على الصوف الذهبي، فرض الملك أبيتيس ملك كولخيس ثلاثة شروط قاسية قبل أن يسمح لياسون بالحصول على الفروة الذهبية.
الشرط الأول: أن يحرث حقلاً بواسطة محراث يجره ثوران ينفثان النار من أفواههما ولهما أقدام من النحاس.
الشرط الثاني: أن يبذر في الحقل الذي حرثه أسنان التنين (وهي أسنان قيل إنها لو بذرت في الأرض لنبت منها رجال مدججون بالسلاح)
الشرط الثالث: التغلب على التنين الشرس الذي لا ينام أبداً والذي يحرس الفروة الذهبية.
(4) العودة
يعود سيد رجب من أميركا بعد رحلة قصيرة بقصته القصيرة «الشوق» التي طلبوا منه تحويلها إلى رواية، لكنه يحولها إلى سيناريو ويعرضه على عدة مخرجين فيرفضونه، ثم يقدم السيناريو من خلال ورش عمل خارجية عبر الانترنت في الأردن، والمغرب، ليتم قبول السيناريو ضمن 80 سيناريو في الأردن، ومن ضمن 65 سيناريو في المغرب، ثم يطلب منه خالد الحجر إخراجه، يتفرغ تماماً لكتابته بصورته النهائية، لكنه لم يرفض عرضاً من المخرج الشاب مروان حامد لأداء دور صغير في فيلم إبراهيم الأبيض، سحر الكاميرا لا يقاوم، وهو يهبها من روحه ومن خلال عينيه أقصى طاقته لكن لم يلحظه أحد بعد.
يشارك في بطولة فيلم «الشوق» في دور رجل مهزوم، طحنته الظروف الاقتصادية والاجتماعية، لم يكتب هذا الدور لنفسه، لكنه بدا وكأنه يرثيها حيئذ على الرغم من أن ظروفه الاجتماعية والمادية لا تضعه نهائياً داخل ذلك الإطار، ولم يجد الحجر أفضل منه لأداء مرثيته.
لكن مرثيته، كفنان، تعود به إلى الأضواء بقوة، يفوز الفيلم بجائزة مهرجان القاهرة السينمائي، وتتعلم الكاميرا أن تحبه ليراه الناس ويرى موهبته المبهرة، ويتساءل كل من شاهد الفيلم سؤالاً واحداً:
– مين الممثل اللي متجوز سوسن بدر وأبو روبي ده؟
«الشوق» ليس مجرد اسم، بل تعبير عن الحالة، كان صاحب الشوق متشوقاً إلى الأضواء، كان الموهوب قد مل الظلال.
****
عندما هبت أثينا بمصاحبة هيرا لمساعدة جاسون، ذهبتا معاً إلى أفروديت، وطلبتا منها أن تطلب من إله الحب إيروس أن يقذف بسهامه في قلب ميديا ابنة الملك أبيتيس (والتي كانت تجيد فنون السحر) لتحبه وتعشقه فتساعده في إنجاز الأعمال الصعبة التي فرضها عليه والدها.
وافقت الربة أفروديتي وأرسلت إله الحب إيروس ليلقى بسهامه الدافئة في قلب ميديا فأحبته، ووعدها جاسون بالزواج لو ساعدته في إنجاز مهمته الشاقة
فأرشدته إلى حل كل ما طلبه منه والدها.
(5) الهدف
قدم الفنان سيد رجب معالجة لمسرحية شكسبير «حلم ليلة صيف» في السويد ومصر عام 2003، يومها كان يعلم أن الحلم قد يتحقق عن طريق الكتابة، وأن التعبير قد يكون باليد بدلاً من ملامح الوجه، لكن بعد فيلم الشوق كان الطريق ممهداً إلى الحلم الأول.
وبعد 10 سنوات من مسرحية شكسبير كان سيد رجب ينطلق في عام 2013 كان عام ليشارك في مسلسل «موجة حارة»، مسلسل «فرعون»، مسلسل «تحت الأرض»، مسلسل «آسيا»، فيلم «قلب أسد»، فيلم «الحرامي والعبيط» وفيلم «تتح»، وبعدها ينطلق رجب محلقاً حتى أخر أدواره التليفزيونية العظيمة في مسلسل ف أبو العروسة وفيلم أولاد رزق..
صار اسم سيد رجب يتردد على كل الألسنة، صار الموهوب نجماً على الرغم من أنه لم يتغير، بالموهبة ذاتها التي صعد بها خشبة المسرح منذ 23 عاماً، لكن مقاييس النجاح في العصور المشوهة لا تعتمد نهائياً على القدرات والإمكانيات.
****
حصل جاسون على صوفه الذهبي وحقق الهدف، لكن رحلة العودة لم تكن سهلة وفي النهاية لم يصل إلى حلمه بالهدف، لم تنتهي رحلة الفنان سيد رجب بعد، لكن الاختيارات باتت تتأرجح بعيداً عن ذلك الفنان الذي كان.. نتمنى أن يصل.
الكاتب
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال