طارق السويدان .. أن تكون ضحلاً ولا تفرق بين الإسلام والاحتلال
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
التحق طارق السويدان بركب عبدالله رشدي ووجدي غنيم في التعليقات حول يوم حفل نقل المومياوات الملكية، فالإثنين اللذين رضعا أيدولوجية واحدة من جماعة واحدة هي الإخوان، نشرا رأيهما حول الحدث.
اقرأ أيضًا
رجاءًا عبد الله رشدي إخرس.. ربما كان الصمت أفضل لك
لا تعليق على وجدي غنيم الذي رأى في يوم نقل المومياوات الملكية أنه نشر للفجور بسبب شعر الملكة تي، غير أن طارق السويدان يستحق الرد لأنه من المفترض له صلة بالوسط التاريخي الممزوج بالدين لكون أن مؤلفاته تناقش موضوعات تاريخية.
نشر طارق السويدان (كوميك) يصف فيه طريقة تفكير بعض الناس عقب نقل الموميات ـ حسب زعمه ـ، ونتيجةً للهجوم عليه قال «لا مانع من الاستفادة من الحضارتين وخاصة لأهل مصر الكرام، واعتراضي هو على من يفتخر بالفرعونية ويرفض الاسلامية».
الضحالة الفكرية التي اتسم بها طارق السويدان تتمثل في أمرين، أولهما أنه لم يرفض أحد الحضارة الإسلامية في مصر، بل إن المتحف الذي انتهى فيه يوم نقل المومياوات الملكية به قسم خاص للحضارة الإسلامية.
أما الأمر الثاني فهو الخلط بين الإسلام كديانة وحضارة وبين الإحتلال الذي يلتصق بالإسلام، فمما لا يدركه طارق السويدان أن الدول العربية ومجتماعاتها قامت باستيراد المبادئ البديهية للدول المتقدمة التي تقدمت بنا أصلاً، لكن السويدان حين يذكر رقم الـ 1400 لا يعرف من هذه الفترة إلا الشكل السلفي الذي يرى أنه يملك الحقيقة المطلقة وغيرهم على خطأ وباطل، وهي نغمة يرددها السويدان وغيره بنفس الطريقة النمطية السلبية المنطوية عند مواجهة الخيبات والهزائم، وبدلاً من أن يتحملها ويواجهها بحكمة ويعالجها بحنكة، يعود للماضي وهو لا يفرق بين الإسلام والاحتلال.
شيء آخر لا يجرؤ أن يشير له طارق السويدان، وهو أنه كما حدث صراعات فكرية خلال القرون الأولى للمسيحية حول طبيعة المسيح وحقيقة اللوجوس (الكلمة)، حدث في الـ 1400 سنة صراع فكري بين الخوارج والشيعة والسنة ثم نشأت مدرستين الأولى للعروبة والأخرى للإسلام، ومصر نأت عن ذلك لصراع فلم تنحاز لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
لم يحدد طارق السويدان عن أي شيء يقصده في الـ 1400 سنة، وللأسف الشديد في حال المقارنة الموضوعية سيكون هناك إدانة لما يتبناه طارق السويدان وما يريده، لأنه لا يفرق بين الحضارة الإسلامية وبين الإحتلال بالإسلام، والنماذج على ذلك كثيرة في الحروب التي نشأت بين المسلمين وبعضهم عقب قتل علي بن أبي طالب، وكذلك بسبب الإحتلالات المتكررة بين المسلمين على بعضهم باسم الإسلام.
لم يشير طارق السويدان إلى أن العرب في العصر العباسي تطوروا بفضل العرقيات حتى تفوقوا عليهم، لكنه لا يجرؤ أن يقول ما فعله الخليفة المأمون بأهل مصر وباسم الإسلام أيضًا.
النموذج الذي يراه السويدان دائمًا الرمز المتوهج للحضارة في الـ 1400 هي الدولة العثمانية ولكنه لا يدرك أنها حضارة قامت على سياستا التهجير والرعية أي تهجير نخب الدولة وإدخالها تركيا، ويشير علي الوردي إلى هذا بقوله «الدولة العثمانية جعلت الرعية في ولاياتها تعتمد على الكتب التراثية القديمة ولم تنظر للولايات إلا على أنها مصدر الضرائب ومورد الطاقة البشرية في الحروب».
كُتَّاب الإسلاميون اعترفوا بهذا فمثلاً الدكتور محمد عمارة صب جام غضبه على العثمانيين في كتاب تيارات الفكر الإسلامي حيث اعتبر أن الدولة العثمانية كانت ضد العقل وأيدت حربًا ضد التفكير، واستدل محمد عمارة على ذلك بأن علماء الدولة العثمانية حاربوا العقل والمنطق والسببية، خلال رفضهم لأطروحات بن رشد دون دليل مادي عقلي ملموس، أما حركات الترجمة فاقتصرت فقط على الجنس والسحر، مقارنة بالعباسيين والأندلسيين والمماليك الذين لم يتركوا شاردة ولا واردة في الفكر الإنساني إلا وكان لهم باع فيها.
لا يجرؤ طارق السويدان على القول بأن أقبح مساوئ الـ 1400 هي نظرة الإمبراطورات المختلفة للبلاد باسم الإسلام على أنها ولايات ومن فيها رعية، فسحبوا كل ما تمتلكه هذه البلدان من موارد فكرية وحضارية ولم تعطي أي بديل يثري الحياة الفكرية أو الإنسانية حتى تقدم الغرب عليهم.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال