سيرة موسيقار الأجيال (19) محمد عبدالوهاب والمعزوفات “رؤية لمرحلة فنية منسية”
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة التاسعة عشر من قصة موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، كنا قد انتهينا في اللقاء السابق حيث فترة الإخفاق التي مر بها فن الأستاذ محمد أفندي عبدالوهاب، وقلنا أن ذلك الزلل يعتبر أمرا طبيعيا بل ويبدو كنتيجة طبيعة وحتمية لمحاولات التجديد والتطوير المستمرة التي سعى لها النابغة محمد عبد الوهاب طوال حياته، واليوم نتحدث عن أحد أهم إسهامات الأستاذ محمد عبد الوهاب في الموسيقى العربية ألا وهو إسهامه بمد الموسيقى العربية بالعديد من المعزوفات الموسيقية، وفي اللقاء القادم نتحدث عن ألحان الأستاذ محمد عبد الوهاب للمطربين الذين عاصروه.
القطع الموسيقية التي ألفها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب “المعزوفات الموسيقية”:
ذكرنا من قبل أن أحد أهم إنجازات النابغة محمد عبد الوهاب أنه كان من أوائل الموسيقيين الذين اتجهوا إلى التأليف الموسيقي الآلي، ذكرنا كذلك ما ترتب على هذا الإنجاز من جعل جماهير المستمعين تميل لسماع القطع الموسيقية الخالصة وتستمتع بها كاستمتاعهم بالغناء تماما، لذلك يتعين علينا أن نتحدث عن نتاج الأستاذ محمد عبد الوهاب في ميدان المعزوفة الموسيقية.
اقرأ أيضًا
حلقات سلسلة موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب
والمعزوفة الموسيقية أنواع كثيرة، منها اللونجا ومنها التحميلة ومنها السماعي ومنها البشرف ومنها التقاسيم وغيرها، أما اللونجا فهي من المؤلفات الموسيقية الرشيقة والخفيفة، وتصاغ غالباً في ميزان بسيط اثنين على أربعة وقد تصاغ في ميزان ستة على ثمانية وهو ميزان ثنائي مركب، واللونجا ذات طابع سريع نشط، وتعتمد ألحانها على الفقرات الموسيقية التى تبرز مهارة العازف وقدرته على الأداء الجيد، ويتكون قالب اللونجا عادة من أربع خانات وتسليم، فهي صورة مصغرة من البشرف، وقد تصاغ أحياناً من ثلاث خانات فقط على أن تحل الخانة الأولى محل التسليم والختام.
أما السماعي فهو لونجا ولكن إيقاعه بطيء عشرة على ثمانية، وهذا الإيقاع أساسا اسمه السماعي، ولذلك سميت تلك المعزوفه باسمه ” سماعي”.
أما التحميلة الموسيقية فهي معزوفة موسيقية تكون ألحانها بمثابة محاورة بين العازفين على الآلات الموسيقية كالعود والقانون والكمان والناي، تبدأ باستهلال لحني قصير يؤدى من قبل جميع العازفين، ثم ينفرد أحدهم بأداء تقسيمة موزونة قصيرة، تكون بمثابة سؤال لحني موجه إلى بقية العازفين، وتكون إجابة الفرقة الموسيقية بعزف لحن الاستهلال، وتتكرر العملية عدة مرات على أن تكون التقسيمة الموزونة مرة على العود وأخرى على القانون وثالثة على الكمان وأخيراً على الناي، وبعد عزف التقسيمة الصغيرة الموزونة يعزف لحن الاستهلال وتنتهي التحميلة عند انتهاء لحن الاستهلال، فالتحميلة تبدأ بالتسليم ثم الخانة الاولى، ثم التسليم فالخانة الثانية وهكذا.
أما البشرف فكلمة فارسية تعني المقدمة، وهي معزوفة موسيقية ذات صيغة مقيدة، وتعتبر من أطول المؤلفات الموسيقية التقليدية في التراث العربي، ويذخر البشرف بالجمل الموسيقية ذات القيمة الفنية الكبيرة، ويصاغ في العادة على الموازين الإيقاعية الكبيرة البسيطة وغالبا ما يكون في ميزان أربعة على أربعة، ويتكون البشرف من أربعة أقسام رئيسية تسمى كل منها خانة ويفصل بين كل خانة وأخرى جزء أصغر يسمى التسليم.
وكعادة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب فقد أدخل لمساته التجديدية والتطويرية في هذا الميدان أيضا، فمثلا في معزوفة “المعادي” اعتمد محمد عبد الوهاب شكل اللونجا، ولكنه جعل الخانات تقاسيم كما في التحميلة وجعل التقاسيم موقعة فخلط شكلي اللونجا والتحميلة وأدخل عنصر الإيقاع على التقاسيم، وفي معزوفة “فكرة” التي هي أولى معزوفاته المسجلة اعتمد شكل التحميلة ولكنه جعل التسليم مرسلا بلا إيقاع وفي “فانتازيا نهاوند” اعتمد شكل التحميلة وجعل الخانات تقاسيم موقعة غير مرسلة ومكتوبة غير مرتجلة، وفي موسيقى “ألوان” وهي أحد أحب المعزوفات الموسيقية التي أحبها اعتمد شكل التحميلة إلا أنه جعل الخانات مقاطع موسيقية لا تقاسيم.
أسهم الأستاذ محمد عبد الوهاب في ميدان المعزوفة الموسيقية بأكثر من خمسين معزوفة موسيقية خلدها التاريخ الموسيقي ونذكر منها:
تقاسيم راست على العود وقد سجلت على اسطوانة بيضافون سنة 1932م
فانتازيا نهاوند وقد سجلت كذلك على اسطوانة بيضافون سنة 1933م
تقاسيم حجاز كار على العود سجلت على اسطوانة بيضافون سنة 1935م
موسيقى ألوان وقد سجلت على اسطوانة بيضافون سنة 1935م
موسيقى يوم سعيد التي سجلت على اسطوانة كايروفون سنة 1939م
موسيقى بنت البلد وسجلت على اسطوانة كايروفون سنة 1951م
موسيقى ابن البلد وسجلت كذلك على اسطوانة كايروفون سنة 1952م
موسيقى خان الخليلي وسجلت على اسطوانة كايروفون سنة 1954م
موسيقى عش البلبل وسجلت على اسطوانة كايروفون سنة 1959م
توقف محمد عبد الوهاب عن الغناء ونظرة على مشواره الفني:
بعد عام 1962م توقف موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عن الغناء إلا على عوده منفردا كما في أيها الساري عام 1969م، وساعة مابشوفك جنبي سنة 1967م، أو غناء الأغنيات القومية والوطنية كحي على الفلاح عام 1967م وصوت الجماهير عام 1963م، وفي مسيرة غنائية بلغت قرابة النصف قرن استطاع الأستاذ محمد عبد الوهاب أن يقطع بالغناء العربي شوطا طويلا، بدأه بغناء المحاكاة والتقليد للكبار أمثال الشيخ سلامة حجازي وعبد الحي أفندي حلمي والشيخ سيد الصفتي واختتمه بأسلوبه وطريقته الخاصة التي سمعناها في كل ده كان ليه وهو أسلوب تعبيري مهذب بالغ الجمال، وقد حدثت الوقائع الكبرى لتلك الثورة خلال السبع سنوات من عام 1927 وحتي عام 1933م وأخذ محمد عبد الوهاب ينضج ثمارها سنة بعد أخرى إلى أن وصل إلى ذرى مجده.
لم يختلف النقاد الموسيقيين يوما على أن محمد عبد الوهاب أيا كان الخلاف في أي أمر يتعلق به هو المغني العربي الأول بلا منازع، وهذا ما أكدته التجارب العلمية من قبل، ففي عام 1975م أجري اختبارا الكترونيا على تسجيلات كثيرة لعدد كبير من مطربي القرن العشرين وكانت النتيجة أن دقة صوت الأستاذ محمد عبد الوهاب بلغت واحدا في الألف والمأتين من الطنين، وأن دقة صوت كوكب الشرق السيدة أم كلثوم بلغت واحدا في الألف من الطنين أما باقي الأصوات الأخرى فكانت دقتها أبعد من ذلك كثيرا.
والحقيقة أنه رغم هذا الإجماع ورغم ذلك الاختبار الإلكتروني إلا أن هناك بعض الأراء تختلف عن هذا الإجماع، يقول الدكتور فيكتور سحاب: ثمة آراء غير علمية تصدر في صوت محمد عبدالوهاب عن نقاد صحافيين يحظون بسمعة معقولة كالأستاذ كمال النجمي الذي يردد في مقالاته التي نشرها في كتبه (الغناء المصري، وأصوات وألحان عربية، ومطربون ومستمعون) أن صوت محمد عبدالوهاب لم يعد ذا شأن منذ سنة 1935م، لأنه لم يعد قادرا على أداء الجوابات العالية.
ويستطرد الدكتور فيكتور ناقدا ذلك الرأي قائلا: إن أحد أعظم مغنيّ الأوبرا في أوروبا وهو شليابين الروسي كان صوته محصورا في مقامات قليلة، وتصنيف الأصوات على الطريقة الأوروبية لا يفرد للأصوات العالية مكانة مفضلة لأنها عالية وإلا لكانت الأصوات النسائية جميعا أعظم من الأصوات الرجالية، أو لكان صوت المرحوم عبد اللطيف أفندي البنا الذي كان يغني بصوت نسائي أعظم من صوت الشيخ سيد الصفتي العريض فهذا معيار غير علمي، وإذا كان الأستاذ محمد عبد الوهاب قد توقف عن الغناء على المسارح لاسباب صحية فإن صوته في يا ورد مين يشتريك بدا في ذروة الجمال والمقدرة والتعبير والإحساس.
وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية الحلقة التاسعة عشر من قصة الموسيقار محمد عبدالوهاب على ان نتحدث في اللقاء القادم إن شاء الله عن ألحانه لغيرة من المطربين الذين عاصروه.
دمتم في سعادة وسرور.
الكاتب
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال