همتك نعدل الكفة
2٬071   مشاهدة  

سيرة موسيقار الأجيال (10) محمد عبدالوهاب والموال “تطوير القوالب ومرحلة منسية”

محمد عبد الوهاب


أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة العاشرة من قصة موسيقار الأجيال النابغة محمد عبدالوهاب، نكمل الحديث حول سيرته المليئة بملامح التفرد والنبوغ، وكنا قد انتهينا في الحلقة السابقة عند نتاج محمد عبد الوهاب في حقل قالب الموال خلال فترة السبع سنوات التي قضاها برفقة أمير الشعراء أحمد شوقي بك، وقلنا أننا سنتحدث في هذه الحلقة عن تطويره لهذا القالب.

اقرأ أيضًا 
حلقات موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب

في البداية يتعين علينا التعرف على ماهية هذا القالب، لذلك سنخصص جانب من هذه الحلقة للتعرف على ملامحه بصورة سريعة:

قالب الموال “المواليا”:

محمد عبد الوهاب
مؤسس الدولة العباسية مع البرامكة الذين ينسب لهم فن الموال

الموال أو المواليا هو قالب غنائي يعتمد على الأداء الارتجالي الذي يبرز إمكانيات المطرب، فهو خامة حرة بين يدي الصييت يؤديه كيفما شاء، لذلك لم يكن قالب الموال من القوالب التي تلحن، فقط يصاحبه صاحب الآلة الموسيقية تونيسا للصييت إما بالترجمة “أي بصياغة الجملة اللحنية التي قالها المطرب” وإما باللزمات الموسيقية المناسبة بين جملة وأخرى.

وقد كان الموال تمهيدا تبدأ به الوصلات الغنائية التي كانت تضم موشحا أو طقطوقة وقطعا موسيقية ثم تختتم بالدور، وكان الغرض منه سلطنة النغمة وإظهار براعة المطرب في الارتجال، ثم تطور الأمر على يد محمد عبد الوهاب كما سنرى بعد قليل.

والموال عبارة عن شعر عامي ظهر لأول مرة في عهد هارون الرشيد في العصر العباسي، واعتمد على الارتجال الفوري للكلمة واللحن معبرا عن أحاسيس المجتمع في حوار بين المطرب أو الصييت وبين الآلة المصاحبة، وينظم قالب الموال بالزجل من بحر البسيط، ويعتمد في نظمه على المحسنات البديعية كالجناس والطباق والتورية ويتضمن في معانيه الحكم والمواعظ والمشاعر، من أمثلة ذلك موال صهد الجبال للشيخ زكريا أحمد وفيه:
صهد الجبال دوم ونهش الآف بأنيابه، أهون عليكي يا عين من اللي مفارق أحبابه
جمل الناية عض كفي وانشبك نابه، والحب بلده بعيدة وانشبكنا به
وموال ياللي نويت الغرام خليك بعيد عنه الذي غناه المرحوم عباس البليدي كثيرا وفيه:
ياللي نويت الغرام خليك بعيد عنه
دا كله هجر وخصام اسألني أنا عنه
عشقت قبلك كتير ما شوفت شيء منه
إلا الدلال والجفا والصد والهجران
أديك عرفت اللي فيه ابعد بقى عنه

وتبدو المحسنات البديعية في تلك الامثلة بوضوح، ولا يتوقف الأمر على البلاغة المنطوقة فقط بل ان ذلك يعطي للغناء رنة مميزة في الأداء.
وقد كانت كلمات الموال معبرة عن آمال وآلام المجتمع، ثم ظهر الموال السياسي في صورة ساخرة رافضة للاحتلال الأجنبي اجتذبت عوام لشعب والتفوا حولها ورددوها في سهراتهم واجتماعتهم.

على أية حال، فالموال له أنواع عديدة كالموال المربع الذي يتألف من أربع شطرات، والموال المخمس الذي يتألف من خمس شطرات ويسمى أيضا بالموال الأعرج لأنه يتفق في قافيته في شطراته الاولى والثانية والثالثة والخامسة ويختلف في شطرته الرابعة وبالمناسبة هو أكثر المواويل شيوعا وانتشارا ومثاله الموال الذي ذكرناه في الأعلى (ياللي نويت الغرام خليك بعيد عنه)، كذلك هناك الموال المرصع الذي يتألف من ست شطرات والموال النعماني الذي يتألف من سبع شطرات.

