طارق مدكور وحميد الشاعري ولعبة الكراسي الموسيقية .. الجزء الثاني
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
رغم الهجوم الضاري الذي شنته الصحافة على حميد الشاعري وموسيقى الجيل متهمة إياه بإفساد الذوق العام، وسط تحريض العديد من الفنانين الجالسين دون عمل والنابع من الغيرة الفنية لسيطرة حميد وجيله على السوق الغنائي واستخدامه التكنولوجيا الحديثة التي قللت من الإستعانة بالعازفين، لم يثني هذا الهجوم شركات الإنتاج عن مواصلة الإستعانة بحميد للإشراف على ألبومات المطربين بل وقدم حميد إكتشافاته الجديدة مثل “إيهاب توفيق” و” مصطفى قمر” و”هشام عباس” و”حكيم”
لم يكترت حميد بالهجوم كثيرًا إلا أن المصائب بدأت في ملاحقته بعد صدامه الفني مع عمرو دياب بسبب إصرار الأخير غناء أغنية “أفريقيا” منفردًا والتي كان يجرى إعدادها لإفتتاح دورة الألعاب الأفريقية في مصر، ففضل دياب الإستعانة بمودي الإمام لصنع أغنية بديلة، ثم واصل تمرده على حميد باللجوء لحسام حسني لتوزيع ألبومه “حبيبي” ثم ألبوم فيلم “أيس كريم في جليم”
بدا الأمر في عام 92 وكأن حميد سيظل متواجد للأبد ففي تقرير نشرته مجلة العالم يغني التي كان يشرف عليها صديقه الشاعر مصطفي زكي كان حميد أكثر الموزعين إنتاجًا بحوالي 116 أغنية بالإضافة إلي 50 لحن.
على الطرف الأخر كان مدكور يبني مسيرته الفنية على مهل ووزع كمًا مقبولًا وصل إلي حوالي 64 أغنية مكتفيًا بإشباع نهمه الفني في الظهور في ألبومات المنافسين “محمد فؤاد” و”علاء عبد الخالق” المتواجدين على الطرف الآخر من نهر موسيقى الجيل.
الرجل الثاني والصراع بين الأفضل والأشهر.
دائما ما يترك للجمهور حسم الصراع بين الفنانين الذي يرى أن الأنجح والأشهر هو بالضرورة الأفضل، وأن ظلت تلك المسألة محل جدال كبير ، لكن الصراع بين مدكور وحميد لا يمكن حصره في صراع بين الرجل الأول وبديله الجاهز ففيه انتقاص من إمكانيات مدكور الفنية والتي تفوقت على حميد احيانًا كما ذكرنا في الجزء الأول.لكن في ظل إصرار المنتجين على الانجراف مع تيار الموسيقي السائد وعدم المجازفة كان مدكور البديل المطمئن لهم،
ظهر هذا بشكل واضح عندما قرر المنتج “نصر محروس” أن يكون أول إنتاج له عبر ألبوم يعيد فيه توزيع بعض الأغنيات القديمة بشكل عصري ودرس الفكرة في البداية مع حميد الشاعري.
اقتبس حميد الفكرة منه وقرر أن ينفذها مع شركة أخري هي “صوت الحب” وصدر ألبوم شعبيات والذي حقق نجاحًا أسطوريًا نال حميد عنه الأسطوانة البلاتينية الأمر الذي أشعل غضب “محروس” الذي قرر أن يعيد تقديم نفس الفكرة بأسلوب أخر عبر ساكس “سمير سرور” وأختار الرجل الأول مكرر “طارق مدكور”
الشاهد أن الفكرتين نجحتا بشكل كبير مع الجمهور المصري وأثبتت أن القمة ليست حكرًا على شخص واحد بل تساع الكثيرين.
إيقاف حميد عن العمل.
جاء فوز”حميد الشاعري” بالإسطوانة البلاتينية عن ألبومه “شعبيات” ليوغل صدور المهاجمين أكثر وأكثر فمنع حفل تسلميه الأسطوانة في دار الأوبرا المصرية، وبدأت الدائرة تضيق على حميد الذي وثق نجاحاته ببوستر ضخم له يحمل الأسطوانة البلاتينية مع صدور ألبومه كواحل، لكنه لم يكن يدرك أن الهجوم سيتحول من مجرد كلام جرائد إلي فعل حقيقي، فأصدرت نقابة المهن الموسيقية قرارها بإيقافه عن العمل أواخر عام 1993 وتعنتت الرقابة في إصدار تصاريح لألبومه “لوين” ولم يشفع له نجاحه أمام اللجنة التي منحته عضوية النقابة.
وقع العديد من المطربين في مأزق شديد الوعورة ما بين سندان العلاقة مع صانع نجوميتهم حميد ومطرقة شركات الإنتاج والعقود الموقعة معها، أجّل البعض ألبوماته وبدأ البعض الأخر البحث عن بدائل، جرب إيهاب توفيق التعاون مع مدكور ومحمد ضياء ووجد هشام عباس ضالته في بهاء حسني ونجح في فارس في تعويض غياب حميد بمدكور .
مدكور وما أحلي الرجوع إلي عمرو دياب.
عاد مدكور للتعاون مع عمرو دياب في ألبوم “ياعمرنا” والذي استعان فيه لأول مرة بمحمد عرام عازف الكمان كي يكتب وتريات الألبوم، وهو الاتجاه الذي سيتبناه حميد بعد ذلك
تألق مدكور في الألبوم وبدا وكأنه يعي درس إيقاف “حميد” جيدًا فبدأ في تطوير توزيعاته تفاديًا للهجوم عليه فأصبحنا نري الوتريات تعود للأغنية مرة أخري بعد أن ظلت فترة لا بأس بها تسير تحت وطأة المقسوم المدعوم بحليات إيقاعية فقط، وحقق مدكور فيما طمح إليه بتعويض غيابه عن ألبومات “منير” بعودة مظفرة إلي عمرو دياب، و في نفس الوقت حافظ دياب على ظهوره الموسمي في ألبومات الصيف عكس حدث مع آخرين,
في نفس الوقت بدأ حميد التحايل على قرار الإيقاف بالعمل خارج مصر فلحن ووزع أغنية “صبري عليك طال” لرجاء بلمليح والتي نجحت نجاحًا مبهرًا وسمحت لجنة التظلمات بظهور شريط حكيم “نار” وأن ظل عمله داخل مصر يتستر خلف اّخرون فحذف اسمه من الطبعات الأولى لألبوم “مكتوب” علاء عبد الخالق ” وهي الأغنية التي استعان فيها بعازف كمان أخر هو “يحيي الموجي” لكي يكتب له وتريات الأغنية مثلما فعل مدكور مع عرام.
هدوء موقت يسبق العاصفة.
عاد حميد إلي العمل مرة أخرى بألبومه “هدوء موقت” وكأنه يبعث برسائل فحواها أنه في فترة هدوء مؤقت ليعيد فيها ترتيب أوراقه الفنية ثم تبعه بالظهور للمرة الثانية في البرنامج الرمضاني “حوار صريح جدًا” متحدثًا بصراحة شديدة عن تخلي البعض عنه وقت أزمته مع النقابة، فكسب تعاطف الجميع عكس ماكان يرنو إليه البرنامج.
حميد كان يدرك أن خسائره لم تكن فنيًا فقط بل إنسانيًا بإبتعاد بعض الأصوات التي اكتشفها وقدمها عنه، لكنه كان يدرك انه لازال يمتلك الخلطة السرية التي تجعله يعود سريعًا إلي القمة وقادر على أن يجعل الكل يسير خلفه مرة أخرى.
حميد عاد وهو مدرك أنه لا مفر من تعديل مساره الموسيقى ولو قليلًا والبحث عن شكل جديد يعلن به عودته إلي السوق الغنائي فاستعان بعازف الكمان فؤاد رحيم لكي ينفذ له وتريات أغنية “امشي” أمين سامي وبدأ في تقليل الاستعانة بالتكنولوجيا وتطوير اللزم الموسيقية مستعينًا بالكوله والقانون والعود وأصدر ألبومه “هدوء مؤقت” والذي كان يأتي في إطار حالم عاد فيه إلي جيتاره الكلاسيكي بموسيقى ابتعدت عن صخب المقسوم.
أن تقف لكي يجلس مكانك الأخر .
ظلت القمة في نصف التسعينات الأول تتأرجح مابين مدكور وحميد في ظل ظهور العديد من الأسماء الجديدة في سوق التوزيع الموسيقي مثل “طارق عاكف” “أشرف محروس” “محمد مصطفى”و”أشرف عبده” وأن ظل التنافس محصورًا بينهما للسيطرة على أكبر قدر من الأصوات.
عاد حميد للتعاون مع “عمرو دياب” في ألبوم “ويلوموني” والذي بدأ فيه وكأنه يجرب الخروج من المقسوم ولو قليلًا بتطعيم البوب المصري بالفلامنكو الأسباني فظهرت أغنيات “ويلوموني” و” العيون” بدا حميد تجريبيا يحاول إلتقاط أفكارًا مستوردة جديدة على الأذن المصرية لتطويرها وظهر “ويلوموني” كإرهاصة مبكرة لما سوف يفعله لاحقًا.
تبدلت الأدوار كعادتها مرة أخري بإعلان عودة مدكور للتعاون مع عمرو دياب في ألبوم “راجعين” والذي كان دياب يعيد فيه تجربة عدم الإعتماد على موزع واحد داخل الألبوم فظهرت أسماء بجانب مدكور مثل “أشرف محروس” و”ياسر عبد الرحمن” وان كان لمدكور نصيب الأسد، تألق مدكور في الألبوم في محاولة منه للحاق بأفكار حميد فصنع تجارب مهمة داخل الألبوم مثل “صدقتني”و”بلاش تكلمها” وأن خطفت “رجعت من السفر” و“حاولت” الأضواء منه.
في المقابل بدأ حميد في إعادة ترتيب أفكاره فأصدر ألبومه “صديق” والذي حاول فيه التجريب مثلما فعل في “ويلوموني” ثم ظهر في أول تجربة سينمائية له في فيلم “قشر البندق” وواصل بث رسائل مبطنة لمن خسرهم بأغنية “الفالصو والدهب”
نور العين وأن تعرف من أين تؤكل الكتف.
عدم نجاح ألبوم “راجعين” بحسب منتجه “نصيف قزمان” كان دافعًا لدياب للعودة مرة أخري لطرق باب حميد تحت مظلة إنتاجية جديدة “عالم الفن” ،تعلم حميد من تجربة “ويلوموني” التي لم تصادف النجاح المتوقع رغم معرفته الجيدة بطبيعة الجمهور المصري، فبدأ تطوير أفكاره بالتزامن مع ظهور فكرة أغنية “نور العين” التي سمعها دياب بالصدفة من أخيه “عماد” وظهرت للنور قنبلة “نور العين” والتي نجحت في إخراج الأغنية المصرية من محليتها وحازت على جائزة الميوزيك أوورد وأن طالتها بعض الإنتقادات لاحقًا كون حميد أخذ مقدمتها الموسيقية من عازف الجيتار الأمريكي “ديك ديل”
لم يقتصر تألق حميد لم يقتصر على أغنية نور العين فصادف بعض الأغنيات نجاحًا مدويًا مثل “نفس المكان” و“عايزين يغيروك” وواصل الاستعانة بعازف كمان لكتابة الوتريات فظهر أسم “محمد عرام” على ست أغنيات و”يحي الموجي” على أغنيتين.
على الطرف الأخر كان مدكور يدشن لمرحلة فنية جديدة في حياة “محمد محي” المبتعد عن رفيق درب البدايات “حسام حسني” فاشترك في توزيع ألبوم “اغلى الناس” وان كان صادفه نجاحًا لكن ليس بقدر نجاح نور العين
الشاهد أن بعد نور العين تغيرت ملامح سوق البوب المصري، حسم دياب الصراع مع المنافسين وابتعد عنهم بمسافة كبيرة وبدأت المرحلة الأخيرة من فصول الصراع بين حميد الشاعري وطارق مدكور.
في الجزء الأخير سنتناول قصة حسم الصراع بينهما وابتعاد حميد عن الوسط الفني
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال