شَد الرِحال 03 كعبة ولا كعبات
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
الحِج طقس منتشر في ثقافات كتيرة، ومع أختلاف الأزمان والديانات وطُرق الحج.. تتفق كلها على تفصيلة واحدة وهي ” شَد الرِحال”.
بيمر علينا الأيام دي موسم الحج عند المسلمين؛ وواحدة من أهم مناسكه هي الطواف حوالين الكعبة، قبلة المسلمين في كل صلاة والواقعة بمكة المكرمة.
لكعبة مكة قصة طويلة وشيقة هنحكيها في حلقة منفصلة، إنما دلوقتي خلينا نسأل: هل كعبة مكة فريدة من نوعها؟ ولا العالم عمومًا وشبه الجزيرة خصوصًا شهدوا وجود كعبات تانية؟
جمع كعبة.. كعبات
بالبحث عن كلمة كعبة في معجم المعاني نلاقي إن معناها “كلُّ بيتٍ مربّع الجوانب”، والملفت إن ليها أكتر من جمع: (كَعَبَات – كَعْبات – كِعاب)، ومن هنا كانت من البديهي طرح سؤال: هو فيه كعبات تانية؟
وكانت الإجابة المختصرة: أه فيه.
أما الإجابة الأكتر دقة: فيه كعبات تانية كتير، أغلبهم في شبه جزيرة العرب (أكتر من عشرين كعبة)، وفيه أتنين مشهورين بره المنطقة دي.. بس المعلومات عنهم قليلة جدًا، “كعبة آكسوم” في الحبشة و”كعبة زرادشت” في إيران.
“كانت الكعبة (البناء المكعب) هي الصيغة المعمارية المفضَّلة لبيوت أرباب الجاهلية، وأحيانًا أخرى كانت هذه الكعبات تُقام تقديسًا للأحجار الغريبة والنادرة؛ مثل الأحجار البركانية أو النيزكية، وكلاهما كان يغلب عليه اللون الأسود نتيجةَ عواملِ الاحتراق. ونظن هذا التقديس ناتجًا -إضافة لغرابة شكل الحجر- من كونه قادمًا من عالَم غيبي مجهول؛ فالحجر البركاني مقذوف ناري -من باطن الأرض وما صِيغَ حوله من أساطير قسمته طبقات ودرجات، واحتسبته عالمًا لأرواح السالفين المقدسين- كذلك الحجر النيزكي، وربما كان أكثر جلالًا لكونه كان يصل الأرضَ وسط مظاهرة احتفالية سماوية تخلب لبَّ البدوي المبهور؛ فهو يهبط بسرعةٍ فائقة محتكًّا بغلاف الأرض الغازي، فيشتعل مضيئًا ومخلفًا وراءه ذيلًا هائلًا؛ لذلك كان هول رؤيته «في التصور الجاهلي» دافعًا لحسبانه ساقطًا من بيوت وعرش الآلهة في السماء، حاملًا معه ضياء هذا المكان النوراني؛ ومن ثَمَّ كان طبيعيًّا أن يُحاط بالتكريم والتبجيل.
ومع كثرة الأحجار القادمة من عند الأسلاف، أو الهابطة من السماء، كثرت أيضًا الكعبات“.
(سيد القمني – الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية)
كعبات العرب
بيت اللات، كعبة نجران، كعبة شداد الإيادي، كعبة غطفان، بيت ذي الخلصة أو الكعبة اليمانية، بيت ثقيف، كعبة ذي الشرى، كعبة ذي غابة، بيت اللات، بيت العزى، بيت مناة، وكعبة مكة.
دي أشهر الكعبات المذكورة في كتب التراث العربي، وهنلاقيها عند د. جواد علي في كتابه المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، وفي الأصنام للكلبي، وعند الزبيدي في تاج العروس، الهمداني في كتابه الإكليل أو تاريخ العرب قبل الإسلام بتاع أ.د. محمد سهيل طقوش.
العرب سموا البيوت دي كلها «كعبات» لأن الكعبة في اللغة هي كل بناء مربع أو مستطيل يرتفع إلى الأعلى حتى يصبح مُكَعَبًا، وتبنى الكعبة بسقف أو بدون.. ويُجعل لها باب لا يفتحه سدنتها إلا للمتعبدين وأصحاب النذور.
روح المنافسة
سدنة الكعبات المختلفة كانوا بيتنافسوا على استقطاب الحجيج، زي المنافسة بين الكهنة ورؤساء طوايف الهندوس.. في حلقة حج الناس التانيين.
المنافسة دي كانت أحد أهم أسباب محاولة أبرهة الأشرم هدم كعبة مكة (على حسب كتب التراث العربي/الإسلامي) بعد أن فشل في منافسة كعبة مكة بكعبة بناها في اليمن أسمها “كعبة القليس” (لسه ليها بقايا في حارة القطيع غرب قصر السلاح).
رغم المنافسة وإن كل كعبة كان ليها زباينها، لكن فضلت كعبة مكة متفوقة طول الوقت على باقي الكعبات بسبب موقعها الجغرافي في تقاطع طرق التجارة؛ موقع استغلته قريش أحسن استخدام، عن طريق إنها أرست قواعد التسامح الديني وفتحت الباب قصاد كل القبائل إنهم يحطوا أصنام لآلهتهم في كعبتها ويحجوا ويتعبدوا عندهم عادي.
بكده أسست قريش مركز تجاري حطها في مكانة اقتصادية وسياسية ومجتمعية أعلى من كل قبايل العرب، مركز أساسه الحرية الدينية كتطبيق لقاعدة دعهُ يعمل.. دعهُ يمر قبل أوروبا بقرون.
كعبة آبرهة
في اليمن تحديدًا في صنعاء بنا أبرهة كنيسة “القليس” كأكبر وأعظم وأجمل كنيسة، وزي ما ورد في البداية والنهاية لابن كثير، جاب لها رخام من أنقاض قصر الملكة بلقيس.. وجعل منابرها من خشب الأبنوس المُطعم بالعاج.. والصلبان من الدهب والفضة؛ يعني ضخامة وفخامة وشغل فاخر من الأخر. في محاولة لمنافسة كعبة مكة خصوصًا وإن مكان كعبته في واحدة من محطات التجارة الرئيسية في المنطقة.. يعني زيارتها تنفع تبقى “حِجة وتجارة”؛ وهو واحد من أهم أسباب رواج كعبة مكة.
أبرهة لما أتم بناء القليس كتب للنجاشي ملك الحبشة: “إني قد بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها أحدُ قط، ولست تاركًا العرب حتى أصرف حجهم عن بيتهم الذي يحجون إليه“.
لكن زي ما هو معلوم من الواقع بالضرورة.. أحلام آبرهة ماتحققتش وفضلت كعبة مكة على وضعها، وكنيسته بكعبتها راحوا في الوبا؛ في أولها واحد من العرب عمل فيها زي الناس ثم أتهدت بأوامر الخليفة العباسي التاني. وبين الحدثين كانت مهملة بعد سقوط دولة النجاشي.
الكعبة اليمانية (ذو الخلصة)
بالمشي مسيرة سبع ليال جنوب مكة كانت توصل القوافل منطقة “تبالة”، حيث كعبة “اليمانية” الخاصة بالإله “ذو الخصلة”.. وده كان معبود عند قبائل كتير من العرب، فكانوا بيحجوا لكعبته، من أشهرهم قبيلة جُرهُم وبنو هلال.
المفارق في الكعبة دي إنها بشكل أو بأخر فضلت موجودة لغاية بدايات القرن العشرين وكان لسه فيه قبايل عربية بتحِجلها، لغاية رجالة الشيخ محمد عبد الوهاب “مؤسس الوهابية” ما هدوها تمامًا سنة 1925م.
بيت اللات في الطائف
أهل “الطائف” كان عندهم كعبة لعبادة “اللات”، وكان معروف باسم “بيت الربة”، أهل الطائف أعلنوه بيت حرام ممنوع فيه القتل أو القتال كمان حَرَمُوا صيد أي حيوان أو قطع أي نبات موجودين جواه.
عبادة “اللات” كانت منتشرة بين عرب الحجاز، وكان تمثالها على شكل مربع أو على شكل صخرة بيضا منقوشة، وسدانة بيت الربة كانت حِكر على عيلتين من أغنى عائلات الطائف؛ آل أبي العاص بن أبي يسار بن مالك وبني عتّاب بن مالك من ثقيف.
للآسف مافيش مادة كبيرة ودقيقة عن كل كعبة من الكعبات والأجواء الدينية المحيطة بيها، يجوز الوضع يختلف مع التغيرات السريعة الحاصلة في المملكة حاليًا.. يمكن مستقبلًا يبقى فيه مساحة لوجود بعثات استكشافية محترفة في المنطقة.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال