همتك نعدل الكفة
60   مشاهدة  

سيرة بيرلو (9).. هل تنهي الصوابية السياسية الكوميديا؟.. فاصل مع جاتوزو “الفلاح”!

بيرلو وجاتوزو


الكوميديا = ضحية

من وجهة نظري التي لها قيمة بكل تأكيد – على الأقل بالنسبة لي – أنه لا كوميديا دون ضحية، إذا كنت تريد الضحك للنقد أو السخرية أو حتى للتسلية، فالنتيجة واحدة: دائما هناك ضحية.

النجم الإنجليزي روان أتكينسون الشهير بشخصية مستر بين كان قد أعلن أنه ضاق ذرعاً بأجندات الصوابية السياسية والأفكار التي تعتبر أي سخرية كوميدية تنمراً ينبغي إسكاته.

ودعا إلى عدم تجريد الكوميديا من تلك المزايا أبداً، بخاصة أن المتلقين يتفهمون تماماً أنه مجرد تشخيص لحالة معينة والهدف ليس الإهانة وإنما المزاح.

مستر بين

لا شك أن تزايد الوعي المجتمعي في شأن مراعاة شعور المختلفين بشكل عام سواء من يعانون أمراضاً مثل “التوحد” أو أصحاب لون بشرة مختلف يعد أمراً جيداً، لكن المشكلة أن ما يرى على أنه تزايد في الوعي هو في حقيقته كذلك إفراط في السطحية، فمعظم الناس لا يملكون الثقافة أو القدرة التحليلية للتمييز بين ما يعد سخرية وما هو إساءة بحق، وأصبحت أي لمحة سخرية هي إساءة دون النظر إلى الهدف منها.

الصوابية السياسية تكاد تقتل الكوميديا أو ربما أجهزت عليها بالفعل. كل فئة مجتمعية تتعرض للسخرية تعلق للساخر منها المشانق، الأمر وصل بنا إلى أن مسلسلا مثل “بالطو” الذي عرض العام الماضي اتهم بالإساءة إلى المجتمع الريفي لمجرد سخريته من بعض العادات في بلدة ريفية متخيلة!. فضلا عن إن منصة مثل HBO MAX حذفت الفيلم الكلاسيكي “ذهب مع الريح” إنتاج 1939 والفائز بثماني جوائز أوسكار بدعوى أنه يبتنى خطابا عنصريا وراح كغيره من الأعمال ضحية للتوجهات التي قررت محاكمة الدراما بأثر رجعي!. ربما في مراحل لاحقة تختفي أعمال مثل friends ويهلهل مقص الصوابية أعمال سمير غانم وعادل إمام، وتحذف أغنية شوكولاتة من فيلم صعيدي في الجامعة الأمريكية بدعوى العنصرية رغم أن الشوكولاتة غالية ومن أجمل مسببات البهجة.

أنا شخص أحب الضحك، أقدره، وأرى أن الضحك ككرة القدم والرياضة بشكل عام، أشياء شديدة الأهمية للترويح والتسلية وإفراغ الشحنات السلبية التي يشحننا بها المجتمع في كل دقيقة “عشان مانطقّش من جنابنا”.

صديقي بيرلو كذلك يحب الضحك وكان يملأ معسكرات الأندية والمنتخب ضحكا وسخرية وكان ضحيته المفضلة دائما جينارو جاتوزو “الفلاح”.

سخافة!

la non sono pirla قالها مورينيو بلغة إيطالية منضبطة فاجأ بها الجميع في مؤتمر إعلانه مدربا للإنتر. يقول الاستثنائي إنه ليس سخيفا، لكني أنا سخيف، اسمي بيرلو وهو اسم يصلح أصلا للجنسين، أنا pirlo وأنا pirla كي لا يفوتني أي شيء، أحمق كما ينعتني صديقاي الرومانيين، صاحب وجه محايد لا يظهر التعابير، وهنا تكمن الروعة، أضحك على أصدقائي وأدبر لهم المكائد وهم يعتقدون أنني أتعامل بجدية، لكنني في الحقيقة أستمتع بالأمر في داخلي، أخطط للمزحات، وأتلقى العديد من الصفعات مثل تلك التي ينهال علي بها جاتوزو.

جاتوزو ليس عالما ولا صاحب خطابات بليغة وهو كذلك ليس عضوا في أكاديمية كروسكا، لكن رينو حين يتحدث للاعبين تصبح غرفة الملابس نسخة من مهرجان ريو.. كل مكان يتواجد فيه جاتوزو هو الماراكانا!. جاتوزو يتحدث البرتغالية دون أن يعرف عنها شيئا، تماما مثلما يتحدث الإيطالية التي لا يعرفها!.

كنت أنادي جاتوزو دوما بـ”المزارع” أو كما يقول المصريون: “الفلاح”، ثم يضربني، في أحد الأيام أثناء مفاوضات تجديد تعاقده مع الميلان، قررت الانتقام منه، أخذت هاتفه وأرسلت لأريدو بريدا: ” عزيزي بريدا أعطني ما أريد وسأعطيك أختي”. اكتشفني جاتوزو ومن ثم ضربني مرة أخرى قبل أن يتصل ببريدا: ” إنها إحدى مزحات بيرلو الغبية”.. كنت دائما أول اسم في قائمة الشك لديه عندما يتعلق الأمر بمزحات كهذه.

بيرلو وجاتوزو
بيرلو وجاتوزو

في أحد معسكرات المنتخب، اختبئ دي روسي تحت سرير جاتوزو لمدة طويلة، حتى جاء جاتوزو للنوم وخلع ملابسه وأمسك كتابا يقرأه قبل أن يخلد للنوم، وفور أن سقط جفناه تحركت يد دي روسي من أسفل السرير لتداعب أطراف جاتوزو، وخرجت أنا من خزانة الملابس مصدرا أصواتا مخيفة، تعامل رينو جيدا مع الأمر، لم يصب بأزمة قلبية لكنه أوسعنا ضربا.

في ليلة أخرى من ليالي المنتخب، كنا قد حسمنا تأهلنا لمونديال 2010 أمام أيرلندا وتبقت لنا مباراة بعد 4 أيام أمام قبرص في بارما، مباراة بلا فائدة، وكانت فرصة ليمنحنا ليبي وقتا للخروج والتنزه، ذهبنا جميعا إلى الخارج، إلا جاتوزو بقي وحده في المعسكر. رينو هكذا دائما: إما أن يلعب أو يبقى في المعسكر استعدادا للعب والتدريب، لا يسمح لأي شيء أن يؤثر على تركيزه واستعداده.

خرجنا وعدنا في وقت متأخر ثملين بعض الشيء.. الحقيقة أننا كنا ثملين تماما، لم نتمكن من النوم وجلسنا في بهو الفندق نتحدث، اتفق جميعنا على شيء واحد: “سنزعج جاتوزو”. اتجهنا إلى غرفته وقبل أن نصل، حمل دي روسي مطفأة حريق قابلته في الطريق “سأقوم بإخماد جاتوزو”. طرقنا الباب بقوة، فتح لنا جاتوزو بأعين يكسوها النوم، وفتح دي روسي فورا المطفأة ليفرغها في وجه ضحيتنا، ثم رماها وهرب إلى غرفتنا التي نتشاركها سويا وأغلق الباب بإحكام، تاركا إياي أواجه مصيري ضد وحش لا يرتدي سوى ملابسه الداخلية وتكسوه الرغوة بالكامل، ويهذي بكلمات غير مفهومة، حاولت الهرب لكن اللعنة حلت علي منذ البداية، اركض بسرعة فهد أو اهرب بسيارة فيراري لكن اعلم أن جاتوزو سيلحقك ويفتك بك.

دي روسي ينادي ضاحكا من خلف الباب الموصد: “ما هذه الأصوات المزعجة؟ لقد سمعتها من قبل في أفلام بود سبينسر وترانس هيل”. لم تكن الأصوات التي تزعج دي روسي سوى تكشيلة الصفعات التي انهال جاتوزو بها على كل شبر في جسدي.

مقرف!

تريدون شيئا آخر عن جاتوزو؟.. حسنا، هو شخص متطير إلى حد مقرف. كنا في ألمانيا 2006 وكانت الأمور تسير معنا بشكل جيد، لدرجة أن هذا الوحش قصير القامة لم يغير ملابسه لمدة أطول من الشهر بقليل. الحرارة تتجاوز 40 درجة وجاتوزو لا يغير ملابسه التي تشبه ملابس الغطاس، بعد ربع النهائي بدأت رائحة ملابسه تظهر، مطفأة الحريق لم تكن تكفي للتخلص من تلك الرائحة، كان بحاجة لنقعه في برميل من اللافندر.

بيرلو وجاتوزو
بيرلو وجاتوزو

طالما كان جاتوزو هدفي المفضل، على الرغم من أنه حاول قتلي بشوكة الطعام ذات مرة. كنا نسخر منه بشتى أنواع السخرية كلما تكلم، وحتى لو تحدث جيدا كنا نوهمه بأنه أخطأ. كنا مجموعة الأوغاد: نيستا، إنزاجي، أبياتي، أودو وأنا، نجري مثل هذه المحادثة معه دائما:

– رينو.. كيف حالك اليوم؟

= حسنا، أمس خسرنا المباراة، لو فزنا كنت سأكون بحال أفضل.

– رينو، حاول أن تنطقها جيدا مرة أخرى، النظق الصحيح هو: “لو فزنا سأكون بحال أفضل”

= لكنها نفس الجملة!

إقرأ أيضا
فلسطين

– لا ليس بالضبط رينو

= حسنا، كنت سأكون بحال أفضل لو فزنا.

– رينو، أنت جاهل، لماذا تنطقها بهذا الشكل، انطقها بشكل آخر.

= لكنني فعلت ذلك منذ البداية.

– ماذا تقول رينو؟، هل يمكنك إعادة ما قلته؟

هنا يبدأ الدم يغلي في رأس جاتوزو، بإمكانك أن ترى أنه فقد أعصابه، اجتهدنا في إبعاد سكاكين الطعام عن المائدة، لكنه خطف شوكة وحاول طعننا بها، في أكثر من مرة ينجح ويصيب أحدنا وتبقى آثار الإصابات واضحة، كنا تحت شوكته كسمك التونة، بإمكانك أن تأكلنا بقطعة خبز. بالطبع هذه الإصابات كان تستدعي الاستبعاد من المباريات، وبالطبع كان النادي يكتب في بياناته الرسمية: “اللاعب سيغيب بسبب إجهاد عضلي”.

جاتوزو طيب حتى وهو في قمة جنونه، وكنا حين يهدأ ويعود لغرفته نغلق الباب عليه من الخارج ونتركه سجينا لا يمكنه الخروج للتدريب.

= افتحوا الباب.. التدريب على وشك البدء.

– تصرف أيها المزارع.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
1
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان