ظهر الشيخ سيد درويش.. كيف نهضت الفنون والمسارح بسبب الترام؟
-
محمد احمد
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
أتاح الترام فرصة السهر خارج المنزل لسكان القاهرة، ولم يكن ذلك مألوفًا من قبل، خاصة الشبان الذين استطاعوا ارتياد المسارح وصالات الرقص.
ومن المسارح التي عرفت وقتها أي منذ عام 1896، المسرح العربي لأبي خليل القباني بشارع عبد العزيز بسينما أولمبيا، ودار التمثيل العربي لسلامة حجازي بشارع الباب البحري لحديقة الأزبكية ومسرح مصر العربي لإسكندر فرح والمسرح العباسي بشارع جلال.
وجاءت فرقة مسرحية من دمشق عام 1896 برئاسة نقولا مصابني لإحياء بعض الليالي الفنية في القاهرة، وقدمت فصولًا من روايات مضحكة في المسرح العربي، منها فصول “الأخ الخائن”، “الملك”، وفصلًا من رواية “القهوة”، وكوّن ميخائيل جرجس فرقة “السرور” في نوفمبر 1896 وقدم مسرحية “عواقب الأمور” وقام بأهم أدوارها الشيخ سيد درويش، وفي عام 1898 ألف سليمان القرداحي فرقة مسرحية جديدة وضم إليها المطربة ملك سرور، والممثلة لبيبه مللي، وساعد الترام في ظهور العديد من الفرق المسرحية الأخرى، بعدما فتح الآفاق أمام الناس للحركة وحرية التنقل بسهولة والسهر لأوقات متأخرة من الليل، وبعدما مدت شركة الترام خط الساحل بدأت بعض المسارح تنتقل صيفًا إلى روض الفرج.
الترام ينعش المسرح
وساعد رواج الفرق المسرحية على ظهور فن النقد المسرحي وتقدمت الحركة الثقافية وبدأ الجمهور يقبل على المسارح بفضل الترام، فتبارت الفرق المسرحية في التنافس الشديد بينها على كسب المتفرجين من خلال مسرحيات هزلية مجونية تدور كلها حول قصص الحب وحكايات العشاق، وتنتهي برقص مبتذل، ووصف صحيفة “الإخلاص” في عدد الصادر 1897 أحوال المسرح تقول:” ومما زاد الطين بلة أن بعض أصحاب المسارح لا يميزون بين الطيب والخبيث، ولا يدركون سر واجبات فنهم الشريف، ففي الوقت الذي يقدمون فيه فصلًا أدبيًا يعلمون فيه الناس واجباتهم في الدنيا، قدموا ما يُخجل منه من رقص مبتذل، ولم يفرقوا بين مسارح التهذيب ومسارح الرزائل”.
وكتب فؤاد سليم في جرية المؤيد يوافق جريدة “الإصلاح” في أن المصريين بحاجة إلى روايات عربية مصرية أصيلة تمثل الأخلاق المصرية وتصلح الأساس التمثيلي للمسرح.
وبغض النظر عن الحالة الفنية لبعض الفرق المسرحية، إلا أن الرواج الفني قد بدأ وقتها، وساعد بعض هذه الفرق في تأجيج الروح الوطنية ضد الاحتلال، مما دعا السلطات إلى إصدار لائحة “التياترات” التي فرضت رقابة على المسارح تمارسها الشرطة، وأصبح من حقها إغلاق المسارح إذا عرضت ما يخالف الآداب والنظام العام، وكتب طه حسين يقول:”أخذوا على الصحف الطريق وأرهقوا، كتابها بالضيم والإذلال، وعدا على التمثيل من غلوائهم، عاد فآذان ظله بزوال، نقموا على التمثيل نطق ممثل، فيه بلفظة كاملة وكمال”.
مطربين العصر الترامي
كثرت المسارح وصالات الغناء، فغنى فيها بعض المطربين واشتهروا، وكتبت جريدة “المقطم” عن أشهر مطربين العصر الترامي، عبده الحامولي، يوسف المنيلاوي، صالح عبد الحي، محمد عثمان، ملك سرور، صالح العربي، مريم مراد، وبعد الترام جاء إلى القاهرة شاب لم يكن معروف من قبل هو الشيخ سيد درويش.
الأدب الترامي
اختلط الناس بعد ظهور الترام، وكثر الحديث بينهم حول الموضوعات المختلفة التي تشغلهم، وفُتحت قضايا فكرية بينهم، فكانت فئة قليلة من رجال الأزهر تعارض إدخال العلوم الحديثة ضمن مواد الدراسة، وتقول بعدم فائدتها للمصريين عمومًا وللأزهرين خصوصًا، أما الأكثرية فقد كانت مؤيدة لهذه العلوم، ومرحبة بكل إصلاح، وتولت جريدة “المؤيد” لنشر تجاذب الأطراف ووجهات النظر.
كما دخل الأدباء على الخط، وبدأ يكتبون ضد الترام تارة، وتارة يتضامنون مع وجوده، فبعد أسبوع واحد من سير الترام في شوارع القاهرة مزق جسد طفلًا، ففزع الناس وانتهز الأدباء الفرصة، فكتبوا هجاءً ضد الترام، وقالوا أن عزرائيل يمشي خلفه متهيئًا لقبض الأرواح، ونشرت جريدة “المؤيد” بيتًا لهجاء عربات الترام :”تمشي وعزرائيل من خلفها، مشمر الأردان للقبض”، وظل المحامون لمدة طويلة يبدأون مرافعتهم في القضايا التي تكون ضد شركة الترام بهذا البيت.
لكن بعدما أضرب عمال الترام في فترة من الفترات، كان أحد الأدباء في زياة صديق له، فقصد ركوب الترام ولم يجده، فنظم تلك الأبيات:”تحملني إلى مغناك ساري، بلا خيل يسير ولا بخار، يباري الريح ويطوي، عروض الأرض آناء النهار، ليوصل بين أنحاء شتات، يقارب بينها قرب الجوار، تحري خط مجراه فما إن يحيد إلى اليمن أو اليسار”.
وأثر الترام بلاشك تأثيرًا واضحًا على الأدب الشعبي، شعره ونثره، فكتب بعض الأدباء يقول:”دخيلك يا ترامواي اشفق بحالنا، كفانا كفانا ما أصابنا من الأجانب، مش كفاية وبغير سبب تقتل وتزهق، الأبرياء في الفجالة آه ولا أنت هايب، روح اقصد الضاهر واهلك فيه شويه، يريحنا ويبقى له في البلوى نايب، والا امشي بالليل فوق صور الجنينه، أهلك البطال وكل طفل سايب، ولا بالنهار حوم حول بنك الكريدي، تلتقى النسوان قاعده تجاهر بالمعايب”.
وكُتبت الأغنيات التي يصور فيها العشاق لهفتهم للترام ويطلبون منه أن ينطلق بهم إلى الفتيات الجميلات:”يا ترام العباسية وديني على قصر النيل، خليني أشوف حبيبي، الحلو أبو خد جميل، يا ترام العباسية اجري كمان شوية، أفديك ياترام بعنيه وصلني للحبايب”.
اقرأ أيضا
خطباء المساجد اعترضوا وبشروا بقرب القيامة.. كيف ساهم الترام في تحرير المرأة؟
الكاتب
-
محمد احمد
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال