نعم أنا مع شيخ الأزهر ضد التنويريين الجدد

أخذ حوار الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت، صدىً على السوشيال ميديا لم تلقه أخبار صفقة القرن، وأنا ككاتب للمقال أقدر القيمة العلمية لرئيس جامعة القاهرة، لكني مؤيد لكلام شيخ الأزهر وفي نفس الوقت لديّ تحفظات على بعض التفاصيل في شكل الحوار.

عيب أزهري كارثي في حوار شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة

في البداية أؤكد على رفضي القاطع لعمليات التصفيق والمديح التي أخذها شيخ الأزهر من رموز المؤسسة الأزهرية في ردوده على الدكتور الخشت، وهو الشيء الذي استهجنه الطيب حينما قام أحد الأزهريين بإلقاء قصيدة شعر تمدح الإمام.

هل نؤيد تجديد الخطاب الديني بنقد ونقض التراث ؟

مسألة ضرورة تجديد الخطاب الديني لا يختلف عليها أحد، إذ بسبب عيوب الخطاب الدعوي والديني والعلمي للأزهر ــ سنتناولها ــ افتقد رجال الدين لتأثيرهم، ودفع الإسلام ثمنًا غاليًا إذ صار دين إرهابٍ بالنسبة لكثيرين.

اقرأ أيضًا 
شيخ الأزهر وضرب المرأة الرمزي.. هل هناك زوج ناشز يحق لزوجته ضربه ؟

أسوأ ما وقع فيه المثقفين هو عدم تحديد رؤيتهم للتراث، فمثلاً يظن الكثيرون أن صحيح البخاري كتاب «أحكام» (أنا لست من المؤمنين بأنه أصح كتاب بعد القرآن)، وبعضهم طالب علنًا بتجريد القرآن من ألوهية تنزيله واعتباره كتاب تاريخ يقبل النقد وليس نصًا سماويًا.

في أي شيء أخطأ الخشت ؟

في حوار شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة قال الأخير كلامًا غير جديد لكن فيه خطأ إذ أكد على أن الاشاعرة يستدلون بأحاديث الآحاد، وهذا غير صحيح أصلاً بل إن الشيء الذي يميز الأشاعرة عن السلفية هو عدم استدلالهم بأحاديث الآحاد.

أراد الخشت أن يتم استدعاء نموذج منهج هيجل الفلسفي (وهو ابن امبارح يعني من القرن الـ 19) على أساس أن منهج هيجل لا زال مؤثرًا، وهذا غير صحيح، فمثلاً الماركسية التي انتهت هي بنت منهج هيجل.

وأكاد أشك في أن الدكتور الخشت يعرف شيئًا عن الأشاعرة إذ أن لهم جوهرين نحن في أشد الحاجة إليهما، أحدهما رفض التكفير والآخر إعمال العقل في العقيدة، فالأشعرية في حقيقتها هي منهج فكري فلسفي وليس مذهبًا فقهيًا ولا شرطًا في صحة الإسلام كما ظن الخشت.

نقد انتقادات معارضي الطيب

انتقادات متعددة تعرض لها الطيب، وأؤيدها بعضها مثل رؤيته أننا لا نصنع شيئًا، لكن انتقاد البعض له بأن الأزهر مؤسسة كهنوتية غير صحيحة، وتفتقد لرؤية وفهم، لكن استوقف البعض جملتين للطيب، إحداهما أننا تقدمنا بالتراث وتخلفنا حين تركناه، والأخرى متعلقة بتشكك الطيب في نية المجددين خاصةً وأن أهدافهم تسيء للإسلام.

اقرأ أيضًا 
الحضارة العثمانية الفقيرة إنسانيًا .. بلا أي إنجاز علمي أو ثقافي

نعم تقدمت أمة الإسلام بالتراث زمن الأمويين في الأندلس والعباسيين في بغداد وقت أن كانت أوروبا نفسها متخلفة، بل إنه في عز الدولة العثمانية تصدى الأزهر لفكرة تتريك اللغة، وحين كانت الآستانة ترفض إقامة مرصد فلكيٍ كان الأزهريين متقدمين بشهادة علماء الحملة الفرنسية أنفسهم وهذا الكلام مسجل في كتاب «بونابرت في مصر» لكرستوفر هيرولد.

أما مسألة الإساءة للإسلام أو ضرب ثوابته فالنماذج من التاريخ والواقع كثيرة، يوجد رشاد خليفة الكيميائي الذي طالب بتجديد الخطاب الديني من باب التاريخ الإسلامي ثم طالب بتعديل السنة والعمل بالقرآن فحسب فاخترع نظرية الرقم 19 والإعجاز العددي في القرآن إلى أن أعلن نفسه أنه رسول الله بنص القرآن بحجة أن هناك فرق بين النبي والرسول والقرآن نص على أن محمد خاتم النبيين وليس خاتم المرسلين !.

من الواقع يوجد يوسف زيدان الذي استدل بكتاب الواقدي لينفي وجود المسجد الأقصى ببيت المقدس رغم أن الواقدي يتكلم عن المسجد الأقصى بالجعرانة الذي أحرم منه النبي (أي أقصى مدينة الجعرانة) وفي نفس كتاب الواقدي نجد أنه يتكلم عن المسجد الأقصى بالقدس، فهل يوسف زيدان لا يجيد اللغة ؟.

مؤمن مش مآمِن والكلام ليكي يا جارة

تاريخيًا لا يرفض الأزهر تجديد الخطاب الديني حتى في خضم وجود الراديكاليين الأزهريين وتلك مسألة مشهورة منذ زمن الشيخ محمد عبده، وأرجو أن لا يتم الاستدلال بنموذج صراع طه حسين وعلي عبدالرازق إذ كان كل واحدٍ منهما مفكرًا لا مجددًا.

إقرأ أيضا

“عن أسامة الشاذلي” محبيه حتى اللحظة وإلى الأبد لم يستوعبوا رحيله

دليل غير متداول من تاريخ الأزهر يؤكد على مسألة عدم رفضه للتجديد، أن الشيخ محمد بخيت المطيعي كتب سنة 1906 كتابًا اسمه «رسالتي الفونوغراف والسوكورتاه ـ شركات التأمين ـ»، وأجاز فيها جواز استماع القرآن من الفونوغراف، ليتعرض لهجومٍ من الأزهريين أنفسهم لأن كلامه يناقض التراث.

اقرأ أيضًا 
المعلم ميخائيل البتانوني .. قبطي تعلم في الأزهر ليلحن للكنيسة

رد الشيخ محمد بخيت المطيعي في كتاب سماه «إزالة الاشتباه عن رسالتي الفونوغراف والسوكورتاه»، وفند فيها المزاعم التي هاجمته بحجة أن كلامه يناقض التراث، وتلك الفتوى موجودة في مكتبة الأزهر القديمة ومطبوعة في مجموع فتاوى المطيعي ص 139.

يوجد نموذج آخر يتمثل في الشيخ الأحمدي الظواهري إذ كتب سنة 1904 كتابًا اسمه العلم والعلماء أثار ثائرة الأزهريين لرؤيته في إصلاح الأزهر ونظام التعليم والتدريس والمناهج فيه، لدرجة أن شيخ الأزهر عبدالرحمن الشربيني أمر بحرق الكتاب؛ لكن بعد اجتماع الأزهريين ومناقشة الكتاب بطريقة تراثية تمت الموافقة عليه وكان بطريقة غير مباشرة هو نواة تأسيس جامعة الأزهر في الثلاثينيات.

جملة «تجديد الخطاب الديني» حاليًا باتت سيئة السمعة بسبب «النوايا والأفعال»، إذ أتت مع تنامي النزعة التنويرية والإلحادية عقب انتهاء مرحلة الإسلام السياسي بكل فسادها الفكري «والتي وقف الأزهر ضدها بعنف».

نموذج من نماذج النية غير السوية التي تعرضت لها شخصيًا مع واحدٍ منهم وهو مشهور (ولا داعي لذكر اسمه)، يرى ضرورة حرق صحيح البخاري لأن كل الأحاديث التي فيه مكذوبة، ثم حكى لي قصة ضد عمر بن الخطاب ليثبت أن عمر كان فاسدًا، ولما سألته عن مصدرها قال صحيح البخاري، فسألته «يعني إنت بالنسبة ليك كل اللي في الكتاب دا كدب، إشمعنى بقا دونًا عن الكام ألف حديث الكدب دول صدقت حديث عمر ووفاة النبي ؟».

هل كتب التراث فيها عيب ؟
الإجابة نعم .. لكن عدم صدق النوايا يحول بين أن يأمن الأزهر لتلك الدعوات، فظاهرها جميل وباطنها ضرب ثوابت الدين (باعترافتهم وأفعالهم).