موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب (8) طقاطيق السبع سنوات
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
أهلا بكم أعزائي القراء في ثامن حلقات موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب التي سنتكلم فيها طقاطيق لحنها في فترة 7 سنوات، وكنا قد توقفنا في الحلقات السابقة عند نتاج محمد أفندي عبدالوهاب خلال فترة السبع سنوات التي قضاها بصحبة أحمد شوقي بك، فتحدثنا عن نتاجه في ميدان قالب الدور وكذلك قالب القصيدة، وناقشنا التطورات التي أدخلها موسيقار الأجيال على كلا القالبين والتي أسهمت بلا شك وفتحت الطريق أمام كل من أتى بعد عبد الوهاب محاولا مواصلة المسير في الطريق ذاته.
اقرأ أيضًا
سيرة موسيقار الأجيال (1) تاريخ ميلاد محمد عبدالوهاب .. لماذا هو مختلف عليه ؟
وفي هذه الحلقة نكمل الحديث عن نتاج محمد عبدالوهاب في طقاطيق غنائية نادرة خلال تلك الفترة.
نتاج محمد أفندي عبد الوهاب خلال فترة السبع سنوات في ميدان قالب الطقطوقة:
قبل الكلام عن طقاطيق عبدالوهاب قلنا في مقالات سابقة أن الطقطوقة هي أبسط القوالب الغنائية من حيث الشكل، وتتكون من مذهب وعدة أغصان، يتكرر غناء المذهب بين كل غصن والذي يليه، وقد ظهرت الطقطوقة في مطلع العشرينيات وكانت تغنى كل أغصانها بلحن واحد، وذلك قبل أن تتطور طقاطيق ذلك الجيل على يد الشيخ زكريا أحمد مع الآنسة أم كلثوم في لحن طقطوقة اللي حبك يا هناه، ثم سار على الدرب ذاته داوود حسني في طقطوقته الوحيدة لأم كلثوم (جنة نعيمي في هواكي ما أحب في الدنيا سواكي)، وكذلك المرحوم محمد القصبجي في طقطوقة ليه تلاوعيني وانتي نور عيني وكذلك المرحوم رياض السنباطي في طقطوقة ليه يا بنفسج بتبهج وانت زهر حزين.
أما محمد عبد الوهاب فقد وضع عدة طقاطيق خلال تلك الفترة( فترة السبع سنوات) جاءت كلها على النسق القديم للطقطوقة وهي على النحو التالي:
طقطوقة فيك عشرة كوتشينة سنة 1927م
طقطوقة حسدوني وباين في عينيهم سنة 1928م
طقطوقة لما انت ناوي تغيب على طول سنة 1929م
طقطوقة بالك مع مين سنة 1929م
طقطوقة ليلة الوداع طال السهر سنة 1930م
طقطوقة مين عذبك بتخلص مني سنة 1931م
طقطوقة هاجراني ليه ظالماني ليه سنة 1932م، وهي إحدى أغنيتي الموسيقار محمد عبد الوهاب اللتين لحنهما على مقام الصبا، حيث لم يستعمل هذا المقام للتعبير عن الأحزان والآلام سوى في أغنيتين فقط، وهو ما سيأخذنا قليلا للحديث عن قصة مقام الصبا مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب.
محمد عبد الوهاب ومقام الصبا
لم يكن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب يفضل استعمال مقام الصبا في التلحين، ربما لأنه لا يميل إلى تجسيد فنه في صورة حزينة أو باكية، نظرا لتعبير هذا المقام عن تلك الحالة، وذلك بخلاف باقي ملحني عصره فكلهم جروا على استعمال هذا المقام تماما كغيره من المقامات دون أي نفور منه، وفي هذا الجانب جاء في “تراث الغناء” للمرحوم كمال النجمي:
عندما غنت أم كلثوم في منتصف الستينات أغنية أمل حياتي من ألحان محمد عبد الوهاب، لاحظ بعض النقاد أن عبد الوهاب استعمل مقام الصبا في كوبليه واحد فقط ثم تركه مسرعا إلى المقامات الأخرى التي صاغ منها بقية الكوبليهات، وقد سئل محمد عبد الوهاب لماذا استعمل مقام الصبا في تلحين كلمات تعبر عن الفرح لا الحزن، مع أن الصبا هو مقام الأحزان والآلام، وكان رده أنه لا يحب مقام الصبا ولم يلحن منه طوال حياته سوى أغنيتين فقط، ولكنه أراد أن يستعمله للتعبير عن الفرح في مقطع واحد من أغنية أم كلثوم على سبيل التغيير في استعمال ذلك المقام الذي لا يستعمله الملحنون إلا في تعبيرهم عن الحزن، وكان عبد الوهاب دقيقا في قوله أنه لم يلحن على مقام الصبا سوى أغنيتين فقط طوال حياته، الأولى الطقوقة التي تحدثنا عنها والثانية هي طقطوقة تراعيني قيراط أراعيك قيراطين سنة 1953م .
نعود لنستكمل الحديث عن تطوير موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب لقالب الطقطوقة، كانت تلك الطقاطيق التي سبق ذكرها هي تجربة عبد الوهاب الأولى قبل التطوير خلال تلك الفترة، إلا أنه عدل عن ذلك فيما بعد فثبت المذهب وبدأ ينوع في لحن الأغصان كما في طقطوقة خايف أقول اللي في قلبي بداية من مقطع صعبان علي، وبعدها سار عبد الوهاب على ذات الطريقة التي اتبعها الشيخ زكريا أحمد في التطوير، وذلك حين وضع لحن طقطوقة إمتى الزمان يسمح يا جميل سنة 1932م، فلحن كل غصن منها على لحن مختلف، بل وأضاف كذلك إيقاعا لم يكن مستخدما في الطقاطيق وإنما كان غالب استخدامه في الموشحات وهو إيقاع المصمودي الكبير، وفي الغصن الأخير من الطقطوقة “يا هل ترى يا زماني هاسهر مع الحلو تاني واسهر معاه ولا فيش عذول واسمع غناه والليل يطول”، استخدم محمد عبد الوهاب إيقاع السماعي الثقيل ولكنه بدأ من منتصفه، على نحو بدل من بنية الطقطوقة ورفعها إلى مرتبة أكثر ارتفاعا.
تعليقي على ما جاء على لسان الدكتور فيكتور سحاب في هذا الجانب:
الحقيقة أني استفدت كثيرا من المرجع المهم للغاية الذي ألفه دكتور فيكتور سحاب تحت اسم السبعة الكبار في الموسيقى العربية، ولكني في هذا الصدد أختلف معه اختلافا بسيطا على ما سيأتي
يقول الدكتور فيكتور سحاب في مسألة تطوير الطقطوقة على يد محمد عبد الوهاب:
لا شك أن هذا الباب الذي فتحه محمد عبد الوهاب أدخل الطقطوقة في متسع رحب أمكن للسنباطي على الخصوص أن يجول فيه جولات في أغنيات كبيرة لأم كلثوم احتفظت من الطقطوقة بالمذهب واطلقت للمقاطع العنان لحنا وايقاعا وبنية موسيقية، كما في يا ظالمني وحيرت قلبي وغيرها، فلم يعد في المستطاع تسميتها طقاطيق إلا من حيث احتفاظها بقفلة المقطع المتكررة، إلى هنا انتهى كلام الدكتور فيكتور.
وفي الواقع فإني أرى في كلام حضرته إجحافا بحق الشيخ زكريا أحمد، صحيح بدأ عبد الوهاب في تطوير الطقطوقة قبل الشيخ زكريا بثلاث سنوات تقريبا، إلا أن تطوير عبد الوهاب لها لم يكن كتطوير الشيخ زكريا مطلقا، فالشيخ زكريا أحمد إنما اعتمد تطويرا غير بالفعل تغييرا جذريا في لحن الطقطوقة ككل وظل محتفظا بالشكل العام للقالب، كذلك أبدل التكرار بالليالي أحيانا وأحيانا أخرى أضاف الآهات وهو أمر لم يكن معروفا سوى في الأدوار، وعلى هذا النسق جاء لحن المرحوم داوود حسني كما ذكرنا.
إذا ما قارنا بين طريقة وضع الألحان القديمة لشيخ الملحنين زكريا أحمد وبين ما لحنه السنباطي بل وعبد الوهاب نفسه فيما بعد سيتضح لنا أن النسق الذي سار عليه الشيخ زكريا هو الذي أثر في طريقة الألحان الحديثة التي تكلمنا عنها من قبل، بل الناظر لألحان محمد عبد الوهاب فيما بعد سنة 1931م، سيتضح له أنه استقى من طريقة الشيخ زكريا أحمد في تطوير التلحين في ميدان هذا القالب، صحيح لا يستطيع أحد أن يجزم بأخذ أحد عن أحد في مجال الفن الذي يخضع للرؤية الفنية لكل موسيقي، إلا أن متابعة الألحان والاستماع إليها وتفسيرها بطريقة نظرية يوحي بفكرة اقتباس التطوير.
سنصل في النهاية إلى القول بعدم حتمية تأثير السبق التاريخي في مسألة المسير على نسق التطوير ذاته، ولذلك فلا يقلل أبدا من شأن الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب أن نقول أن المطور الحقيقي للطقطوقة والسبب في ظهور الطقطوقة في النهاية بشكل أشبه بالمونولوج هو الشيخ زكريا أحمد، كذلك بالنظر لمسألة تطوير الإيقاعات وإدخال الجديد منها على هذا القالب، لن يقلل أبدا من شأن الشيخ زكريا أو غيره أن نقول أن محمد عبد الوهاب هو الذي ابتدع تلك الفكرة، مع مراعاة أننا نتحدث عن جيل محدد دون النظر إلى ما وصل إليه الجيل القديم من أهل الموسيقى الكبار كالمرحوم محمد عثمان وعبده الحامولي عند الحديث عن فن الدور ثم المرحوم ابراهيم القباني في ميدان القالب ذاته والمرحوم داوود حسني في حقبة الثلاثينات في ذات الميدان.
وإلى هنا أعزائي القراء نصل إلى نهاية الحلقة الثامنة من قصة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله..
دمتم في سعادة وسرور.
الكاتب
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال