صوت المؤذن .. إما نفحة من الجنة أو كراهية من النار
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
كنت في أحد المطاعم الذي يجاور المسجد الكبير في القرية .. أجلس وأمامي طفلًا تداعبه أمه وهما في غاية الانسجام .. حتى أنطلق صوت الآذان من المسجد فارتعد الطفل وقال لأمه بعفوية : الراجل دا صوته وحش !
انزعجت مما سمعت من الطفل .. كيف لصوت نداء الله لعباده أن يُختصر في كلمة “وحش” وكنت بصدد أن أقتحم مكان أمه وأنصحه نصيحتين لن يجديان معه أي شئ ، لأن الرجل بالفعل صوته ليس بالجيد، محشرج، غليظ للغاية فطبيعي أن ينزعج منه طفلًا ويعبر بذلك .. ولا ضير في أن أخبركم بكم الشكاوى التي تسمع همسًأ من الناس عن صوت هذا المؤذن أو ذاك، لكن لأسباب لها علاقة بروحانية المهنة وإجلالها لا يبوحون بذلك بصوت عالٍ.
شرط كفاءة الصوت
اتفقت كل الروايات على أن حسن الصوت أعذبه هي الشريطة الأساسية لكي يحمل أيًا من الرجال أمانة الوقوف أما مكبر الصوت وينده إلى الناس ليجتمعوا إلى بيوت الله ، بدايةً من استبدال النبي عليه الصلاة والسلام صوت عبد الله بن زيد بصوت بلال بن رباح.
إلى أن سمع عمر بن عبد العزيز مؤذنًا أجش الصوت غليظ النطق، صوته ينفر البعيد قبل القريب من السامعين فقال له :” أذّن أذانًا سمحًا وإلا فاعتزلنا”
وماجاء في كتاب الوجيز للأمام الغزالي في صيغة المؤذن لم يختلف كثيرًا .. حيث قال : ويشترط في المؤذن أن يكون مسلمًا عاقلًا ذكرًا ، فلا يصح آذان المرأة أو المجنون أو سكران مخبط ، ويصح آذان الصبي المميز، وليكن المؤذن صيتًا حسن الصوت ليكون أرق لسامعين.
المقام ع النوتة
لكن هناك قضية لم يتطرق لها الكثير لكنها أثيرت منذ فترات متباعدة جدًا من الزمن .. وهي توحيد نغمة واحدة للآذان في مصر .. وفي هذا يقول محمد صلاح الدين في مجلة الموسيقى عدد 16 نوفمبر 1935 حيث قال : لقد عثرت على كتاب للمستشرق الإنجليزي إدوارد ويليام لين ، الذي زار مصر عام 1835 يؤكد أن نغمة الآذان في مصر كانت متغيرة تمامًأ عما نسمعه في هذه الأيام .. وأنها كانت نغمة موحده تقريبًا .. وهو الآذان الذي ركز على مقام السيكاه التي هي من المقامات العامة في الموسيقى العربية وترتكز عليها كثير من الموروث العربي الموسيقي .. وقد ترك المستشرق نوته موسيقية تجسد نغمة الآذان بالضبط وقتها .. في الشكل التالي :
أما على الجانب الآخر فقد رفض موسيقارنا الكبير عمار الشريعي طرح فكرة توحيد نغمة الآذان في عمود صغير بجريدة روزااليوسف حيث قال : لو قننَا الآذان بنوتة موسيقية مكتوبة من خلال تلحينه لقتلنا الوجدان المصري والعربي في هذه الأمة، وأصبحنا نكرر صوتًا مقننًا خمس مرات في اليوم ، ومهما كان رونق الآذان فهو ارتجال مؤذن ولا يوجد شئ اسمه لحن للآذان لأنه تفعيلة تختلف من مؤذن لآخر وكل مؤذن تحكمه ثقافته وخياله وطول نفسه وأبعاده الفكرية والشخصية.. وتوحيد نغمة للآذان عبر النوتة هو تدمير كامل لهوية الآذان من خلال تدمير هوية المؤذن نفسه
من جانبنا
تسائل “الميزان” عن آلية اختيار المؤذنين في وزارة الأوقاف فنمى إلى علمنا أن المؤهل المتوسط من أولويات اختيار المؤذن قبل جودة الصوت .. وصرح عبد المنعم عاشور الصحفي المتخصص في شئون الأوقاف : بالفعل كان قبول المؤذن في الوزارة قائم على مؤهله المتوسط قبل جودة الصوت وكان هناك أحيانًا بعض العمالة الوهمية التي كانت تتكدس في المساجد دون جدوى لكن منذ تولى الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف الحالي وقد وضعت الأوقاف شروطًا عامة في مسابقات اختيار المؤذن وهي جودة الصوت قبل كل شئ . وبالفعل وجدنا شرطًا رئيسيًا في المسابقات وهو إرسال مقطع صوت بالآذان عبر الموقع قبل المقابلة الشخصية
وقد حاول “الميزان” التواصل مع الدكتور جابر طايع وكيل وزارة الأوقاف للاستفسار الرسمي عن الآلية الكاملة لاختيار المؤذن من المصدر الرسمي لكنه رفض التواصل عن طريق تأجيل موعد الإدلاء بالتصريحات ثم غلق الموبايل بعد الاتصال ثم غلق الموبايل نهائيًا !
مصادر تم الاستعانة بها
- أرشيف جريدة الموسيقى
- أرشيف جريدة روزاليوسف
اقرأ أيضا
الطعام المسموم .. كيف يخدعكم الشيف بوراك؟
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال