“عار لم تنساه لندن” الأزبكية كانت سببًا في تأسيس المخابرات الحربية البريطانية
- وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
بدأت انجلترا الاستعداد لاحتلال مصر سنة 1882 م بحجج واهية واستعدادات عالية قامت على تقارير المخابرات الحربية البريطانية والتي كانت بها بيانات مفصلة عن الداخل المصري.
تتفق كل المواقع الإلكترونية على أن جهاز المخابرات الإنجليزية كانت بدايته الفعلية سنة 1909 م بينما المخابرات العسكرية كانت سنة 1814 م، لكن تلك المعلومة منقوصة، فثمة صلة مباشرة تجمع بين مصر كـ سبب وتأسيس المخابرات البريطانية كنتيجة.
عار لم تنساه لندن
فشلت حملة فريزر على مصر عام 1807 م وكان يمكن لانجلترا أن تتقبل الهزيمة عسكريًا من باب أن أي جيش يمكن له أن يُهْزَم، لكن العار الذي لاحقاها كان خنجرًا ذا نصلين، أحدهما أن الهزيمة كانت على يد السكان المحليين في رشيد وبعض الجنود النظاميين في قرية الحماد، أما النصل الآخر فكان العار الذي ما بعده عار، وهو زفة أسرى وقتلى الحملة.
اقرأ أيضًا
مصير فريزر بعد هزيمة حملة رشيد والحماد “حاول التعويض لكن الموت بالفالشيرين انتظره”
وصل مجموع قتلى بريطانيا في حملة فريزر إلى 450 جندي وضابط و 480 أسير، وأصر محمد لاظوغلي أن يتم قطع رؤوس القتلى وتُشْحَن مع الأسرى في مراكب من فرع رشيد إلى القاهرة وهو ما كان بالفعل.
في 29 إبريل سنة 1807 وصلت المراكب التي تحمل 450 رأس مع 480 أسير إلى بولاق وكان أبرز الأسرى الميجور مور، والميجور وجلسند، ثم تمت زفة الأسرى من بولاق إلى الأزبكية والتي كانت تعتبر وسط القاهرة حينها، واحتشد الناس للمشاهدة على جوانب الشوارع وأطراف الطرقات لرؤية المناظر، ثم تحركت الزفة من الأزبكية إلى القلعة حيث مقر حكم محمد علي باشا.
وُقِّعَت معاهدة دمنهور يوم 12 أغسطس 1807 والتي قضت بجلاء الإنجليز عن مصر وتم تنفيذ بنود المعاهدة يوم 19 سبتمبر من نفس العام، ولم تنسى بريطانيا تاريخ جلاءهم عن القاهرة في سبتمبر 1807 حيث دخل الإنجليز قلعة الجبل في سبتمبر 1882 م.
الطريق إلى تأسيس المخابرات الحربية البريطانية
لم يكن الجلاء عارًا بالنسبة لانجلترا بقدر عار زفة الأسرى والقتلى، فقد كان المنظر مخزيًا بالنسبة لهم، وأخذوا درسًا مفاده أن دخول مصر وأي بلد في الشرق، لابد أن يكون قائمًا على المعلومة قبل أن يكون الاعتماد على السلاح، فتأسست نواة ذلك الجهاز بعد حملة فريزر بـ 7 سنوات
في منتصف القرن التاسع عشر ظهر إلى الوجود مسمى المخابرات العسكرية Military Intelligence لأول مرة في تاريخ الجيش الإنجليزي، وكان الآباء الروحيين له هم اللورد نورثبروك نائب الملك البريطاني والجنرال براكنبري ضابط المخابرات الحربية البريطانية في حملة دخول مصر سنة 1882 م، والكولونيل سير جون آرداج، والكابتن هوزير والد زوجة تشرشل، والملازم إيفلين بارنج الذي صار اللورد كومر لاحقًا، والسير ويليام نيكولدسون رئيس أركان الجيش الهندي، وجميعهم كانوا تحت إمرة أرنولد فورستر وزير الحربية.
في عام 1882 صدر كتاب Report on Egypt عن المخابرات الإنجليزية وطُبِع في مكتبة هاريسون وأولاده وكان صادرًا لملكة انجلترا، وخصص الكتاب فصلاً عن حملة فريزر ص 36، وذكر صراحةً أن ما جرى كان عارًا لن يمحوه الزمان واستفادت بريطانيا منه بقاعدة مفادها أن النصر لمن يملك المعلومة، إذ أن معلومات القوات الإنجليزية عن مصر كانت قاصرة ولم تكن مبنية على دراسة لطبيعتها كشعب وأرض وهو الأمر الذي تفادته بريطانيا في حملة النيل عام 1882 م بجهاز المخابرات.
كانت المخابرات الحربية البريطانية لها قسم يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط ويشرف عليها رجال أركان الحرب الأميرالية، والملحق الحربي البريطاني في القسطنطنينية ورجال الملحقين الشرفيين الذين يعملون في السفارات الإنجليزية المختلفة.
أما أبرز عملاء المخابرات الحربية البريطانية في مصر فكان إدوارد هنري بالمر ومجموعة أخرى كانوا يتسترون في أنهم رحالة مستشرقين، وقدموا معلومات وافية عن الداخل المصري اقتصاديًا وعسكريًا واجتماعيًا، وساهمت هذه المعلومة في أن تثأر بريطانيا لعار الأزبكية وتحتل مصر عام 1882 م.
المراجع
- عصر محمد علي باشا – عبدالرحمن الرافعي
- تقرير العمليات البحرية والعسكرية البريطانية في مصر – كاسبار جودريتش
- عجائب الآثار في التراجم والأخبار – عبدالرحمن الجبرتي
- أوراق سرية من حملة النيل 1882 – د. عبدالوهاب بكر
الكاتب
- وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال