عاطفة الأزهري في المشاهد الرومانسية بالفن ؟ “مراحل التطور والتدهور”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
فَصَلَت 224 سنة بين غضبة السوشيال ميديا من مشاهد الممثل محمد الشرنوبي وهو يجسد دور الشيخ الأزهري في المشاهد الرومانسية مع الفنانة نيللي كريم بمسلسل فاتن أمل حربي، وبين أول غضبة أزهرية حول قيمة الزي؛ وخلال قرنين من الزمان تطور شكل تناول الزي الأزهري من حيث هيبته، وكان للفن نصيب من الـ 200 سنة.
الغضبة الأولى من أجل الزي الأزهري
اكتسب الزي الأزهري هيبة في نفوس المصريين منذ منتصف العصر المملوكي بعدما صار رجال الأزهر هم المصدر الرئيسي لرد ظلم الولاة عن الشعب.
لم يُسْتَفَز الأزهريين في هيبة زيهم منذ أن وُجِد إلى حلول مساء يوم الخميس 6 سبتمبر 1798 م، خلال اجتماع نابليون بونابرت بوفدٍ من الأزهريين برئاسة الشيخ عبدالله الشرقاوي شيخ الأزهر وقدم لكل واحدٍ منهم طيلسانًا (شال على الرأس والكتفين أو الكتفين) ملون بألوان الثورة الفرنسية ووضعه عليهم، فقام شيخ الأزهر بإلقاء الطيلسان أرضًا وقال إن فعلنا ذلك فسينحط قددرنا عند الله وعند إخواننا المسلمين.
اعتبر الشرقاوي أن محاولة نابليون وإن كان قصد بها تكريم للأزهريين أو شراء لولاءهم، فإنها تمثل مسخًا لهوية شكلها الزمان، ومنذ ذلك التاريخ وصار رجال الأزهر يتعاملون بتوقير مع الزي تجاه أي طارئ من عناصر التطور والتقدم، فرغم وجود ممعممين امتهنوا الغناء بالزي الأزهري لكنهم تخلوا عنه لما خلعوا عباءة الإنشاد، وبعضهم ظل متمسكًا به حتى الموت.
الشيخ الأزهري في المشاهد الرومانسية
منذ أن عرفت مصر السينما في ثلاثينيات القرن العشرين وبعدها الدراما التلفزيونية في الستينيات، اختلف شكل ظهور الزي الأزهري في المشاهد، فبعضها كان يجسد هيبة الزي، وبعضها الآخر كان يمثل الكوميديا في مشاهد المأذونين أو المدرسين؛ لكن قُدِّمَت المشاهد العاطفية بالزي الأزهري على استحياء.
حسين صدقي يضع البذرة ونور الشريف يزرعها
تتمحور الشخصية الأزهرية في كونها شخصية رجل دين يعظ الناس ويرشدهم، وعندما جسدت السينما الزي الأزهري في المشاهد الرومانسية لم تخرج به عن رمزية الوعظ.
كان حسين صدقي هو أول ممثل يظهر في مشهد يتكلم عن الحب وهو يرتدي الزي الأزهري من خلال فيلم الشيخ حسن خلال مشهد جمعه مع هدى سلطان (نبوية) وهي تلمح له أنها ترفض الزواج من أجل أنها تحبه لكنه لم يفهم تلميحاتها.
انضم يحيى شاهين إلى نفس نَسَق حسين صدقي من خلال فيلم جعلوني مجرمًا عام 1954 م، لكنه لم يتكلم عن العاطفة بقدر احتواءه لشعور الحب الذي بين مجرم بريء وراقصة في كباريه، ذلك الاحتواء الذي استفز أهالي الحارة فاتهموهما بالزنا، لكن الفارق في إظهار الهيبة مع يحيى شاهين أنه كان يقول «يا بنتي» لشخصية أصلاً من سنه، وبالتالي لم يكن هناك مضمون.
أول بروز مباشر لشكل الزي الأزهري في المشاهد الرومانسية كان عن طريق الفنان نور الشريف والذي قدم شخصية المعمم الأزهري مرتين في مسيرته الفنية، كانت الأولى عبر فيلم أين تخبئون الشمس والثانية في فيلم قلب الليل.
لم يختلف شكل الأزهري في فيلم أين تخبئون الشمس عن نسق الواعظ المقدم في الشيخ حسن وجعلوني مجرمًا، فالفيلم أظهر رجل دين معمم وسط مجموعة من الهيبز يرشدهم ويهديهم.
لكن فيلم قلب الليل كان صريحًا في إظهار عاطفة رجل الدين الأزهري الذي لا يعبأ بأي شيء من أجل حبه، وكان الطرح جرئيًا، فجعفر الرواي أحب مروانة وقابلها في الصحراء وافتتن بها، بينما أمها تراه شيطانًا سيغير حياة ابنتها، لكن لم يدم الزي الأزهري طويلاً إذ انسلخ جعفر عن البيئة التي نشأ فيها.
لي لي وحصاد قلب الليل
أجرأ شكل حتى الآن قَدَّم شخصية الأزهري في المشاهد الرومانسية هو الفيلم القصير لي لي للفنان عمرو واكد والذي يتناول قصة إمام مسجد في حي الباطنية وخلاله يتعرض لضغوط مع الشهوة والإغراءات، وقد تعرض الفيلم حينها لهجومٍ ضارٍ وامتد أثره حتى السنوات الأخيرة، فالشيخ منصور مندور كبير الأئمة بوزارة الأوقاف عندما هاجم فيلم مولانا قال عن فيلم لي لي «أساء لسمعة أئمة المساجد وترك بصمةً سوداء عن حياتها ولم يفرق الفيلم حينها بين المؤذن ومقيم الشعائر وإمام المسجد».
مرحلة فاتن أمل حربي .. سيرالية غير واقعية
آخر ظهور لشخصية الأزهري في المشاهد الرومانسية كان عبر مسلسل فاتن أمل حربي، والخلاف بينه وبين ما ذَكِر أعلاه، في عدم معقولية قاعدة التلاقي.
ففي الأساس لا يوجد مقابلة بين أزهري يعمل في دار الافتاء أو لجنة الفتوى بالأزهر ويقابل امرأة داخل مقر العمل لسبب غير الفتوى أو لقضية.
الإشكالية الأبرز في الخلط بين أجواء السبعينيات وأجواء 2022 فغير واقعي أن يقابل أزهري بزيه الأزهري امرأة في مكان عام ومعهما زجاجات بيبسي، ليس لشيء سوى أن المكان لا يناسب الزي، بل هناك متزوجين لا يخرجون بزيهم الأزهري مع زوجاتهم في الأماكن العامة، ليس لشيء سوى أنه لكل مقام مقال، ويتشابه هذا مع مشهد سيرالي غير مفهوم في مسلسل إمام الدعاة، ففي ليلة الدخلة كان العريس يرتدي الزي الأزهري وخلع العمة والقفطان والكاكوكلا عندما دخل على زوجته، على الرغم من أن الزي حينها كان جلبابًا أبيضًا.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال