87 مشاهدة
شَد الرِحال 04 قصة كعبة مكة
الحِج طقس منتشر في ثقافات كتيرة، ومع أختلاف الأزمان والديانات وطُرق الحج.. تتفق كلها على تفصيلة واحدة وهي ” شَد الرِحال”.
المسلمين في حجهم بيشدوا الرحال لكعبة مكة؛ ودي ليها قصة طويلة تفاصيلها متنطورة في كتب التراث الديني المعتمدة على مرويات شفاهية.. بتبدء من بداية الخليقة وبتوصل لغاية هجوم آبرهة الأشرم، وزي أي معلومة في التاريخ أو التراث العربي/الإسلامي هنلاقي معلومات غير مؤكدة ومختلف عليها.
بداية مختلف عليها
بداية الحديث، في الإسلام، عن توقيت بناء كعبة مكة حدث بعد تغيير قبلة المسلمين من المسجد الأقصى إلى البيت الحرام.. حيث أنكر اليهود ذلك على النبي وشككوا في نبوته، فنزل الوحي بالآية 96 – آل عمران: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾.
قال الفخر الرازي ما معناه: “أن المراد هو الرد عن شبهة أخرى من شبهات اليهود في إنكار النبوة وقالوا: إن بيت المقدس أفضل من الكعبة وأحق بالاستقبال، ذلك لأنه وضع قبل الكعبة وهو أرض المحشر، وقبلة جملة الأنبياء، وإذا كان كذلك كان تحويل القبلة إلى الكعبة باطلًا، فأجاب الله عنه بالآية الكريمة فبين أن الكعبة أفضل من بيت المقدس وأشرف فكان جعلها قبلة أولى”.
ما قبل خلق الأرض
أختلف الفقهاء في تأويل نص الآية (96 آل عمران)؛ عبد الله بن عمر ومجاهد وقتادة وآخرون قالوا إن الكعبة هي أول بيت ظهر على وجه الماء وقت ما خلق الله السماء والأرض، وإنه مخلوق قبل الأرض بألفين سنة تحديدًا.
الملايكة
في تأويل البغوي للآية نفسها بيقدم أكتر من رأي وكل منهم مدعوم برواية أو رأي أو حديث، ومن ضمن التصورات المطروحة.. تصور بيقول إن الملايكة همه اللي بنوا الكعبة قبل خلق آدم بألفين سنة؛ والتصور أو الرأي ده مستند على حديث منسوب للحسين بن علي.
“أن الله تعالى وضع تحت العرش بيتا وهو البيت المعمور، وأمر الملائكة أن يطوفوا به، ثم أمر الملائكة الذين هم سكان الأرض أن يبنوا في الأرض بيتا على مثاله وقدره، فبنوا واسمه الضراح، وأمر من في الأرض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور“.
ويقال إن الملايكة كانوا بيحجوا للكعبة قبل آدم، ثم لما هو حجلها قالولُه: حجك مبرور. بس إحنا سبقناك وحجينا للبيت نفسه من ألف سنة.
أول البشر والبنايين
حسب الرواية الدينية فأبو البشر وأول إنسان خلقه الله هو نبيه آدم، وحسب الرواية الإسلامية كان النبي آدم إنسان عملاق يعيش على الأرض هو وزوجته لوحدهم تمامًا.
“خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ علَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِراعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ علَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ المَلائِكَةِ، جُلُوسٌ، فاسْتَمِعْ ما يُحَيُّونَكَ؛ فإنَّها تَحِيَّتُكَ وتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فقالَ: السَّلامُ علَيْكُم، فقالوا: السَّلامُ عَلَيْكَ ورَحْمَةُ اللَّهِ، فَزادُوهُ: ورَحْمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَن يَدْخُلُ الجَنَّةَ علَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حتَّى الآنَ“. (رواه أبو هريرة وأخرجه البخاري – صحيح)
وحسب رأي فريق من الفقهاء منهم ابن الجوزي وابن حجر وسعيد بن المسيب والشيخ الأمين الشنقيطي فأبو البشر، آدم، هو أول من بنا الكعبة في المكان ده، وبعدها بأربعين سنة أمره الله فبنى المسجد الأقصى في مكانه الحالي.
الطوفان
المدينةُ تغْرقُ شيئاً.. فشيئاً
تفرُّ العصافيرُ
والماءُ يعلو
على دَرَجاتِ البيوتِ
الحوانيتِ
مَبْنى البريدِ
البنوكِ
التماثيلِ (أجدادِنا الخالدين)
المعابدِ
أجْوِلةِ القَمْح
مستشفياتِ الولادةِ
بوابةِ السِّجنِ
دارِ الولايةِ
أروقةِ الثّكناتِ الحَصينة.
العصافيرُ تجلو..
رويداً.. رويدا..
ويطفو الإوز على الماء
يطفو الأثاثُ..
ولُعبةُ طفل..
وشَهقةُ أمٍ حَزينة
الصَّبايا يُلوّحن فوقَ السُطوحْ!
جاءَ طوفانُ نوحْ.
(مقطع من قصيدة “حوار خاص مع ابن نوح” – أمل دنقل)
حين زاد فساد البشر في الأرض أرسل الله طوفان عظيم؛ أغرق الأرض ومن عليها وما عليها، فغرق ضمن ما غرق بيت الله الحرام في مكة.
في الواقع مافيش أي رواية بتحكي مصير الكعبة وقت طوفان نوح، إنما بيتم ذكر الحدث مع الكلام عن بناء أو إعادة بناء النبي إبراهيم ليها، هنا بيظهر الكلام عن واقعة الغرق أثناء الطوفان.
النبي إبراهيم وولده
نسب بُنا الكعبة للنبي إبراهيم بمساعدة إبنه إسماعيل مافيش عليها خلاف بين الفقهاء ورجال الدين، فحتى الفريقين بتوع “الملايكة بنوها” أو “النبي آدم بناها” الأتنين متفقين إن النبي إبراهيم وولده أعادوا بناءها من جديد.
وهنا بيظهر الكلام عن الطوفان؛ الفريقين دول بيفترضوا إن الطوفان دمرها وفضلت أطلال لغاية ما الله أمر النبي إبراهيم ياخد إبنه ويعيد بُناها من جديد.
وبيستدلوا على تصورهم ده من نص الآيتين 125 و127 من سورة البقرة:
﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ (125 – البقرة).
﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾. (127 – البقرة)
في الآية الأولانية فيها تكليف من الله للنبي إبراهيم وإبنه بتطهير البيت، وفي الآية التانية تعريف بإنهم رفعوا “القواعد”، يعني في الحالتين الكلام عن وجود مسبق للبيت مش تأسيس لأول مرة، ومن هنا ظهرت التصورات السابقة؛ وهي في غالبيتها ضعيفة السند.. لكن بتعتمد بشكل رئيس على حتمية وجود مسبق للبيت قبل زمن إبراهيم بناء عن نص الآيتين.
استقرار طويل
بعد عملية البُنا الإبراهيمي، وحسب الروايات، حصلت حالة استقرار طويلة تخللها إعادة بناء مرة واحدة مهمة، كانت في حياة النبي وقبل البعثة بسنين. كانت الكعبة تهدم منها أجزاء نتيجة عوامل التعرية وخصوصا السيول، فأتفق القرشيين على إعادة بنائها بطريقة أمتن تحافظ عليها.
وتمت عملية البُنا فعلًا.. بس مع الوصول لخطوة إن الحجر الإسود يتحط في مكانه حصلت بينهم مشاكل، واتخانقوا على إن كل قبيلة عايزة تنول الشرف ده، وبعد ما الموضوع قرب يقلب بحرب أهلية.. أهتدوا لفكرة التحكيم، فقرروا يستنوا أول حد يدخل المسجد الحرام من باب الصفا.
طبقًا للرواية المذكورة في عدد من كتب السير كان النبي هو الشخص ده، لكن اختلفوا في عمره وقتها، فلما سمع منهم القصة أوجد بحكمة حل يرضي جميع الأطراف، طلب منهم يفردوا جلابية ولا عباية بتاعت أي حد وفردها في الأرض وحط عليها الحجر، ثم طلب من كبرات القبايل إن كل واحد منهم يشيل التوب من ناحية.. فيبقوا كده كلهم شايلين الحجر مع بعض، وفعلا وصلوا بيه عند مكانه في الكعبة؛ وهنا شاله النبي وحطه مكانه وكلها أتراضت وتجاوزت قريش الأزمة.
الفيلة V.S الأبابيل
أخر الروايات غير المثبتة تاريخيًا عن الكعبة هي واقعة هجوم آبرهة الأشرم بجيشه عشان يهدها (حكينا القصة بالتفصيل في حلقة كعبة ولا كعبات) مغامرة انتهت بهزيمة آبرهة وجيشه وأفياله، وَوَرد في الواقع دي واحدة من قصارى الصور (سورة الفيل).
ختام
بنهاية حكاية كعبة مكة، حسب ما وردت في كتب التراث الإسلامي، نبقى وصلنا لنهاية سلسلة شَد الرِحال، وكل سنة وأنتم طيبين ونتقابل في سلاسل وموضوعات جديدة.
(قام بتنفيذ الصور باستخدام تقنية الـAI الصديق ريمون صبري)
الكاتب
ما هو انطباعك؟
