
“صدفة ولا قاصد” سعدي ـ جوهر الرابح في أزمات الدراما

-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
رغم حداثة عهد شركة “ميديا هب سعدي – جوهر” في مجال الإنتاج الدرامي، إذ لم تتجاوز رحلتها فيه أربع سنوات، إلا أنها امتلكت إرثًا يمتد لـ 35 عامًا في عالم الدعاية والإعلان، دخلت الشركة إلى المشهد الدرامي وسط أزمات متلاحقة وحالة من عدم رضا الجمهور، لكنها نجحت في الخروج من مقصلة النقد محمولة على أكتاف الإعجاب الجماهيري. وقد تجلى ذلك بوضوح في موسم رمضان الدرامي لعام 2025، وهو نمط متكرر في مسيرتها التي يبدو أنها اعتادت مواجهة العواصف والخروج منها أكثر بريقًا.
البداية اللافتة والإنطلاقة

في عام 2021، كان من المفترض أن يُعرض مسلسل “الملك”، إلا أن الجمهور رفضه منذ طرح البرومو الدعائي، بسبب ما اعتبروه أخطاءً تاريخية فادحة، ومع تصاعد الغضب الجماهيري، واجهته لجان إلكترونية بحملة تحت شعار “اتفرج وبعدها احكم”، وهو ما زاد من حدة رد الفعل الرافض.
رأى الجمهور حينها أن مصر تمتلك كوادر قادرة على تقديم أعمال تاريخية متقنة، وأن الفرق بين الدراما التاريخية والعمل التاريخي الحقيقي واضح للجميع.
ظل الموقف على حاله حتى جاء شهر أبريل من العام نفسه، ليشهد حدثًا سياحيًا غير مسبوق خلال ربع قرن: حفل نقل المومياوات الملكية وافتتاح متحف الحضارة. وبعيدًا عن إبهار الحفل، فقد أذهل الجمهور بالتفاصيل التاريخية الدقيقة التي رافقت تنظيمه، مما دفعهم إلى الإشادة بشركة “السعدي جوهر”، المنظمة للحدث، معتبرين أنها نموذج على امتلاك مصر للمواهب القادرة على تقديم عمل تاريخي متقن.

جاءت هذه المصادفة الذهبية لتُسرّع قرار إلغاء عرض مسلسل “الملك”، تفاديًا لتشويه الصورة الذهنية الإيجابية التي تركها الحفل لدى الجمهور.
دخلت شركة “ميديا هب” مجال الإنتاج الدرامي من خلال مسلسل “لعبة نيوتن“، الذي حقق نجاحًا لافتًا في رمضان 2021، خاصةً وسط موسم لم يحظَ برضا الجمهور في مجمله، ومع حلول عام 2022، قدمت الشركة عملين لم يحققا التفاعل المأمول، هما “المشوار” و”العائدون“.
لكن في رمضان 2023، وسّعت الشركة نشاطها، لتقدم خمسة أعمال تنوعت بين الشعبي، والتاريخي، والكوميدي، والاجتماعي.
ورغم التحفظات على القيمة الفنية لمسلسل “جعفر العمدة”، إلا أنه أعاد محمد رمضان إلى دائرة النجاح بعد إخفاق “موسى” و”المشوار”، حتى أصبح العمل الأكثر حضورًا في الشارع المصري، أما مسلسل “علاقة مشروعة” لياسر جلال، فلم يحقق التفاعل المنتظر، فيما نال مسلسل “الصفارة” شعبية واسعة كأفضل عمل كوميدي في الموسم، في مجال الدراما التاريخية، قدمت الشركة مسلسل “رسالة الإمام“، الذي أثار جدلًا من الناحية الفنية، لكنه حظي بقبول من الناحية التاريخية، بفضل دقة الديكورات والملابس والأجواء العامة.
بالتوازي مع كل ذلك، كان مسلسل “تحت الوصاية” من أنجح أعمال الموسم، ليأتي في المرتبة الثانية شعبيًا بعد “جعفر العمدة“، محققًا مزيجًا نادرًا من التأثير الإنساني والجماهيري في آن واحد، ثم مضى موسم 2024م بهدوء في مسيرة السعدي ـ جوهر بنجاح الجزء الأول من مسلسل جودر، ونجاح أقل لمسلسل بابا جا.
موسم 2025م .. الناجح الحافظ لماء الوجه
شهد موسم دراما رمضان 2025 زخمًا غير مسبوق، حيث وصل عدد المسلسلات المعروضة إلى 35 عملًا، منها 22 من إنتاج شركة المتحدة للخدمات الإعلامية (4 مسلسلات من 30 حلقة و18 مسلسلًا من 15 حلقة)، إضافةً إلى 13 مسلسلًا من إنتاج منصة “شاهد”. ورغم تنوع الأعمال، جاءت ردود الفعل متباينة، لا سيما بعد تعليق الرئيس عبد الفتاح السيسي على الموسم الدرامي.
كانت منصة “شاهد” صاحبة الحصة الأكبر من المسلسلات التي واجهت انتقادات واسعة، وعلى رأسها “العتاولة 2″ و”سيد الناس” و”إش إش”، فضلًا عن الإخفاق المدوي لمسلسل “معاوية”، رغم كونه الأضخم إنتاجيًا. في المقابل، لقيت أعمال أخرى، مثل “كامل العدد” و”أشغال شقة” و”80 باكو”، تفاعلًا متباينًا.
أما شركة المتحدة، فقدمت أعمالًا متنوعة منها لم تحظَ باهتمام الجمهور، بدليل غياب الحديث عنها، مثل مسلسلي محمد هنيدي ومصطفى شعبان، بينما حققت أعمال أخرى نجاحًا جماهيريًا رغم ضعف تفاعلها على السوشيال ميديا، كما حدث مع مسلسل “فهد البطل”.
ورغم ذلك، كانت المتحدة صاحبة النصيب الأكبر من الأعمال الناجحة، وعلى رأسها “النص” و”ولاد الشمس”، أما شركة “السعدي – جوهر”، فقد حصدت النصيب الأبرز من النجاحات هذا الموسم، بإنتاجها أربعة أعمال لاقت نجاحًا عند الجمهور، وهي “جودر 2” و”قلبي ومفتاحه” و”إخواتي“و”لام شمسية“.
وبالنظر إلى طبيعة هذه الأعمال، نجد أنها – باستثناء “جودر 2” ذي الطابع الفانتازي – تدور في إطار اجتماعي يعكس عمق المشكلات الإنسانية، وهو لون درامي يصعب تحقيق النجاح فيه، لكن “السعدي – جوهر” تمكنت من تحقيق هذه المعادلة الصعبة.
فهل كان هذا التوجه مجرد صدفة، أم أنه استراتيجية مدروسة؟
يجيب تاريخ الشركة بأنها سارت وفق رؤية واضحة، تعكس تاريخها الحافل بتقديم أعمال اجتماعية تتناول هموم الناس بعمق وواقعية، ورغم تقديمها لأعمال تجارية مثل “جعفر العمدة” في بعض المواسم، إلا أن توجهها الغالب ظل منحازًا للدراما الاجتماعية ذات الطابع الإنساني في كل سنواتها.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ما هو انطباعك؟







