همتك نعدل الكفة
44   مشاهدة  

سيرة بيرلو (11).. دروس في مقام الكُرد والركلات الثابتة!

مقام الكُرد


اللي انكتب ع الجبين لازم تشوفه العين
وعدك ومكتوبك يا قلبي كان مخبّي فين
إن كـــــان كده قِسمِتَك بَختَك أجيبه منين
سلّم أمورك يا قلبي وامتثل لله..
بهذا الموال استفز الشاعر إبراهيم عبد الله، موهبة محمد عبد الوهاب الرحبة. ألتقط عبد الوهاب الكلمات وقرر أن يعطي كل الموسيقيين درسًا خصوصيًا في كيفية استخدام مقام الكُرد فنَحَل وَبر المقام صعودًا وهبوطًا.. مستخدمًا كل نغمة فيه، ليصبح هذا الموال هو “دليل المستخدم” لكل موسيقي يريد أن يستعمل هذا المقام.

YouTube player

عبد الوهاب يُشبِه بيرلو، كلاهما موسيقار حقيقي، موهبة غير محدودة، ابتكار، ثقافة واطلاع، نهم على الجديد في مجاله، الأول صياد للنغمة الحلوة، لا يجد غضاضة في تحليلها واقتباسها وصبغها بهويته، والآخر يجلس لساعات وأيام ليحلل ويعرف كيف يلعب هذا البرازيلي بتلك الطريقة.

كل من عبد الوهاب وبيرلو لديه موهبة لا تقارن، يقودها شغف أن تكون الأفضل، ويغلفها عقل هندسي يجيد التحليل والحسابات المعقدة.

التانجو

في خمسينيات القرن العشرين، رأى عبد الوهاب أن موسيقى التانجو تحقق انتشارًا كبيرًا، فقرر أن يحاكي هذه الموضة، أو أن “يركب الترند” بلُغة العصر الحالي، بحث عن لحن يصبغ عليه شرقيتُه. وفي 1959 قدم رائعته “لا مش أنا اللي ابكي” التي أدخل فيها الأورج للموسيقى العربية لأول مرة، وهو لحن التانجو الذي قدمه قبلها بأربع سنوات الإنجليزي توني برنت بعنوان “The Magic Tango”.. وهو غيض من فيض ما اقتبسه عبد الوهاب من الموسيقى العالمية وأعاد إنتاجه وتقديمه بصبغته الخاصة.

YouTube player

يبدو أن أمريكا الجنوبية لها سحر خاص، في الموسيقى، وفي كرة القدم أيضًا، ففي حين ذهب موسيقار الأجيال إلى الأرجنتين، ذهب بيرلو إلى البرازيل، محاولًا فك شفرة “جونينهو”.

يرى بيرلو أنه برازيلي بعض الشيء، “بيرلينهو” كما يصف نفسه. “عندما أنفذ الركلات الثابتة أفكر بالبرتغالية، ثم أحتفل بالهدف على الطريقة الإيطالية“. كرات بيرلو الثابتة تذهب إلى حيث يريد الجميع إلا منافسه. “كل كراتي تحمل اسمي وكأنهم بناتي، متشابهات لكن ليس إلى حد التوأمة، لديهن جميعا ملامح لاتينية تحمل نفس الجينات، لأنها تأتي من نفس مصدر الإلهام: “أنتونيو جونينهو”.. أنتونيو؟ أليس اسما إيطاليا؟!“.

YouTube player

فك الشفرة

عندما كان يلعب “جونينهو” في ليون كان يخترع تسديدات استثنائية، يضع الكرة على الأرض، ثم يحدد مسارها بشكل غير تقليدي، يركض إلى الكرة، يسدد، يسجل، لا يخطئ أبدا!. نظرت إلى الإحصاءات وأدركت أن ما يفعله ليس شيئا عاديا.

بدأت في دراسة الأمر، جمعت كل شيء، الـ CDs والـ DVDs وشرائط الفيديو للمباريات القديمة وحتى الصور. حاولت اكتشاف طريقة تسديداته، لم يكن الأمر سهلا بأي حال، احتجت إلى الصبر والوقت. أدركت أنه يسدد بطريقة معينة، كان هذا واضحًا جدًا، لكني لم أعرف حتى تلك اللحظة كيف يسدد فعلا. أخذت الكرة وتوجهت إلى الملعب محاولا تقليده. كانت النتائج الأولى مخيبة. الكرات الأولى كانت ترتفع قدمين عن المرمى أحيانا، وأحيانا أخرى تذهب إلى السماء إو إلى خارج الميلانيلو!. كنت أكذب على الجماهير التي تقف خلف الأسوار: “مرحبا شباب.. هذه الكرات هدية لكم”.. الشيء المريح أن التدريبات كانت مغلقة، لذلك الجماهير المحتشدة خارج الميلانيلو هم متطفلون يتجسسون على تدريباتنا، لذلك فأنا أكذب على الخارجين على النظام، لا ذنب إذن“.

YouTube player

استمرت التجربة لأسابيع، ولأن خلاصة الأفكار تأتي في منتهى لحظات التركيز، اكتشفت الأمر وأنا في الحمام – أعظم أمكنة العصف الذهني – أخيرا عرفت السر!.

لأسابيع أفكر في الأمر دائما، وأنا أتدرب، وأنا آكل، وأنا نائم، في كل لحظة لا أفكر إلا في سر جونينهو، في النهاية أدركت حقيقة واضحة: “سحر تسديدات جونينهو لا يعتمد على المكان الذي يركل الكرة فيه، بل المكان الذي يركل به الكرة، الساحر البرازيلي لم يكن يسدد بكامل قدمه، بل يركل الكرة بثلاثة أصابع فقط!“.

عذرا نيستا

في اليوم التالي ذهبت إلى ملعب التدريب على الفور، أخلفت وعدي المعتاد بمباراة بلاي ستيشن مع نيستا قبل التدريبات. وصلت الملعب ووجدت عامل المستودع يجمع الكرات – يكرهني هذا الرجل فقد أفقدته الكثير من عهدته الأسابيع الماضية.

– هيا بيرلو.. أعطني الكرة.

= “فافانكولو”.. قلتها بصوت غير مسموع.

– ماذا؟

= لا شيء، رأيت بغلا.

إقرأ أيضا
الخال

– حسنا أعطني الكرة من فضلك.

لم أكن بحاجة لأحذية مربوطة بإحكام، لأثبت صحة اكتشافي، وكان عامل الكرة يتأهب بتأفف معتاد ليلحق الكرة من الحديقة الخلفية للملعب، كما جرت العادة. سددت الكرة وذهب مباشرة إلى المقص بين القائم والعارضة، تطبيق هندسي مثالي، الكرة ذهبت إلى المكان الذي أردته بالضبط ولم يكن ليوقفها جيجي بوفون نفسه.

صرخ عامل المستودع: “أندريا.. افعلها مرة أخرى لو سمحت“، قالها بنبرة استفزازية. كان تحديا كبيرا يراقبني فيه ثلاثة أشخاص، أنا والعامل.. وشبح جونينهو. قلت له: “حسنا.. راقب هذه التسديدة“. سددت بنفس الطريقة، والنتيجة هدف مثالي آخر يطابق الهدف الأول.

نشوة!

بالنسبة لي، فإن أعظم ما يمكن أن يحدث في الحياة، هو أن تركل هذه الكرة وتشاهدها وهي تتجاوز رؤوس المدافعين الذين يحاولون الوصول إليها ولا يستطيعون، ومن ثم تدخل المرمى. هذه اللمسة السادية هي التي تعطي للفوز لذة عظيمة.

كلما كانت الكرة أبعد عن المرمى، كلما كانت الظروف أفضل للتسديد، لأن التأثير الذي يطرأ على الكرة، يتناسب طرديا مع المسافة؛ إذا زادت يظهر التأثير بقوة، وإذا كان التنفيذ من مكان قريب، تنزل الكرة من أعلى بشكل أسرع من المعتاد. هناك متغيرات وخدع مع كل ركلة ثابتة، لكن المبدأ الأساسي لا يتغير أبدا، والركلة التي تسجل بتلك الطريقة تعطيني الارتياح الأكبر، لأنني بنظر الكثير من زملائي: مثال ومصدر إلهام.. بالنسبة لهم أنا جونينهو الثاني.. برازيلي من “بريشيا”.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان