شَد الرِحال 02) حِج الناس القديمة

الحِج طقس منتشر في ثقافات كتيرة، ومع أختلاف الأزمان والديانات وطُرق الحج.. تتفق كلها على تفصيلة واحدة وهي ” شَد الرِحال”.

تاريخنا كبشر عايشين ع الكوكب ده سجل وجود حضارات وشعوب متنوعة؛ بطبيعة الحال بينهم اختلافات كبيرة في كل مفردات حياتهم.. لكن كمان بينهم مشتركات، من ضمنها فكرة الحِج، فزي ما الحلقة اللي فاتت أتعرفنا على شكل الحِج عند بعض الأديان المنتشرة لحد النهارده، فهنتعرف الحلقة دي على حِج  الناس القديمة.

حِج أجدادنا

لإن منظومتنا التعليمية مش بتهتم بتدريس أساطيرنا المحلية نفس إهتمامها بتدريس أساطير تانية مستوردة، فيه كتير مننا يعرفوا قصة إيزيس وأوزوريس يادوب بالإسم بس. رغم إننا نقدر نعتبرها “الأسطورة المؤسسة” لحضارة بناة الأهرام، أجدادنا لما صحيوا بدري جدًا في تاريخ الإنسانية وكونوا واحدة من أقدم الحضارات في التاريخ المعروف.

حضارة أجدادنا العظام وزي معظم الحضارات البشرية أنتجت طقس حِج خاص بيها؛ تفاصيله مُنطلقة من رؤيتهم للعالم المحسوس والوجود ككل، رؤيتهم اللي لخصوها في أسطورة (إيزيس – أوزوريس).

الحِج لأوزير

أفترض أجدادنا إن أوزير مدفون في منطقة “أبيدوس”، مركز البلينا بمحافظة سوهاج حاليًا، فكانت هي مركز الحِج.. يشدولُه الرحال من كل مكان في البلد إن كان بالقوارب النيلية أو حتى مشي على رجليهم.

تقديس أبيدوس بدء من قبل عصر الأسرات والحِج ليها مُثبت من عصر الدولة القديمة، رحلة دينية بتحصل كل سنة من يوم 8 لغاية يوم 26 توت (أول شهر في فصل الفيضان “أخِت”).

أعتقد أجدادنا إن الإنسان بيتكون من روح وجسد وإن الـ”كَا” والـ”بَا” من أهم مكونات روح الإنسان، لأن عليها الدور الكبير في عملية التعرف على جسد المتوفي في قبره، وبما إن العظيم أوزوريس مدفون في أبيدوس فكان طبيعي تقديس المنطقة والحج ليها تقربًا من الـ”كَا – بَا” الخاصة بالمعبود العظيم.

الطقوس

طقوس الحِج لمدفن أوزوريس طويلة ومتنوعة، في البداية كان الحجاج يمثلوا الحدوتة زي ما دارت بين هذا الجيل من التاسوع المقدس (المصدر التاريخي لمثل: “كلنا ولاد تسعة”).

سِت يقتل أخوه أوزير ثم أختهم أوزوريس ومرات أوزير تنجح بمساعدة باقي أفراد التاسوع في إعادته للحياة.. إلخ.

بعد كده نخش في فقرة الطواف؛ فكانوا مؤمنين إن الطواف الإنسان حوالين قبر أوزوريس 7 مرات هيخلصه من أخطائه، فكان كل حاج حريص على عملية الطواف وهو بيردد:

“السلام عليك أيها الإله العظيم..
يا سيد تاور العظيم في أبيدوس
لقد أتيت إليك فأنت صاحب العطف
استمع لندائي ولب ما أقوله
فإني أنا واحد من عابديك“

أما بالنسبة للهدوم المخصصة للحج فكبير الأثريين بوزارة الآثار، مجدي شاكر، قال خلال حوار لموقع الوطن سنة 2019:

(الحاج إلى أبيدوس كان يرتدي ملابس من الكتان الأبيض ليغطي بها الكتف الأيسر؛ نظرا لأن الكتف الأيسر به القلب الذي به جزء صالح وجزء سيئ.. فكان يغطى قلبه حتى يستر سيئاته وهو أمام الله).

الملفت في الحوار ذكر الخبير الأثري (إن المصري القديم عند عودته كان يرسم طقوس الحج على جدران منزله).

بعد كده ندخل في فقرة القرابين؛ وكانت متنوعة بين مختلف الأكلات والمشروبات.. وطبعًا كانت فيه قرابين حيوانية، وطبعًا الغرض من كل ده هو البركة في الرزق والنعيم بعد الموت.

العرب قبل الإسلام

الحَج مش بس كان منتشر عند مختلف شعوب العالم قبل ظهور الإسلام، إنما ده كان موجود كمان في شبه جزيرة العرب، فقبل الإسلام كان العرب بيحجوا لكن مش كلهم بيحجوا لنفس الكعبة الموجودة في مكة، لإن كان فيه حوالي 20 كعبة منتشرة في شبه الجزيرة.. هنتكلم عنهم في حلقة خاصة بيهم.

بالرجوع لكتب التراث العربي، المتخصصة في روايات العرب عن حياتهم قبل الإسلام، هنلاقي إن مناسك الحِج ماكنتش موحدة عند كل القبايل، مش بس بأختلاف أماكن ممارسة الحج إنما كمان بين حجاج المكان الواحد؛ فكانت لكل قبيلة طريقتها في الحِج.

الطواف

الطواف حوالين الكعبة كان من المناسك لمتفق عليها عند كل القبائل، لكن طريقة الطواف وشكله وعدد اللفات وحتى التلبية كان بيحصل فيها اختلافات، فمثلًا ماكنش فيه زي موحد للحج.. كان فيه ناس بتطوف بالهدوم اللي عليها وناس بتجيب هدوم مخصوصة للطواف وناس بتطوف بلابيص.

وكانت فكرتهم إنهم مايقابلوش ربهم بهدوم أرتكبوا معاصي وهمه لابسينها، وأستمرت العادة دي لغاية فتح المسلمين مكة؛ وبعدها تم تحريمها بنص الآية 31 من سورة الأعراف: “يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ“.

التلبية

تنوعت التلبيات بتنوع القبايل العربية؛ فكان لكل قبيلة ليها تلبيتها الخاصة بيها.

فكانت تلبية قريش:

لبيك اللهم لبيك..
لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك
تملكه وما ملك.. أبو بنات في فدك

وتلبية قبيلة جُرهُم:

لبيك مرهوبا وقد خرجنا
والله لولا أنت ما حججنا مكة والبيت ولا عججنا
ولا تصدقنا ولا تحججنا

وقبيلة خزاعة فكانت تلبيتها:

إقرأ أيضا

تاريخ مصر الأوليمبي بدأ بالميداليات الذهبية وعطله الروتين “الحكاية من 1928”

نحن من بعدهم أوتاد
نحن ورثنا البيت بعد عاد
فاغفر.. فأنت غافر وهاد

أما أشهر تلبية فهي طبعا بتاعة قبيلة عك من اليمن:

نحن غرابا عك.. عك
عك إليك عانيه
عبادك اليمانية
كيما نحج الثانية

الصفا والمروة

من لمعروف دلوقتي إن الهرولة بين جبلين الصفا والمروة هي واحدة من المناسك الأساسية للحج عند المسلمين، بس اللي مش كتير يعرفه إن الفعل ده نفسه كان من أهم مناسك حج العرب قبل الإسلام؛ ولإنه مهم وكتير من الحجاج بيعملوه تحول المسار بين الجبلين لسوق تتباع فيه الأصنام للحجاج.

بسبب الحكاية دي بعض المسلمين الأوائل كانوا مترددين في الهرولة بينهم، وعشان كده فنزلت لهم آية تطمنهم وترفع عنهم الحرج من زيارة الصفا والمروة:

“إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ” (158 – البقرة)

الحج عرفة

بحسب حديث ابن عباس كان العرب قبل الإسلام بيقفوا يوم 9 ذو الحجة على جبل عرفة ومنه ينزلوا على المزدلفة، وبعد الإسلام أمر النبي الحجاج المسلمين بالحفاظ على نفس المناسك بترتيبها مع تعديل في توقيت التحرك بينهم.

«كانَ أَهلُ الجاهليَّةِ يقفونَ بعرفةَ حتَّى إذا كانتِ الشَّمسُ علَى رؤوسِ الجبالِ كأنَّها العمائمُ علَى رؤوسِ الرِّجالِ دفعوا، فيقفونَ بالمزدلفةِ حتَّى إذا طلعتِ الشَّمس، فَكانت علَى رؤوسِ الجبالِ كأنَّها العمائمُ علَى رؤوسِ الرِّجالِ دفعوا، فأخَّرَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ الدَّفعةَ من عرفةَ حتَّى غربتِ الشَّمس، ثمَّ صلَّى الصُّبحَ بالمزدلفةِ حينَ طلعَ الفجرُ، ثمَّ دفعَ حينَ أسفرَ كلُّ شيءٍ في الوقتِ الآخرِ قبلَ أن تطلعَ الشَّمسُ»

وكان توقيت الحِج عن العرب برضه في شهر ذو الحجة، وكان كتير من القبايل بتقوم بمنسك رمي الجمرات، وكان ختام الماسك هو تقديم القربان، بدبح الحيوانات أمام الأصنام وتوزيعها على الموجودين في المكان.

زي ما قلنا في البداية؛ شعوب كتير عرفت الحج كطقس موسمي في مكان ثابت بغرض الحصول على المغفرة والتخلص من خطاياهم، عشان كده هنلاقي رغم اختلاف الطقوس إلا إن الدوافع أو الأفكار اللي وراها شبه متطابقة.

نتقابل الحلقة الجاية عشان نشوف الكعبات التانية اللي في شبه الجزيرة دي حكايتها؟ إيه وراحت فين؟.