صبري أبو علم .. الوزير صفر وفخر المحاماة
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
في طريقك إلى قهوة زهرة البستان، ربما تشتري جريدة يجذبك اسمها “صوت الأمة” وبعدها قد يداهمك الجوع، فتبحس عما يسكت ذلك الوحش بأمعائك في المحل الشهير “القزاز” أنت في تلك اللحظة داخل محراب صبري أبو علم، الرجل الذي له العديد من الأيادي البيضاء على القانون والقانونيين في مصر وربما في العالم العربي.
محمد صبري أبو علم، أقرب رجال النحاس وساعده الأيمن، من حمل الوفد على كتفيه بعدما رحل عنه مكرم عبيد، ولد في منوف بمحافظة المنوفية قبل أن ينهى تعليمه الثانوي في مدرسة المساعي المشكورة، وألتحق بعدها بكلية القمة وقتها “الحقوق” التي فصل منها لمدة عام لأنه اشترك في مظاهرة ضد السلطان حسين كامل أثناء زيارته للجامعة ليتخرج منها عام 1917.
القدر وحده، قاد سعد زغلول إلى منوف ووحده القدر أيضا جعله يعجب بتلك الخطبة العصماء التي ألقاها محمد صبري أبو علم والذي كان من مشاهير منوف ويعد واحد من محاميها المهمين، في ذلك اليوم دعاه سعد زغلول إلى القدوم للعاصمة والاستقرار فيها والعمل بها، دعوة من زعيم الأمة ليقترب الشاب الصغير من دائرة الوفد الأهم والأكثر خصوصية.
المحامي الشاب ينتقل من منوف إلى القاهرة ليعمل بأحد أكبر مكاتب المحاماة مكتب ” مرقص باشا حنا للمحاماة” وهو أحد رجال الوفد بالطبع، ليبدأ رحلة صعود سياسية داخل حزب الوفد المصري، أهمها حينما اختارته لجنة حزب الوفد لخوض الانتخابات التشريعية عن دائرة منوف، في وجه واحد من “الأعيان” ليفوز أبو علم بالانتخابات ويصبح الأصغر في مجلس النواب.
رحلة صعود سياسي داخل حزب الوفد العريق، حتى عام 1942، حينما حدث الخلاف الأهم والانشقاق الأكبر في حزب الوفد، حينما وقف الصديقان المخلصان ” مكرم عبيد ومصطفى النحاس” في مواجهة بعضهم البعض، ليخرج مكرم من الوفد ويشكل ما عرف بعد ذلك بالكتلة الوفدية، ويصبح منصب سكرتير حزب الوفد خاوي، في هذا الوقت كان هناك نجمان سياسيان يلمعان في الأفق، الأول “فؤاد سراج الدين والثاني صبري أبو علم” ليقرر النحاس صبري أبو علم سكرتيرا للوفد بينما يتولى فؤاد سراج الدين الوزارات فكان احد أهم وزراء الداخلية في كل مرات تشكيل الوفد للوزارة.
من قبلها كان صبري أبو علم لقبه داخل حزب الوفد “الوزير صفر” وذلك لأنه الوزير الدائم لوزارة الحقانية أو العدل فحينما يتم تكليف النحاس بتشكيل الوزارة يكون من المسلم به أن يكون صبري أبو علم في الوزارة، الأهم من ذلك أن صبري أبو علم كان هو أول من وضع قانون استقلال القضاء في 1943، كما انه هو من أسس نادي القضاء حينما أعطى الهيئة القضائية قطعة أرض وخصص لهم 10 ألاف جنية لبناء النادي.
قانون المرافعات وقوانين الوقف والعقوبات وقانون المحاماة وقوانين الوصية وقوانين الطوائف، كلها تحمل بصمة محمد صبري أبو علم، حيث انه يعد أب لكل تلك القوانين ومطور لها، إضافة إلى اشتراكه في اللجنة التشريعية التي أعدت مشروع إلغاء الامتيازات الأجنبية في مصر.
وفي عام 1945 أسس أبو علم مع مصطفى النحاس اللجنة الوطنية للطلاب والعمال، والتي كان في داخلها ممثلين لكل الكليات والجامعات المصرية والمدارس أيضا إضافة للعمال، وحينما قرر إسماعيل باشا صدقي إلغاء ومصادرة الصحف الوفدية جميعها أسس صبري أبو علم صحيفة صوت الأمة وأدارها حامد طلبة صقر ورأس تحريرها حافظ شيحة، لتظل هي المنبر الوحيد لحزب الوفد في تلك الأوقات.
منذ عام 1943 حينما عين رسميا سكرتيرا للوفد حتى وفاته عام 1947 واجه محمد صبري أبو العلم الكثير من المواقف الصعبة منها أزمة 42 التي كادت تعصف بالملك فاروق حينما اقتحم الإنجليز قصر عابدين واجبروا فاروق على تعيين النحاس، ثم الصدام مه وزارة إسماعيل صدقي، وأزمة الكتاب الأسود لمكرم عبيد بعد خروجه من الوفد.
عام 1946 تم تعيين صبري أبو علم أميرا للحج، حيث كان العرف المعتاد وقتها أن تخرج بعثة الحج المصرية على رأسها أمير يتم تعيينها من قبل الملك فاروق وكان هذا تشريف كبير وقتها، ولكن التشريف الأكبر كان حينما قابله الملك عبد العزيز آل سعود وأهداه حزام الكعبة، وهذه الواقعة هي استثناء نادر حيث من المتعارف عليه أن هذا الحزام لا يتم إهداءه إلا للرؤساء والملوك فكان الوحيد الذي حصل عليه دون ذلك هو صبري أبو علم، الذي توفي بعد ذلك بشهور قليلة حيث توفي في 14 أبريل عام 1947.
والغريب أنه بعد وفاته وبسبب قانون استقلال القضاء تعرض كل من يعمل في السلك القضائي عام 1969 حيث تم فصل أي رجل يعمل في سلك القضاء ينتهي اسمه بأبو علم، وعلى رأسهم ابنه المستشار يحيى صبري أبو علم، وقبل وفاته بثلاثة أشهر تم انتخابه نقيبا للمحامين، وكان المحامين يطلقون عليه لقب ” فخر المحاماة”، ولكنه لم يستمر في منصبه أكثر من ثلاثة أشهر وتم تكريمه بإطلاق اسمه على الشارع الشهير في وسط البلد.
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال