سيرة بيرلو (1).. “لا تستخدم هذا القلم في التوقيع ليوفنتوس”
تعرفت إلى بيرلو عبر شاشت التلفاز، كان أحد المقربين إلى قلبي، في البيت، في المقهى، في نقاشات الأصدقاء، كان بيرلو حاضرا كصديق، ليس كأي صديق، فهو نابغة يجبرك على الحديث عنه بفخر حتى وإن لم يكن له كرسي بيننا على المقهى.
اعتزل بيرلو اللعب ولم اعتزل أنا التعليق الصوتي، من حسن الحظ أنه لا يحتاج للياقة بدنية تمكنك من الجري 10 كيلومترات فوق العشب الأخضر – وفي أحد أيام عملي كلفت بتسجيل كتاب “أنا أفكر.. أنا ألعب” السيرة الذاتية لأندريا كما يرويها هو.. يا الله.. نفحة منك بعد شهور من تسجيل كتب التنمية الذاتية وهؤلاء الذين ينشرون بأموالهم لا مواهبهم.. شكرا يا رب.. سأستعيد الحماس والشغف رفقة صديق قديم افتقدته لسنوات.
أنهيت تسجيل الكتاب ولم أكتف.. سيرة بيرلو تستحق القراءة مجددًا.. لذلك قررت أن أكتبها كما قرأتها أنا، سأستمتع وربما تستمتعون معي.
***
اسمي أندريا بيرلو، ربما تشبه قصتي الكثير من لاعبي كرة القدم، لكن التفاصيل تختلف.
ربما امتلأ العشب الأخضر بالكثير من اللاعبين الرائعين.. لكني في الملعب لم أكن أشبه أحدا.. أنا بيرلو وهذه بعض من ذكرياتي.
نكتة!
عندما تحب فأنت تحتاج إلى الوقت، وعندما تموت المشاعر فأنت بحاجة إلى عذر يساعدك.
كنت أجلس في مكتب جالياني الذي تزين جدرانه العديد من إطارات الصور، ومضات رائعة من تاريخ ميلان العظيم، أنا جزء من هذا!.
شغلتني الذكريات، وشغلتني تفاصيل هذا القلم بين يدي، كارتير لامع يحمل ألوان الميلان – لحظة! – إنه في النهاية مجرد قلم مليء بالحبر الأزرق!.
“رجاء لا تستخدم هذا القلم في التوقيع لليوفي” قالها جالياني الذي دلف إلى المكتب بينما كان عقلي مشغول بالقلم والذكريات على الجدران.
ألقى جالياني نكتته بهدوء.. 10 سنوات في ميلان تنتهي بنكتة!.
كجزء من تاريخ ميلان كنت أتوقع أن يكون الوداع صعبا، ليس أن تنتهي الحكاية بنكتة!.. ابتسمت ثم ضحكت قبل أن يقول: “شكرا على كل شيء أندريا”.
الآن سأخرج من هذا المكتب الذي لطالما وقعت على الكثير من العقود فيه واستخدمت الكثير من الأقلام، الآن سأخرج من إطارات الصور التي تزين الجدران.. انتهى كل شيء هنا.
في ميلان كانوا خائفين من أنني لم أعد قادرا على الركض، كنت حزينا لكنني كذلك كنت أتفهم مخاوفهم تلك، في نصف ساعة أنهيت أنا ووكيلي كل شيء.. وغادرت ميلان.
أخبروني أن أليجري أراد أن يغير مركزي في الملعب: “لن تلعب أمام الدفاع مجددا، المدرب يريدك أن تلعب كلاعب وسط أيسر”.
الأمر لم يرق لي بالتأكيد.. أمام الدفاع يمكنني تقديم أفضل ما لدي، حين تكون السمكة في العمق فهي تتنفس أفضل، عندما تتحرك من مكانها لن يمكنها التنفس بنفس الطريقة.
في موسمي الأخير عانيت الإصابات، قالوا لي: “لقد فزنا بالأسكوديتو وأنت مصاب أو على مقاعد البدلاء.. كذلك السياسة التعاقدية للنادي تغيرت، كل من بلغ الثلاثين نجدد تعاقده موسما واحدا فقط.
مهلا.. لم أشعر أنني كبير في السن.. حتى بعدما قضيت الموسم مصابا معظم الوقت.. شعرت فقط بالحيرة لأنهم أرادوا أن يظهروني في ثوب اللاعب المنتهي.
كنت واضحا.. رفضت عرض الميلان حتى قبل مناقشة التفاصيل المالية.. أخبرتهم أن يوفنتوس يريد التوقيع معي لثلاث سنوات.
لم أناقش عرض ميلان لأني شعرت بأنني لم أعد جزءا من مشروع النادي، كنت أذهب إلى الميلانيلو في موسمي الأخير وأنا فاقد للرغبة في الدخول إلى غرفة الملابس رغم طيب علاقتي بالجميع ومن بينهم أليجري، لكن المشكلة كانت في الأجواء، الجدار الذي يحميني تحطم، رغبت في الخروج خارج أسوار الميلان لأتنفس مجددا.
المشجعون الذين اعتدت هتافهم لي كل أسبوع، اعتادوا هم كذلك لعبي، لم أعد أدهشهم، شعرت أن الملل أصابهم، كنت أرى في عيونهم أنني لم أعدا قادرا على الاختراع والإبهار، لم أقبل ما أحسسته وقررت البحث عن حافز جديد خارج سانسيرو.
نيستا.. صاحب صاحبه!
في موسمي الأخير، تعرضت لإصابتين بالغتين، ومع الأجواء المحيطة كانت الأيام تمر أصعب من بعضها، وبداخلي بدأ العد العكسي.
نيستا، الأخ والصاحب الأمين، نتشارك غرفتنا دوما، وبيننا آلاف المغامرات.. بين شوطي مباراة معتادة جمعتنا في البلاي ستيشن قلت له: “ساندرينو.. أود أن أرحل”.. لم أشعر بصدمته وهو يقول لي: “ متأسف لذلك حقا.. لكنه يبدو الخيار الصحيح”.. كان أليساندرو أول من عرف ما يدور بداخلي بعد عائلتي، وشاركني الرحلة خطوة بخطوة ودمعة بدمعة.
عالمي الصغير في ميلان الذي منحني أكثر مما أعطيت، يوشك على الانتهاء، الاستياء اختلط بالحزن، وتعلمت أن الدموع تساعد، الدموع هي أنت، الدموع هي الحقيقة التي لا تناقش، بكيت كثيرا ولا أخجل من ذلك.
الجميع خارج ميلان عرف أنني اتخذت قراري.. وبدأت أبحث عن تذكرة الرحيل..
في الحلقة القادمة سأخبركم كيف سار الأمر.
المصدر: كتاب “أنا أفكر.. أنا ألعب” تأليف أندريه بيرلو