عبدالباسط حمودة.. شيخ الطريقة الواضح كطلقة رصاص
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
ما الذي يربطني بالأغنيات؟ الارتباط عندي تخلقه الأحداث أو الاستثنائية، فمثلا أم كلثوم مرتبطة عندي بلحظات الصفاء والهدوء الليلي، بينما صوت كمحرم فؤاد يرتبط عندي بلحظات العمل بينما يحمل عبدالوهاب أفيون الشغل، فحينما يكون هناك عمل ما يحتاج إلى سرعة ودقة أو هناك ضغط شغل يكون عبدالوهاب، وهكذا، بينما يرتبط عبدالباسط حمودة بالحياة نفسها تلك اللحظات العابرة التي لا تنسى.
والدنيا هس هس
يحتل الحكمدار مكانه غير مسبوقة في لدى الجمهور، مكانه لم يسبقه لها مطرب قط، ربما عبدالباسط لم يكن في نجومية أحمد عدوية وربنا ليس في شعبية شعبان عبدالرحيم أو غيرهما من الأسماء ولكن الحكمدار هو الوحيد على الإطلاق الذي يتحدث عنه الجمهور بهيبة، تلك الهيبة المحبوبة المليئة بالقداسة والتبجيل وكأن الحكمدار ليس مطربًا شعبيا بل هو أقرب لشيخ الطريقة عند الصوفية، وهو بالفعل شيخ طريقة.
بعيدا عن الموسيقى وما يقدمه عبدالباسط حمودة والتي يمكن أن نفرد لها مقال أخر، عبدالباسط له في نفوس جمهوره تقديس من نوع خاص، تقديس لصاحب الهيبة الذي يكون بجوارك دائما، تقديس لشخصية الحكيم قليل الكلام ولكنه حين يتحدث ينطق بالدرر والأفكار والدروس، ينطق بالحكمة دائما فيجعلنا نرى الأمور والحياة بشكل مختلف، ليحضر السؤال كجن يخيم على المكان، لماذا عبدالباسط حمودة دون غيره؟
اللي زيك يا أبني خلصوا
قالت صديقتي أسما في بوست هزلي لموصفات الحبيب المنتظر، أن يكون واضحًا كطلقة رصاص، وفي رأيي هذا الوصف لا ينطبق سوى على صوت عبدالباسط حمودة وحده دون سواه، فصوته أقرب لطلقة رصاص تصيب هدفها بدقة متناهية، وهذا الهدف هو وتر دقيق في الروح وتر يحمل مفاتيح مجموعة من المشاعر المتناقضة المختلطة في مزيج عجيب، فحينما تسمع الحكمدار ستجد نفسك تشعر بالراحة والشجن والسعادة والرغبة في الحياة والتأمل، هكذا دفعة واحدة.
ولأن الجنس البشري غير مصمم على التعامل مع كل هذه المشاعر المتناقضة في نفس الوقت، تجد الجسم يتمرد ويبدأ في الحياة وحده فيشرد متأملا تارة، وتارة يتمايل ويتراقص، وفجأة تعلو الضحكة شفاه ثم تختفي لتختفي العينين تحت سحابة حزن، هكذا وبعشوائية مطلقة دون ترتيب نتأرجح بين هذه المشاعر دون إرادة منا ودون قصد، فقط نحن نسمع الحكمدار ليس إلا.
هيهاي.. هاهااا
أراهنك حتى لو تكن من محبي الحكمدار أنك قرأت السطر السابق “العنوان الفرعي” بصوت وأداء عبد الباسط حمودة، هكذا هو كالماء يتغلغل ويتسرب إليك حتى لو لم تكن من مريديه وعشاقه، تلك البساطة في صوته تجعله ينسل إلى الروح كما ينسل هواء الليل من بين فتحات النوافذ، فيغمرك بلسعة برد لطيفة، لسعة برد تجعلك تنكمش في سعادة طالبًا المزيد من الدفء.
بالفعل هو يحدث ذلك التأثير الغريب في الروح، ربما لبساطة صوته رغم قوته ومساحته المهولة، أو لبساطة وتلقائية أداءه، فحينما تسمعه يغني تغني معه مسترشدًا بصوته وتشعر أن الأمر بسيط ولكن حينما تحاول الغناء لعبدالباسط بمفردك ستجد نفسك غارقا في صحراء لا أول لها ولا أخر، وتضل طريقك في الأغنية.
البساطة والتلقائية وقلة الإنتاج مع الاستمرارية وجودته واستقراره في منطقة بعينها لا يحيد عنها بل قدرته على تطويع أشكال الموسيقى المختلفة على صوته، كل هذا نسج تلك الهالة المهيبة حول الحكمدار، ليتربع منفردا على هذا العرش، عرش الهيبة، كشيخ طريقة لا يتحدث عن الحكمة بل يطلقها بوضوح طلقة رصاص فتقتلك لتحيا.
إقرأ أيضاً
تترات مسلسلات رمضان (10) .. أغاني خاصة أم أغاني تترات
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال