طارق شوقي.. لماذا يحب الشعب المصري المحشي؟
-
عزة عبد الحميد
صحافية وناقدة وبتحب من كل فيلم أغنية وليا في كل شارع انتقاد وفي كل موقع حكاية وبحب الصحافة مهما ضربتني وهلكتني
في اليوم الأول من شهر رمضان المبارك، تنتشر ثقافة مصرية لا نعلم لها أساس، وهي أنه يتم إعداد “المحشي” بكافة أنواعه خلال ذلك اليوم، كما أنه هو الوجبة المثالية للتجمع العائلي، والعزومات كبيرة العدد، وهو الذي يُشعر الضيوف بكرم أهل المنزل، ثقافة غريبة يبتدعها المصريين ويسيرون عليها منذ سنوات.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط، بل أن “المحشي”، تجاوز فكرة أنه طعام ووصلنا إلى أن من يعترض عليه أو أعلن على استحياء أنه لا يحبه أصبح من الكفار وناكري النعمة، وبالتالي فوجبة المحشي بأنواعها أصبحت ثقافة شعب وليست مجرد وجبة يحبها البعض ويبغضها الأخر.
ومع استخدام تلك الثقافة أصبحت اعتيادية؛ حيث أن الشعب المصري بكافة طوائعه تحب الحشو في أي شئ لدرجة وصول ذلك إلى حشو الأفكار ذاتها، فالمثقف في هذا الوطن هو من قام بحشي رأسه بالمعلومات سواء قام باستيعابها أم لا، فهذا لا يهم، وعالم الدين هو من حفظ القرأن والأحاديث وليس من فهمها”احشي يا بيه ويارب محدش ينخرب ورانا”.
وبالطبع يتم تطبيق سياسة “المحشي” على الأطفال”اشمعنا هما يعني”، وهذا ما وضع الأسر المصرية السنوات القليلة الماضية في كارثة حقيقية، فكيف يجرؤ وزير التربية والتعليم السابق “أيوة بقى سابق والأهالي عملت فرح”، أن يطرح نظام تعليمي جديد على الطلبة يعتمد على الفهم وإعمال العقل، ويلغي منطق الحشو المقنن الذي اعتاد عليه الجميع منذ سنوات،”يعني إيه يقولهم دوروا على المعلومة وميأكلهالمش بالمعلقة”، كيف يأخذه عقله لأن يستخدم الطلبة “اللي قاعدين على الموبايل طول اليوم” التابلت في الامتحان، على اعتبار أنه أداة ترفيهية فقط وليس للعلم، مما يثبت أننا في عالم موازي”والله العظيم”.
بدأت الكارثة لأولياء الأمور تدريجية، “يعني إيه العيال الصغيرة اللي هما رابعة إبتدائي يعملوا أنشطة ويمتحنوا فيها”، بالرغم من أنه على سبيل المثال في دولة اليابان بعيدة المنال التي يتحاكى بها الجميع في كل شئ، الطفل لديهم في هذا العمر يحدد ما سيدرسه بالجامعة وتبدأ عملية التخصص، “بس نقول إيه المصري طبعًا أذكى طفل في العالم عشام كدا لازم نحشيه”، وتحول الصراخ والنحيب يوميًا من أوليا ء الأمور على طلبة الصف الرابع الابتدائي والتهكم على ما يحصلون عليه من مناهج”على أساس أنهم بيتكدروا مش بيتعلموا طبعًا”، لماذا؟؛ لأن أولياء الأمور قرروا هم أن يتولوا أمر إعداد الأبحاث والأنشطة المطلوبة وكتابتها بأنفسهم”عشان الطالب المصري الموضوع صعب عليه فمش هنخليه يفكر لا”، وكأن الوزير يواجه أولياء الأمور الرافضين رفضًا باتًا أن يحصل أبناءهم على تعليم ذو قيمة حقيقة.
لم يواجه طارق شوقي عناد من أولياء الأمور فقط، بل أيضًا من موظفى وزارته للأسف”المنظومة التعليمية بمدرسيها عايزة تتنسف وتيجي على الأرض ونبني من الأول”، أيوة زي ما بقولك كدا، عاند المدرسين الوزير طارق شوقي في تنفيذ خطته وذلك بسبب ما يعانون من جهل، فالمدرس الجهبز، لا يريد أن يضيف إلى نفسه أي سطر تعليمي جديد”مبدأ المحشي برضه”، فهو الان على وضع التسوية على النار وبالتالي لا يمكن إعادة الحشو مرة آخرى، فكيف للوزير أن يضعهم في خانة التعلم واكتساب مهارات من جديد”الناس جاية تخلص الحصتين ووراهم دروس عايزين يروحوا”.
كل ما سبق لا يعني أن طارق شوقي ملاك من السماء وأن تجربته نجحت بشكل كبير ولا عيوب بها، على العكس فالثانوية العامة”نحط عناد المدرسين والأهالي والغش الجماعي هنا”، كوارث حدثت في عهد طارق شوقي وبما أنه لا يوجد سواه أمام الشعب فعليه أن يتحمل وحده، وإن كان حاول أن يُصلح ما تفسده الجماهير الغفيرة،إلا أننا في ذات الوقت يجب أن نعي جيدًا أن الأسس التعليمية والتي هي بالأساس سياسة دولة لتطوير التعليم، سنحصد زرعتها حين تصل دفعة الصف الرابع الابتدائي لمرحلة التخرج من الجامعة، ويكونوا قد تلقوا تعليم يمكن من خلال مواكبة ما يحدث في العالم من حولنا، مع تصليح ما يفسده أبناء المنظومة التعليمية والأهالي و القرارارت الخاطئة بالطبع التي لا يوجد شخص معصوم منها.
وعلى أولياء الأمور أن يكفوا أيديهم “ويبطلوا فذلكة كلنا ناجحين بالحشو”، عن أبناءهم ويتركوهم في خوض تجربة التعليم الحقيقية، لعل يكون نصيبهم من التعليم وتحقيق أهدافهم أفضل منا،”ومننساش أننا ولاد تجربة دكتور أطفال ومحامي كانوا وزراء تعليم” وعليكم أن تذهبوا إلى فتحي سرور وتسألوه “المحشي بيتعمل إزاي”.
الكاتب
-
عزة عبد الحميد
صحافية وناقدة وبتحب من كل فيلم أغنية وليا في كل شارع انتقاد وفي كل موقع حكاية وبحب الصحافة مهما ضربتني وهلكتني