سيرة بيرلو (12).. جائزة الكرة الذهبية.. إشكالية “الراقصة والطبال”!
أيهما أهم؟ الراقصة التي تتمايل على الإيقاع، ويدفع الزبائن أموالهم من أجل مشاهدتها والتقرب منها؟ أم الطبال الذي يحركها بإيقاعه؟ من أهم ممن؟.. هذا السؤال لم يشغل “بيرلو” كما شغل إحسان عبد القدوس (1919-1990) ودفعه لكتابة رواية “الراقصة والطبال”، التي قُدِمَت للسينما بعد ذلك في فيلم حمل عنوان الرواية، من بطولة نبيلة عبيد وأحمد زكي، سيناريو مصطفى محرم وحوار بهجت قمر وإخراج أشرف فهمي. هذه الإشكالية أو قل العقدة التي دفعت بطل الرواية “عبده الطبال” إلى محاولة حسم الصراع لصالحه، فألقى به السؤال إلى هوّة الجنون.
جدلية الراقصة والطبال
علاقة “الراقصة والطبال” هي مجرد مثال استخدمه إحسان عبد القدوس لطرح الفكرة، لكنك يمكن أن تمد الخط على استقامته لتتساءل: من الأهم؟.. المطرب أم الملحن أم الشاعر؟.. مؤلف الفيلم أم المخرج أم البطل؟.. المهاجم الهداف أم صانع الألعاب أم مدرب الفريق؟
عبده الطبال أراد أن ينتصر لنفسه، لم ير القصة سوى من جانبه، الإيقاع هو الأصل، الكون كله يسير على إيقاع إن انتظم، سارت الحياة جيدا، وإن اختل، ارتبك الكون كله. مشيتك بإيقاع منتظم تضمن لك الوصول والسلامة، لكن اختل إيقاعها سقطت، لذا فـ “الطبلة هي الأصل”، وعبده لا يرى سوى هذا.
– من غير رقاصة يا عبده؟
= صدقني يا أستاذ منير، أنا وفرقتي ممكن نعمل نمرة كبيرة أوي.. يا أستاذ منير الرقاصة دي أقل واحد في الفرقة، أنت ممكن تستغنى عن العود، عن الأكورديون، عن الكمانجا، لكن لا يمكن تستغنى عن الطبلة، الطبلة هي الأساس.
– بس مش على حساب المحل.. أنا ممكن اتصل بمدام مباهج وإن كان فيه سوء تفاهم بينك وبينها أنا مستعد أصفيه.
= أستاذ منير، أنت يظهر مش فاهمني، المسألة مش في مباهج أو غيرها، المسألة تتلخص في كلمتين: مين المهم؟ الرقاصة ولا الطبال.
هذا السؤال أفنى “عبده الطبال” عمره في الإجابة عليه ليثبت أن الطبال أهم من الراقصة، فهلك وجٌنّ، لكن صديقي بيرلو كان أكثر ذكاء، أو ربما قرأ رواية إحسان عبد القدوس، أو أخلف موعده اليومي مع “إنيستا” ليشاهد أحمد زكي ونبيلة عبيد.. أيا كان الأمو فهو محظوظ على أي حال.
لست مهتما!
في حفل تسليم جائزة الكرة الذهبية 2012 – أعظم جائزة فردية يفوز بها لاعب على الإطلاق – كنت حققت “الاسكوديتو” مع يوفنتوس وفضية اليورو مع المنتخب، رغم ذلك حللت في المركز السابع في سباق البالون دور.. عمليا: لا شيء.. لم أفز بهذه الجائزة يوما، لكني لست حزينا.
كنت قد لاحظت أن المصوتين سواء كانوا مدربين أو لاعبين أو صحفيين، يميلون معظم الوقت لمسجلي الأهداف، لهذا تجد أن العين دائما تذهب إلى المهاجمين، إلا في استثناءات نادرة. في 2006 مثلا كان “كانافارو” هو الملك.. هي مسألة التواجد في الوقت والمكان الصحيحين، والكرة بين قدميك.. لكن لكي تسجل يجب أن تجد التمريرة، التمريرة الحاسمة هي كل شيء، بدونها لن يأتي الهدف. لكني لست مستاء، “بوفون” و”برانديلي” صوتا لي، لكني مثل الأغلبية، كنت سأصوت لميسي.
بالنسبة لي، “ميسي” هو الأجدر، ولا جدال في ذلك، وطالما “ميسي” و”رونالدو” (الآخر) متواجدين، فالصراع سيظل بينهما، وإن كان الصراع محسوما، البرتغالي يأتي دوما في المركز الثاني. جائزة الكرة الذهبية كبيرة جدا بالنسبة لي، لكنه هدف لن أحققه أبدا ولم أعد مهتما به على الإطلاق.
البرغوث الأرجنتيني فاز بالجائزة بـ 41.2% من الأصوات، جاء بعده “كريستيانو”، ثم “إنيستا”، “تشافي”، “فالكاو” و”كاسياس”، وحللت أنا سابعا. لكني أؤكد لكم: “ميسي يستحق”. البقاء بمستوى “ميسي” لسنوات طويلة، أمر لا أحد يستطيع فعله سوى “ميسي”.
مجهود لا يستحق
وقت الحفل، كنت في حديقة منزلي ألعب الكرة مع أبني، لم أكن مهتما بمتابعة الحفل، أصلا لا أتابع حفلات البالون دور السنوية، رغم أنه مجهود لا يتطلب سوى ضغطة زر واحدة على ريموت التلفزيون مرة واحدة في السنة، وجلسة مريحة لبضع ساعات أمام الشاشة. لكني فقط شغلت التلفزيون، وذهبت مع أبني للعب الكرة.
من مكان ما، سمعت “بلاتر” وهو يتحدث، “بلاتر” رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي رفض أن يسلمنا كأس العالم 2006 في كراهية واضحة لإيطاليا، وجعل آخرين ينوبون عنه في هذا “العمل السيء”، لم اهتم بخطابه، لكن أبني نيكولو كان يريد العودة إلى المنزل لمعرفة النتيجة.
– أبي.. هيا بنا.. سيتم الإعلان عن الفائز الآن.
= حسنا (لكني ظللت مستمرا في اللعب).
– هيا يا أبي.. لنذهب إلى التلفاز
= أوكي.
– بسرعة.. بسررررعة
= أوكي.
كنت أضيع الوقت لأنني لا أهتم بأي شيء يقولونه، لكن “نيكولو” كان أكثر اهتماما، أخذ الريموت ورفع الصوت.
– ميسي هو الفائز.
= تعرف أنه لا يوجد جديد في هذا.
كانت نتيجة متوقعة لا جدال في ذلك، لكني أعتقد أن الفوز بدوري الأبطال وكأس العالم أهم من تلك الجائزة. لم أقل هذا بصوت عال أبدا، لأنني لو قلته لاعتبروني مغرورا، وأنا لست كذلك.
– رونالدو في المركز الثاني
= غريب
– إنيستا أيضا على المنصة
إنيستا نفسه الذي قبل فترة فاز بلقب أفضل لاعب في يورو 2012 .. بهذا الخصوص: أتذكر أن منظمي البطولة أتوا إلىّ قبل المباراة النهائية وقالوا لي: “أندريا”.. أنت أفضل لاعب في البطولة لكنك لن تفوز بها لو خسرت إيطاليا.. من غير المجدي أن أذكركم بالنتيجة (4/0).
– أبي، “فالكاو” الخامس، “كاسياس” السادس، ثم “بيرلو”.. هل هذا أنت؟
= نعم بالتأكيد.
– أنت قبل “دروجبا”، “فان بيرسي” و”إبراهيموفيتش”
= هيا، دعنا نعود للعب الكرة.
خطأ كبير
أول مركزين في ترتيب الكرة الذهبية كانا لمهاجمين، بات الأمر أشبه بقانون لجميع الجوائز الفردية، وهذا خطأ كبير يقع فيه حتى رؤساء الأندية، عندما لا يهتمون بدعم فرقهم سوى بالمهاجمين. المهاجمون قد يجعلونك تبيع تذاكر واشتراكات أكثر، لكن بقية الخطوط وخاصة الدفاع هي من تجعلك تفوز بالمباريات، الدفاع له وزن أكبر، لأنه في النهاية: النجاحات الكبيرة تأتي من وراء الدفاع. يفوز دائما من يستقبل عدد أهداف أقل.
فنيا، “رونالدو” هو أقوى لاعب لعبت معه “آلة حرب”، لكن بنظرة أكثر شمولا، فإن “مالديني” هو أفضل من لعبت معه في مسيرتي. مدافع رائع، عظيم، فائق، بدنيا وذهنيا، كان كاملا في كل شيء. رغبته في الاستمتاع بكرة القدم كانت دائما كما هي.. منذ أن وصلت إلى الميلان وحتى رحل هو في سن الأربعين. شغف “مالديني” كان هو المثال الذي احتذي به. بوصلة سترافقني بقية حياتي وفي كل مكان أذهب إليه.. لكن هذه قصة أخرى.