تطوير النابغة محمد عبد الوهاب لقالب الموال

محمد عبدالوهاب
محمد عبدالوهاب

ذكرنا أن الموال إنما كان وسيلة تستهل بها الوصلة الغنائية تمهيدا للقوالب الأخرى كالموشح والطقطوقة والدور وحتى القطع الموسيقية كالسماعيات وغيرها، إلا أن ما فعله محمد أفندي عبد الوهاب كان مختلفا عن ذلك، فقد غير محمد عبد الوهاب من ماهية هذا القالب ” الموال ” فجعل منه قالبا مستقلا بذاته، وفصله عن تلك المهمة التي كانت سائدة قبله في تنظيم سير الوصلات الغنائية.

لذلك فإن أول ما يمكن قوله بخصوص تطوير محمد افندي عبد الوهاب لقالب الموال هو أنه غير من وظيفته وجعله فنا مستقلا له دراساته وتأليفه الموسيقي المستقل، بيد أن ذلك زاد من صعوبة الأمر، فبعد أن كان الفنان يسبح في بحور النغم مستلهما النغمات باعتبار الموال فنا ارتجاليا أصبح ملتزما بنغمة محددة كتبت بعناية للسير عليها سواء من المطرب أو من الموسيقيين.

جعل محمد أفندي عبدالوهاب الموال أغنية قائمة بذاتها تبدأ بالليالي التي يتطور اللحن المرسل بعدها منسوجا على كلام الموال الذي كتب زجلا ومن ثم يتسارع اللحن بعد ذلك ارتفاعا إلى ذروته اللحنية صعودا ومنها نصل إلى نهاية أو ختام الموال إما بليالي كما في موال سيد القمر في سماه والبان في عوده وموال أمانة يا ليل تقول للفجر يستنى أو بكلام الموال ذاته هبوطا إلى نغمة الختام.

لم يكتف محمد أفندي عبد الوهاب بتحرير الموال من وظيفته القديمة كوسيلة تمهيدية بل أطلق العنان لمخيلته الموسيقية وبدأ يعدل في البنية الداخلية للموال بما تحتم معه أو لنقل بما ترتب عليه بالتبعية أن يكتب الموال كتابة موسيقية دقيقة، وربما يتسائل القاريء، هل يعقل أن تكتب نوت موسيقية لليالي؟ نعم عزيزي القاري هذا ما فعله محمد عبد الوهاب بالظبط والذي أشرنا إلية من قبل، وهو ما ترتب عليه أن بدا الموال بشكل أكثرجمالا وبات له رونقا خاصا أكثر “شياكة” كما يقول البعض، ربما فكرة تنظيم نغمات الليالي والاجتهاد في إيجادها قبل أداء الموال أنتج جملا أكثر صعوبة وطربا وسلطنة ما كان ليصل إليها المطرب ارتجالا إذا ما وضعنا في الاعتبار فكرة هيبة الجمهور وخلافه، وبالتالي لم يعد الموال متروكا لفكرة الحظ، بمعنى أنه إذا راق خيال وذهن المطرب وانسجم أسمعنا جميل النغمات وإلا قاله بطريقة مكتفة قد لا تطرب، وشيئا فشيئا أزال محمد أفندي عبد الوهاب عن الموال طابع الارتجال الذي كان مرتبطا به ارتباطا وثيقا وكذا بفكرة سلطنة النغمة تمهيدا لقوالب الوصلة الغنائية.

لمحة على فكرة مقام الصبا مع محمد عبد الوهاب التي تحدثنا عنها من قبل 

YouTube player

ذكرنا من قبل أن محمد عبد الوهاب كان قد بنى حاجزا نفسيا بينه وبين مقام الصبا، لم يشأ أن يعبر عن الحزن بهذا المقام الذي يراه مستهلكا، لذلك اذا استعرضنا نتاج محمد أفندي عبد الوهاب في قالب الموال سنجد أنه استخدم مقامات أخرى كثيرة في تصوير الحزن والالم كمقام الراست ومقام البياتي ومقام والنهاوند ومقام الكرد وغيرها، كما سمعنا في مواويله الرائعة المطربة التي يغلب عليها طابع الحزن وتفيض كلماتها بمعاني الأسى والالم كموال مسكين وحالي عدم من كتر هجرانك الذي غناه عبد الوهاب بثلاث نغمات أو الحان مختلفة وكلها عبرت عن الحزن والألم بلا مساس بمقام الصبا، وكذلك مواله الشهير اللي انكتب عالجبين لازم تشوفه العين، وموال أشكي لمين الهوى والكل عذالي وموال اللي راح راح وموال كل اللي حب اتنصف وأنا اللي وحدي شكيت.

وإلى هنا أعزائي القراء نصل إلى نهاية الحلقة العاشرة من قصة موسيقار الأجيال النابغة محمد أفندي عبد الوهاب على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
1
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
1
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان