شنبو في المصيدة.. درس في فن البارودي
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
ولدت الكوميديا من رحم السخرية، وولدت السخرية من رحم المأساة، تلك هي نظرية التطور في الكوميديا، الكوميديا التي بدأت في الأصل بفن البارودي أو بالعربية المحاكاة الساخرة، حيث جسدت المآسي التراجيدية التي كانت تقدم في المعابد على المسارح للعامة في شكل كوميديا، ليأتي بعد آلاف السنين فؤاد المهندس ليقدم درس في فن البارودي في وقت كانت تعيش فيه مصر مأساتها الكبرى، هزيمة 67.
الإنسان أصله ساخر
عام 1968 عرض فيلم شنبو في المصيدة، الفيلم الذي جاء استغلالًا لنجاح المسلسل الرمضاني الكوميدي الذي كتبه أحمد رجب بعدما طلب الرئيس عبدالناصر عملًا فنيًا وبكوميديا للترفيه عن الشعب الذي أحبطته الهزيمة، ومع مخرج أمريكي الطابع والأسلوب كحسام الدين مصطفى نفس فريق عمل المسلسل تقريبًا خرج درس مصري في فن البارودي السينمائي.
في شنبو في المصيدة ستجد السخرية في كل مشهد، السخرية من حال الصحافة والإعلام المصري ستجده منذ البداية، ومعه السخرية من شعب مازال متمسك بالتطير والتشاؤم في دلالة على الجهل والذي توجهت إليه أصابع الاتهام وقتها كأحد أسباب الهزيمة، ستجد أيضا السخرية من اللامبالاة التي كان فيها بعض من شباب مصر في الستينات، أو ما اطلق عليهم وقتها “الخنافس” نسبة إلى فرقة البيتلز الشهيرة في هذا الوقت.
لم يتوقف حد البارودي إلى هذا فقط، بل امتد أكثر من ذلك إلى السخرية من نمط عدد من الأفلام الأمريكية، ذلك النمط القائم على شخص معتل العقل يجري تجارب علمية، ويعتقد أنها عالم، تلك التركيبة التي قدمتها السينما الأمريكية كثيرًا استطاع أحمد رجب وصبري عزت وحسام الدين مصطفى إلى ترجمتها بشكل ساخر، عبر شخصية “أونكل دارويش” الذي يبحث في أصل الكائنات ليصل إلى نظريته العظيمة أن الإنسان أصله حمار، في سخرية مباشرة من نظرية النشوء والارتقاء لداروين بل وسخرية مباشرة من داروين نفسه.
السنجة في الرنجة
ولكن لم يكتفي الفيلم بكل هذه الخطوط الساخرة، فأضاف أحد أجمل وأمتع الخطوط الساخرة في الفيلم هو خط العصابة، الخط الذي جاء استكمالًا لما بدأه المهندس في فيلم أخطر رجل في العالم، وهي السخرية من أفلام العصابات الأمريكية، تلك الأفلام التي كانت في قمتها في الثلاثينات والأربعينات، قرر فؤاد المهندس أن يجعلها مادة مفضلة لسخرية.
وفي رايي أن خط العصابة في فيلم شنبو في المصيدة ربما هو الخط الأكثر تكاملًا في هذا الخليط الساخر، حيث خلق عالم كامل موازي لعالم أفلام العصابات لكن بوجه نظر مغايرة، فمنذ البداية يتم تقديم هذا الخط بأفضل وأجمل صورة ممكنة في مشهد تعرف شنبو على العصابة، المشهد الذي أجاد فيه أحمد رجب كل الإجادة في كتابة ردود فعل شنبو على تعريفه بأفراد العصابة فردًا فردًا.
ولم يفت رجب أن هذا المشهد يعد مشهد تأسيسي لهذا الخط فكان يجب استعراض العصابة بشكل كامل، من خلال إظهار أنهم بالفعل شخصيات خطره ولكن بشكل كوميدي فجاءت تفصيلية ثنائي الحانوتية ببدلاتهم السوداء وبرانطيهم المميزة ومشيتهم الرتيبة التي تدل على اعتيادهم على الأمر، كذلك لم يفت رجب أن يشير إلى المعضة التي سيقع فيها شنبو مع شفرة العصابة بعد ذلك من خلال جملة “السنجة في الرنجة” والتي أصبح واحدة من أشهر إفيهات السينما المصرية.
صعوبة البارودي ليس فقط صناعة عالم ساخر، ولكن صعوبته الحقيقة أن صناعه يسيرون على حد سكين بين الإضحاك بالسخرية والمغالاة وبين الاستظراف المبالغ فيه الذي قد يصل إلى حد السماجة أو الاستخفاف بعقلية المشاهد، ولكن شنبو في المصيدة جاء كنموذج مثالي لكيفية صناعة فيلم بارودي متخم بالسخرية، دون استظراف أو سخافة.
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال