
صراع التعريفات الجمركية بين أمريكا والصين.. فرص واعدة للدول الصاعدة

-
د. أحمد حسن عبد الهادي
د. أحمد حسن عبد الهادي ـ دكتور المالية العامة والتشريعات الإقتصادية والضريبية - زميل الجمعية العلمية للتشريع الضريبي
في ظل التصعيد المستمر بالحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية، والتي تتجلى أبرز ملامحها في فرض تعريفات جمركية متبادلة على مجموعة واسعة من السلع، بدأت العديد من الدول تراقب هذا الصراع بعين الحذر، وأخرى تلمح من خلاله إلى فرص استراتيجية يمكن استغلالها لتعزيز مكانتها الاقتصادية والتجارية.
فرغم أن الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم تهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي، إلا أن تداعياتها لم تكن سلبية على الجميع، حيث فتحت نوافذ جديدة أمام الدول النامية والمتوسطة النمو، فضلًا عن بعض الشركات العالمية وكان أهم تلك النوافذ تمثلت فى.
فرص تصديرية واعدة: إحدى أبرز أوجه الاستفادة تتمثل في إعادة تشكيل خارطة التصدير العالمية. فمع تعقّد العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين، بدأ الطرفان في البحث عن موردين وشركاء تجاريين جدد. فمثلًا، مع فرض الولايات المتحدة تعريفات جمركية مرتفعة على البضائع الصينية، اتجهت الشركات الأمريكية إلى دول أخرى في آسيا مثل فيتنام، الهند، وتايلاند لسد الفجوة. أما الصين، التي ردت بالمثل، فقد زادت من وارداتها الزراعية من دول أمريكا الجنوبية مثل البرازيل والأرجنتين، بعد أن كانت تعتمد بشكل كبير على المنتجات الزراعية الأمريكية.
وجهة استثمارية جديدة: هذا التحول دفع العديد من الشركات متعددة الجنسيات إلى إعادة النظر في مواقع إنتاجها، بهدف تقليل التكلفة الجمركية وضمان استمرار الوصول إلى الأسواق الكبرى. وكنتيجة مباشرة، بدأت بعض الدول في جذب استثمارات أجنبية مباشرة، خاصة في مجالات التصنيع والخدمات اللوجستية، حيث تسعى الشركات لتأسيس مصانع جديدة أو مراكز توزيع بعيدة عن مناطق التوتر.
تحفيز للصناعة المحلية: من جهة أخرى، شكلت الحرب التجارية حافزًا لبعض الدول لتعزيز صناعاتها المحلية، حيث أدّى ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة من أمريكا أو الصين إلى خلق فراغات في السوق المحلي، ما شجع الحكومات والمستثمرين على الاستثمار في بدائل محلية، الأمر الذي ساهم في تحريك عجلة الإنتاج الداخلي وزيادة فرص العمل.
مكاسب تفاوضية: الدول ذات الوزن التجاري المتوسط أو الإقليمي بدأت تستفيد كذلك من خلال تعزيز أوراقها التفاوضية مع أحد القطبين. فكل من الولايات المتحدة والصين يسعى إلى توسيع نفوذه التجاري والسياسي، ما يفتح المجال أمام توقيع اتفاقيات تفضيلية أو شراكات استراتيجية مع دول كانت سابقًا على هامش الصراع.
ففي ظل إعادة تشكيل خريطة الاستثمار العالمي نتيجة للصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، تبدو مصر في موقع استراتيجي يتيح لها فرصًا واعدة لجذب الاستثمارات الأجنبية، إذا ما أحسنت استغلال ميزاتها التنافسية وتحديث بيئة الأعمال.
فموقع مصر الجغرافي كحلقة وصل بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، إلى جانب الاتفاقيات التجارية التي تربطها بعدد من التكتلات الإقليمية (كالكوميسا، واتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي)، يجعل منها بوابة مثالية للأسواق الإفريقية والعربية.
أضف إلى ذلك التوسع في إنشاء مناطق حرة وصناعية ولوجستية مثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التي توفر بيئة جاذبة للاستثمارات في مجالات متنوعة، أبرزها الصناعات التصديرية، والتكنولوجيا، والطاقة المتجددة.
كما أن تحسن البنية التحتية بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، من خلال تطوير شبكة الطرق، والموانئ، وشبكات الاتصالات، يسهم في زيادة جاذبية مصر كمركز إقليمي للإنتاج وإعادة التصدير، خاصة في ظل توجه العديد من الشركات لنقل خطوط إنتاجها من الصين إلى دول أخرى لتقليل التكلفة الجمركية وضمان استمرار الإمدادات.إضافة الى توفر العمالة الشابة بتكلفة مناسبة نسبيًا، مع إمكانية تدريبها وتطويرها لتلبية احتياجات السوق الصناعي العالمي.
ورغم التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري، مثل التضخم وتقلبات سعر الصرف، فإن الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية، كإصدار قانون الاستثمار الموحد وتسهيل إجراءات تأسيس الشركات، تعزز من ثقة المستثمرين الأجانب في السوق المصري.
في ضوء هذه المعطيات، تصبح مصر أمام فرصة تاريخية لإعادة تموضعها على خريطة الاستثمار العالمية، خصوصًا إذا ربطت جهود جذب الاستثمار بخطط التنمية المستدامة، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص.
وفى سبيل ذلك قامت الدولة المصرية بالعديد من الإجراءات أهمها:
1 . تخفيض أسعار الأراضي الصناعية فأقدمت الحكومة المصرية ممثلة فى وزارة الصناعة بالاعلان عن طرح ١٣,٣ مليون م٢ اراضي صناعية جديدة مرفقة من خلال منصة مصر الصناعية الرقمية مارس الماضى بإجمالي عدد ٢١٧٢ قطعة بنظامي التملك او حق الانتفاع وبتيسيرات مالية ومستندية واجرائية كبيرة للمستثمرين الجادين ، بعدد ٢٢ محافظة وذلك لتحقيق التوازن الجغرافي المستهدف في التنمية ، وبمساحات متنوعة مساحات متنوعة تتراوح بين ٢٠٠ م٢ و٥٠٠ ألف م٢ تقريبا وبأنشطة مختلفة مما يسهم في تسريع إقامة المشروعات الصناعية وزيادة الإنتاج المحلي.
ويأتي طرح الأراضي الجديد في إطار استراتيجية وزارة الصناعة لتسريع وتيرة الإنتاج وتعميق التصنيع المحلي وزيادة الصادرات وتلبية احتياجات الاستثمار الصناعي من الأراضي المرفقة بشكل مستدام وسرعة توفيرها بشفافية كاملة للمستثمرين الصناعيين الجادين لتلبيةً الطلبات المتزايدة على الأراضي الصناعية لإقامة مشروعاتهم،
1. تسريع وتبسيط الإجراءات الإدارية لتسجيل الشركات والحصول على التراخيص الصناعية.
2. توفير حوافز استثمارية مدروسة، مثل الإعفاءات الضريبية واقرار قوانين تتعلق بالتيسيرات والتسهيلات الضريبية وتخفيض أسعار الأراضي الصناعية.
3. الاستثمار في التعليم الفني والتدريب المهني لتأهيل العمالة المحلية.
4. تحسين بيئة الأعمال، بما في ذلك استقرار القوانين، ومكافحة البيروقراطية.
5. الترويج لمصر كمركز صناعي بديل من خلال حملات تسويقية موجهة للشركات الباحثة عن مواقع جديدة.
في الختام، قد تبدو الحرب التجارية بين واشنطن وبكين صراعًا بين عمالقة الاقتصاد العالمي، إلا أنها في الواقع تحمل في طياتها فرصًا استراتيجية للدول الأخرى، شرط أن تمتلك هذه الدول القدرة على التحرك السريع، ووضوح الرؤية الاقتصادية، واستغلال اللحظة المناسبة للانخراط في سلاسل التوريد العالمية الجديدة
فالتغيير فى الميزان الاقتصادى قادم لا محالة إن عاجلا وإن آجلا وما علينا إلا أن نستعد لهذا اليوم وذلك بأن نكون البديل الجيد ، حتى إذا حان الوقت لنزول الميدان أو ملعب الاقتصاد نكون على درجة من الجاهزية نستطيع بها أن نغتنم الفرص ونستعيد الزمام ونحقق الأهداف.
فإذا ساد الظلام لابد وأن نكون نحن شعاع النور الذى يضىء لنا وللعالم، وليس ذلك ببعيد فما أضاءت أوروبا من ظلامها إلا بمشعل نور تخلينا عنه ونسيطيع بما نملك من قدرات استعادته. ولكن كيف السبيل الى ذلك ؟ السبيل الى ذلك بخلق مناخ جاد للاستثمار وخلق بيئة صالحة للتصنيع ولا يخفى على أحد أننا ومنطقتنا لا ينقصها من ذلك شىء
الكاتب
-
د. أحمد حسن عبد الهادي
د. أحمد حسن عبد الهادي ـ دكتور المالية العامة والتشريعات الإقتصادية والضريبية - زميل الجمعية العلمية للتشريع الضريبي
ما هو انطباعك؟







