شهر رمضان ويوسف شاهين .. صامه مع المسلمين ورسم مشواره فيه بالفرح والدم
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
جسدت ثنائية شهر رمضان ويوسف شاهين أشكالاً مختلفة في مسيرة المخرج، بعضها حمل فرحةً وبعضها حمل إنصافًا، وهناك أيضًا ما حمل مآسي.
شهر رمضان ويوسف شاهين ونجاح البدايات به
عاد يوسف شاهين في سن 24 سنة من الولايات المتحدة الأمريكية في هدوء دون صخب إعلامي بنجاحه كمخرج مصري شاب ليبدأ أولى خطواته السينمائية مع فيلم بابا أمين.
في 27 مارس عام 1950 بدأ تصوير فيلم بابا أمين في استديو الأهرام، وكان يوسف شاهين عمره 24 عامًا، وللتو تخرج من الولايات المتحدة الأمريكية؛ وكان بمثابة دم جديد في السينما المصرية.
قامت فكرة فيلم بابا أمين على مسألة الحياة بعد الموت ومعرفة الأموات بما يجري مع ذويهم، وكان عنصر زمان الفكرة هو شهر رمضان، فالموظف أمين لديه ابنه يريد أن يجهزها، إلى جانب مسؤوليات الحياة، ويعرض عليه صديقه أن يشاركه في مشروع فيدفع أمين كل ما لديه، ثم يتعرض لتعب بسيط وينصحه الطبيب بأن يتناول الأدوية لكنه يرفض كون أنه صائم، ثم ينام أمين ويجد نفسه ميتًا ويقابل والده الذي يلومه على تفريطه في المال دون أن يأخذ وصلاً، ثم يرى حال أسرته، ليصحو من نومه ويجد أنه كان يحلم.
عُرِض الفيلم للجمهور لأول مرة في سينما متروبول يوم 20 نوفمبر 1950 ولقي الفيلم نجاحًا واهتمامًا كبيرًا من حيث فكرته ومخرجه الذي كان له أفكار جديدة لم يتعود عليها الجمهور من قبل.
بدأت ثنائية أجواء شهر رمضان ويوسف شاهين منذ تتر الفيلم، فاسم المخرج وصناع العمل كان في خلفيتهم فانوس.
ومع بداية فيلم بابا أمين تجلت أجواء رمضان بوضوح في مشاهد فرحة الأطفال بالشهر الفضيل، فبابا أمين أعطى فانوسًا لابنه.
بينما الأطفال يغنون وحوي يا وحوي ويلعبون الألعاب النارية في الشارع، ويظهر أيضًا بائع الكنافة البلدي في الحارة.
انتهت أحداث فيلم بابا أمين باستيقاظ رب الأسرة من نومه وتصحيحه لكل شيء، وخُتِم الفيلم بأذان المغرب مع لقطات من مساجد القاهرة ثم تناول عائلة بابا أمين لوجبة الإفطار.
فيلم العصفور بنكهة شهر رمضان
في سبتمبر 1972 انتهى يوسف شاهين من تصوير فيلم العصفور، وقدم النسخة للرقابة على المصنفات الفنية والتي أصدرت تقريرًا يقضي بعدم عرض الفيلم بهدف الحرص على سلامة الجبهة الداخلية، وذلك لأن يوسف شاهين تناول نكسة يونيو بالتركيز على الشأن الداخلي من حيث فساد السياسيين والأمنيين.
لم يتم عرض الفيلم في مصر أولاً، وإنما تم في الجزائر وفي مايو سنة 1973 تم عرضه في مهركان كان السينمائي 4 مرات، وبحلول سبتمبر سنة 1973 كان عرضه في لبنان.
عُرِض أخيرًا في مصر لأول مرة بعد سنتين من المنع في 26 أغسطس 1974 م عبر سينما رمسيس بالقاهرة، وفي 2 سبتمبر من نفس العام أضيف له سينما راديو في الإسكندرية ومصر الشرق ببورسعيد.
استمر عرض فيلم العصفور 5 أسابيع وكان الأسبوع الأخير في بداية شهر رمضان وكان متوقعًا أن يخرج الفيلم من دور العرض لكن 4 رمضان 1394 الموافق 20 سبتمبر 1974 تقرر الإبقاء على الفيلم مع وضع مواعيد مناسبة لعرضه صباحًا ومساءًا في سينما رمسيس بالقاهرة وراديو بالإسكندرية، وساهم ذلك في تحسين معدلات إيرادات فيلم وصفه شاهين على لسان يحيى في حدوتة مصرية بـ «أهم فيلم في حياتي».
من المفارقات بين شهر رمضان ويوسف شاهين بفيلم العصفور، أن هناك مشهدًا بالـ V.O للممثل وهو يقول «ما زلنا في انتظار المعركة الموعودة»، وفي الخلفية أغنية رايحين شايلين في إيدنا سلاح والتي صارت لاحقًا من أغاني نصر حرب أكتوبر، رغم أن تلك الأغنية صدرت قبل الحرب بسنة واحدة وكأنها كانت تتنبأ بمعركة العاشر من رمضان.
فيلم وداعًا بونابرت وطقوس الصوم وحزن بسبب الدم
في لقاء مع طارق حبيب قال يوسف شاهين عن السجائر « هي إدمان وحش، يمكن أنا بدخن عشان حتة انتحارية كدة جوايا بس مهياش هروب، بس يعني ربطتها بالتفكير ويمكن بتهديني، ويمكن علميًا دا مش صح»، وردًا على سؤال خلال لقاء مع مفيد فوزي، قال «أنا أدمنتها .. وبدخن عشان مزاجي .. أنا بحب أدخن على طول .. أنا زعلان عشان مش عارف أدخن تحت الدش».
رغم افتتان يوسف شاهين بالسجائر لكنه تخلى عن التدخين لمهلة بسبب شهر رمضان وذلك أثناء تصويره فيلم الوداع يا بونابرت والذي بدأ تصويره في يونيو 1984 الموافق رمضان 1404 هجري، وأعلن أنه سيصوم في شهر رمضان مثل المسلمين، ظل تصوير فيلم الوداع يا بونابرت مستمرًا حتى سبتمبر من العام 1984 م إلى أن عُرِضَ في العام 1985 م.
عُرِض الفيلم في فرنسا قبل عرضه بمصر، وجاء يوم عرضه الأول في 30 رمضان سنة 1405 هجري الموافق 18 يونيو سنة 1985 م.
إذا ارتبط شهر رمضان ويوسف شاهين بالصوم في الوداع يا بونابرت، فإن يوم عرفة أيضًا ارتبط بالصوم لكن مع شاهين ارتبط بحزن، ففيه فقد أحد صناع العمل حياتهم وهو الممثل الشاب فريد محمود الذي جسد شخصية فلتاؤوس بالفيلم حيث أخذ أجازة عيد الأضحى وسافر يوم الوقفة إلى الغردقة وعند منطقة الزعفرانة كان سائق الأوتوبيس يغير إطارات السيارة تجول فريد محمود سيرًا على قدميه عند منطقة بير عويضة بين الزعفرانة والكريمات لينفجر فيه لغم ويقتله في سبتمبر 1984 م.
حزن يوسف شاهين على موت أصغر الممثلين في الفيلم، فجعل إهداء الفيلم لروحه وكتب ذلك في التتر.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال