همتك نعدل الكفة
123   مشاهدة  

صحفيات ثائرات ..كيف خلّصت” هند نوفل” المرأة العربية من قيود الجهل ؟

هند نوفل
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



الثورات على التخلف والجمود والجهل لا تكن إلا بحركة فكرية واعية تتصارع فيها الآراء والأفكار التي تقوم في المقام الأول على وعي العقل البشري بما يطرحه من تساؤلات وتحليلات في قضية ما، والبحث فيها عن سُبلٍ قابلة للتنفيذ. وفي ساحة الفكر لا تقل المرأة شأنا عن الرجل كلاهما يمتلك العقل الناقد إذا ما توفر لهما نفس المناخ.

و الناظر في صفحات الصحف والمجلات في القرن التاسع عشر يرى أن المرأة أقبلت مؤمنة بقضاياها الفكرية في الوقت التي حرمت فيه من أبسط حقوقها من حيث التعليم و إبداء الرأي، وقد تسلحت المرأة في معاركها بالقلم وخاضت معارك فكرية عبر صفحات الصحف والمجلات ولم تكن تلك المعارك بالسهلة أو اليسيرة، بل كانت محفوفة بالمخاطر والتضحيات ولكنّ أقبلن عليها بالإيمان الخالص لأفكارهن ومعاركهن، ومن بينهن رائدة الصحافة النسائية في مصر والوطن العربي “هند نوفل”.

هند نوفل الثائرة
سطر التاريخ اسم “هند نوفل” كأول امرأة تتولى رئاسة مجلة تهتم بشأن المرأة العربية والمصرية، فقد أصدرت مجلة “الفتاة”؛ المجلة النسائية الأولى في مصر والوطن العربي بمدينة الإسكندرية عام 1892م، فـ”هند” كانت مهمومة بقضية المرأة وأهمية تعليمها وأن النساء بحاجة لمن يأخذ بأيديهن إلى نور العلم لا ظلام الجهل وهو ما كان في مجلة الفتاة فكانت أشبه بمدرسة متكاملة يمكن للمرأة أن تتعلم منها كل شيء تقريبًا.

“هند” لم تكن امرأة جاهلة أو سطحية فلم تكتب إلا حينما تشبعت بالعلم والثقافة، ونرى ذلك حينما نعرف تكوينها، فقد نشأت في أسرة شامية اشتهرت بالعلم والمعرفة والاشتغال بالأدب والصحافة، فأمها هي الكاتبة “مريم جبرائيل”، التي تلقت علومها في المدارس الإنجليزية في بيروت لمدة ثماني سنوات فدرست العربية والإنجليزية إلى جانب المواضيع الأخرى، وبدأت عام ۱۸۷۳م بتأليف كتاب عن النساء الشهيرات بعنوان “معرض الحسناء في تراجم شهيرات النساء”، أما والدها، فهو الأديب الصحفی” نسیم نوفل” وهذا تكوين آخر أثرى حياة” هند” فقد التقت في بيت والدها بالعديد من الآدباء والمفكرين والشعراء وهو جعلها مطلعة على معظم آداب العصر.

لم يكن نشأت هند وسط أبوين مثقفين هو سبيلها الوحيد للثقافة، فقد تلقت” هند” علومها في مدارس الراهبات بالإسكندرية فتعلمت العربية والفرنسية، وإلى جانب الدراسة المدرسية، تلقت علوم الفكر والأخلاق على يد الشيخ أحمد الإسكندراني. وأمام كل هذا التنوع المعرفي والتربوي كانت هند المفكرة الأبية المعروفة بالوقار والذكاء الألمعي. وهو ما قاله ” جوزيف زيدان”في كتابه ” مصادر الأدب النسائي فى العالم العربي الحديث” عن نشأتها وتكوينها.

النساء ما قبل مجلة الفتاة
سلطت الدكتورة” إجلال خليفة” الضوء على حال المصريات قبل مجلة الفتاة، فقد كانت نسبة المتعلمات ضئيلة جدا ، رغم وجود مدارس خاصة بتعليم البنات لكن وعي الآباء كان يرى أن تعليم المرأة عمل من أعمال الشيطان لا يقره الدين، وبالتالي فإن وجود جمهور لمجلة هند نوفل صعبا إذا ما قارناه بوجود متعلمات مصريات يستقبلن علوم المجلة ومحتواها. لكن بالأساس المجلة قائمة على الاهتمام بتعليم البنات والحصول على حقهن مثل الذكور !.

ومع هذه الأحوال، وصعوبة وجود قارئات للمجلة أصدرت “هند نوفل” في 20 نوفمبر 1892م مجلة الفتاة بمساعدة والدها وعمها” سليم نوفل”، بهمة عالية وأفكار متقدمة مفادها تنمية الوعي وإيقاظ الأمة والارتقاء بالمرأة العربية وتخليصها من قيود الجهل .
هدف المجلة كما جاء فيها

أوضحت” هند” في العدد الأول هدف المجلة ورسالتها والمواضيع التي تهتم بنشرها فتقول تحت عنوان : إيضاح والتماس واستسماح

سیداتي:

“إن مبدع العالم ومدير الكائنات قد أوجد العناصر، وأودعها من خصائص الفعل والانفعال والتجاوب والتدافع والتواصل والتفارق، وميز كلاً منها بخواص مختلفة، وأوضاع شتى على وجه غريب ونحط عجيب، ثم ألف منها عالمًا كبيرًا، مركبًا من شموس وأقمار وكواكب ونجوم لا تعد ولا تحصى، وخلق الأرض ذات نباتات متشابهة وغير متشابهة”

صدر مجلة الفتاة العدد الأول
صدر مجلة الفتاة العدد الأول


وكما قال الدكتور” إسماعيل إبراهيم’ عن هذه المقدمه أنها أوضحت في الافتتاحية أن الحياة تقوم على مبدأ التكامل بين عناصر الكون المختلفة، وأن الحياة رجل وامرأة بدون أي منهما لا تقوم لأمور الحياة قائمة، ومن هنا كان لابد للمرأة أن تكون لها الحقوق التي تمكنها من القيام بوظيفتها في الحياة.

كيف أثرت المجلة الحركة النسائية

قدمت مجلة الفتاة خدمات كبيرة للمرأة فكانت أشبه بمدرسة شاملة أفادت النساء والحركات النسائية على عمومها في القرن الماضي، فقد بينت لقرائها أن المرأة عنصر مهم في المجتمع لابد أن تحظى يصيبها من حيث التعليم ، ولم تكتفي بهذا بل رصدت حال المرأة المصرية وما تتعرض له مقارنة بإمكانياتها الهائلة وان تعليمها ومشاركتها مجتمعيا من شأنه تطور المجتمع بصورة كبيرة .

ولم تكتفي” الفتاة” بهذا بل أفسحت المجال لسيدات في مصر ودول عربية ودول أجنبية مكانا يعبرنّ فيها عن آرائهم وما تحمله عقولهم من أفكار واحلام وأماني ومن بين كاتبات المجلة” زينب فواز” التي اتسمت بالقوة وتقديم معارضة لاذعة للمجتمع، إلى” مهجة بولس” التي نادت في كتاباتها بتعليم المرأة، فهو حق من الحقوق الأولى التي بدونه تصبح كما قال الشاعر :

أعوذ بالله من شر الشياطين
إن النساء شياطين خلقن لنا

إلى جانب مساهمات الكاتبات المصريات و العربيات استعانت مجلة” الفتاة” بآراء كاتبات الغرب ومنهن الفرنسية “روزاليون وبينت” فبينت في مقالتها كيف نالت النساء الفرنسيات حقوقهن في العمل المجتمعي والسياسي وتحدثت في مقالاتها كيف كافحت نساء فرنسا لنيل حقوقهن، كما تحدثت عن حق المرأة في العمل بالمحاماة والطب والمهن العلمية الأخرى.

لذلك فإن مجلة الفتاة وصاحبتها هند نوفل كانت الشرارة الأولى في حركة الصحافة النسائية وحركة الفكر والوعي المطلوب في المجتمع.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان