شواهد القبور في القاهرة التاريخية تحت أنقاض التراب و باحثون: نعمل بالجهود الذاتية لإنقاذها
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ممّا لا شك فيه أن تاريخ أي أثر يُعرف بشاهدهِ أو بنصه التأسيسي، ولذلك نستطيع أن نُجزم بأنه إذا وُجد الشاهد أو النص التأسيسي فذلك يعتبر بمثابة المُؤرخ الأول له، وعليه فقد نالت شواهد القبور عناية ودراسة فائقة في علم الآثار الإسلامية.
وقد انتشرت شواهد القبور في العالم الإسلامي من التركستان شرقًا إلى المحيط غربًا، وتنوعت أسمائها بين (البلاطة ـ اللوحة ـ النقشية ـ القبرية )[1]، ولمّا كان المصريون هم أكثر شعوب الأرض حفاظًا على جثث مواتهم، فلم توجد شواهد بكثرة ما وُجدت في مصر، حيث تميزت مصر الإسلامية بكثرة ما عُثر عليه من شواهد القبور، ومن أكثر الجبانات؛ جبانة أسوان، و قرافة المجاورين، و قرافة السيدة نفسية، و قرافة الإمام الشافعي، التي تتعرض لإزالة عشوائية لتوسعة طريق صلاح سالم.
شواهد القبور المصرية .. بطاقة هُوية
تُعرّف شواهد القبور على أنها قطع صُنعت من الحجر أو الرخام توضع فوق القبر لتدل بما عليه من كتابات على من يرقد في القبر، وشواهد القبور المصرية الإسلامية كثيرة، وأكثر هذه الشواهد ألواح مستطيلة الشكل وبعضها على هيئة أسطوانات أو أعمدة صغيرة تدور حولها الكتابات، وذلك في العصر الأيوبي والمملوكي[2].
وفي العصر العثماني تطورت أشكال شواهد القبور بحيث تم تميز قبور الرجال عن قبور النسا، فكانت مقابر الرجال تنتهي بما يشبه عمامة الرأس، بينما في قبور النساء فقد كانت الشواهد تنتهي بما يشبه الرأس وفوقها القرص وأسفلها ما يشبه الرقبة وحولها قلائد، وينقش في الاثنين الكتابة حفرًا بارزًا، أو غائرًا وتزين بالزخارف الهندسية والنباتية [3].
علامات تاريخية مهمة
كما أن شواهد القبور التاريخية علامة مهمة لتطور الخطوط العربية، وتراجم أصحابها وتاريخهم وتأثيرهم في الحياة بوثيقة غير قابلة للطعن، كما أنها وثيقة هامة تفيد في مراقبة أقوال المؤرخين، غير أنها تعكس المظاهر الاجتماعية والدينية واللغوية في مختلف العصور التي كتبت فيها، إذًا الشواهد هي تاريخ دُول وحضارات يجب الحفاظ عليه، ومن هُنا كانت مساعي ناشطين مصرين في مجال التراث للحفاظ على الآثار المُهدر إبان إزالة مقابر الإمام الشافعي و السيدة نفسية لتوسعة طريق صلاح سالم.
اكتشاف يعود لـ 11 قرن
قوة الملاحظة والشغف باكتشاف التراث الحضاري لمصر هي عنوان هذا الاكتشاف الأثري الذي يعود تاريخه إلى 1200 سنة.
يقول” إبراهيم طايع” في حوار “الميزان”، إنه في يوم الخميس الموافق 11 مايو 2023م في تمام الساعة الخامسة والنصف تقريبًا، كنت بصحبة “محمد عبد المالك”، و “حسام عبد العظيم” مؤسس مبادرة شواهد مصر في قرافة الإمام الشافعي لإلقاء نظرة وداع على المكان، ومنها محاولة الحفاظ على ما قد يكون ذو أهمية على بعد نقل جثث الموتى إلى أماكن أخرى.
وبعد نصف ساعة من دخولنا الحوش، إذ لاحظنا وجود جدار مُهدم. اقتربنا أكثر وبنظرة أكثر دقة وجدنا بعض الحروف مرسومة بالخط الكوفي الغير منقوط ، وكان هذا تزامنًا مع رؤية الباحث حسام عبد العظيم أيضًا، اجتمعنا في مكان وجود الشاهد بصحبة الدكتور مصطفى الصادق وسارة حسن وباقي الزملاء وعملنا على استخراج الشاهد في زمن نصف ساعة.
قمنا بتنظيف الشاهد من الأتربة واستخراجه دون أي خدوش، وبعدها تم عرض الشاهد على الدكتور ” فرج الحسيني” الذي ساعدنا على قراءته، وقد كان الشاهد لـ” أُمامة ابنة محمد بن يحيى بن خلد بن يحيى”، وتوفيت لعشر خلون من ذو الحجة سنة 129 هجرية أو 121 هجرية، وكان هذا الخلاف الوحيد بين الدكتور مصطفى والدكتور فرج على أية حال شاهد القبر يعود لأكثر من 1170 سنة.
مصير شاهد “أُمَامة”
قال “حسام عبد العظيم” مؤسس مبادرة شواهد مصر لـ” الميزان” أنه بعد العثور على شاهد قبر” أُمامة” قمنا بتوثيقه ولحسن الحظ كان الشاهد قطعة واحدة من الرخام منقوش نقشًا غائرًا بالخط الكوفي الغير منقوط، وبعد عملية التنظيف، قمنا بتبليغ وزارة الآثار المتمثلة في الأستاذ الدكتور “أبو بكر أحمد” رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالمجلس الأعلى للآثار، وقد سلمنا الشاهد إلى ” رانيا الشيوي” مدير عام آثار منطقة الإمام الشافعي.
مراحل إنقاذ الآثار
وأضاف “عبد العظيم” أن عملية الإنقاذ تأتي في صورة متكاملة لكن على مراحل، فأما المرحلة الأولى فهي عملية حصر وتوثيق شامل للشواهد والقطع الأثرية الموجودة، والمرحلة الثانية هي عملية الإنقاذ، والثالثة هي مرحلة متطورة تحتاج إلى تواصل رسمي مع أجهزة الدولة المعنية سواء كان في عملية ترميم القطع المعثور عليها، أو عرضها في المتاحف.
وأكد” عبد العظيم” أن مبادرة” توثيق و إنقاذ الآثار الغير المسجلة” قائمة بالجهود الذاتية من قبل متطوعين، وأضاف لابد من رعاية رسمية بالتنسيق مع مؤسسات الدولة المعنية حتى يكون هناك سهولة في عملية الإنقاذ قبل توسعة عملية الإزالات.
عمليات إنقاذ فريدة
قال “حسام عبد العظيم” أن القائمين على المبادرة يعملون على حصر القطع التي تم إنقاذها التي تعود إلى عصور مختلفة، حيث أنقذنا في يوم واحد وهو يوم الأربعاء 17 مايو 2023م، حوالي 7 قطع أثرية فريدة، ومن بينها إنقاذ نص تأسيسي أثري لأحد الأحواش الموجودة بشارع عين الحياة بقرافة الإمامين ومعه طربوش من كتلة واحدة من الرخام كان يوضع أعلى القبر، ومن المحتمل أن يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر.
تاريخًا كاملًا يختفي
وفي سياق متصل قال الدكتور” مصطفى الصادق ” أحد أهم المدونين لتاريخ الشواهد لـ “الميزان” أنهم يقومون بجمع شواهد “حوش الباشا” بقدر الإمكان، وأكد أن هناك تاريخًا كاملًا من الممكن أن يختفي إذا ما اختفت شواهد القبور.
وأضاف أن المشاركين في عمليات الإنقاذ من المهتمين بتاريخ مصر و بالجهود الذاتية، وأشار إلى أن هناك صروح فنية فريدة لكبار الشخصيات التي أثرت التاريخ المصري مهددة بالإزالة الكاملة.
واستطرد” الصادق” أن هناك قبور وشواهد ستزال، ومنها على سبيل المثال قبر ” إسماعيل باشا سليم” كان ناظر الجهادية، كما أنه شارك في حملة الشام وحرب كريت الذي استشهد فيها، وانتقل جثمانه ليدفن في مصر، وأضاف هناك قبور أخرى مهددة بالهدم مثل قبر محمد راتب، وكان أيضًا وزيرًا للحربية وهو من أوائل القبور المهددة بالإزالة.
واستكمل” الصادق” هناك مقابر أخرى لعل أبرزها مقبرة الإمام ” ورش” صاحب ثاني أشهر قراءة قرآنية في العالم بعد قراءة حفص، وتعتبر قراءاته القرآنية القراءة الرسمية لدول المغرب العربي.
وقال ” الصادق” أن هناك شاهد مهم بخط الخطاط “محمد راتب” الذي أعاد الحياة للخط الكوفي ، وشواهد ومقابر أخرى مثل قبر”أحمد باشا شفيق” و”راشد باشا حسني”وقبر “فاطمة الشامية”، وقبر “حافظ إبراهيم” وقبور أخرى مهمة لأصحابها.
شواهد القبور التي تعتبر بطاقات شخصية للمتوفي تحكي قصته، وقصة الحياة في عصره تلاحقها قرارات الإزالة لتوسعة الطرق وإنشاء الكباري، فهل هناك معجزات سماوية توقف عملية الهدم هذه.
مصادر ومراجع
[1] د. عاطف سعد محمود، شواهد قبور عربية ذات شهور قبطية من جبانة أسوان، مجلة دراسات في آثار الوطن العربي، ع 14، د.ت، ص1413
[2] محمد عبد العزيز مرزوق: شواهد القبور ضمن تاريخ مصر وآثارها ، الهيئة العامة للاستعلامات، لندن، د.ت، ص179
[3] السابق ص 180
(ملحوظة): الصور المرفقة بالتقرير تعود إلى الباحث حسام عبد العظيم و الدكتور مصطفى الصادق.
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال