عبدالغفور البرعي ليس ديكتاتوريًا “أشياء ظلمها مقال جحيم النوستالجيا”
-
منتهى أحمد الشريف
منتهى أحمد الشريف، باحثة شابة في العلوم الإسلامية، تخرجت من كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
طيلة 5 سنوات على السوشيال ميديا لم يغب عبدالغفور البرعي ومسلسل لن أعيش في جلباب أبي عن أي ترند فهو موجود كـ تاريخ وكـ كوميكسات، وآخر أوجه الظهور بعد انتهاء مسلسلات رمضان هذا العام، حيث سأل كثيرون في صيغة ساخرة عن الأعمال الدرامية البديلة التي يشاهدها المصريين فكان مسلسل لن أعيش في جلباب أبي ضمن القائمة الأولى.
اقرأ أيضًا
مقال جحيم النوستالجيا
الثقل الذي اكتسبه مسلسل لن أعيش في جلباب أبي جعل البعض يضفي عليه جوانب إبداعية فهناك من تخيل أن أبطاله كتبوا مذكراتهم الشخصية وهناك من انتقد العمل وكل من فيه، وآخر من انتقد شخصية عبدالغفور البرعي الزميلة هند مختار في مقالها جحيم النوستالجيا.
الطريق إلى النقد مفروش بالنوايا الحسنة .. ولكن
استهلت الزميلة هند مختار مقالها أن الدراما في مصر خلال الثمانينيات والتسعينيات ركزت على سلطة الأب، ويبدو أن هذا الحكم مجحفًا لأعمال درامية ركزت على قوة المرأة مثل مسلسل الوتد أيقونة الدراما الذي أظهر قوة المرأة من خلال شخصية فاطمة تعلبة، يليه مسلسل الشهد والدموع الذي تناول سلطة الأب لكنه ركز على قوة الأم، وبعده مسلسل حصاد الشر التي تناول تحدي المرأة لظلم كبير القرية، غير أننا لسنا بصدد الكلام عن تقييم مسلسلات الثمانينيات والتسعينيات.
اقرأ أيضًا
نور الشريف ونجيب محفوظ “صُدَف المشوار والرحيل بين الأستاذ المريد والأديب”
كذلك فإن النوستالجيا ليست جحيمًا في العموم، فالحنين للماضي مجرد حالة شعورية نفسية لا تصل إلى الجحيم إلا إذا انقلبت لحالة مرضية.
في إنصاف الحاج عبدالغفور البرعي
انتقدت الزميلة هند مختار شخصية عبدالغفور في 3 جوانب هي «علاقته مع ابنه، السلطوية على بناته، البخل على أسرته».
عن علاقة عبدالغفور البرعي مع ابنه عبدالوهاب قالت الزميلة هند مختار أنه عامل ابنه بقسوة غير مبررة، والرد على هذا النقد أن هناك عدة أشياء خافية عن هذا الطرح فبدايةً هل أقر عبدالغفور بخطأه ذاك أم لا ؟.
الإجابة نجدها في الحلقة 35 من المشهد الذي جمعهما بعد طلاق روزالين حيث اعترف عبدالغفور بقسوته لكنه لم يبدي كرهًا لولده أو فرحًا وشماتة في فشله وهو الشيء الذي كان يتوهمه عبدالوهاب حين قال «بس أنا مش ندمان على أي حاجة عملتها» فرد عليه عبدالغفور «جرى إيه يا ياض إنت فاكرني شمتان فيك، مافيش أب يشمت في ابنه، كل أب يتمنى إن ابنه يبقى أحسن منه وأنا كنت دايمًا ولغاية دلوقتي بتمنى تبقى أحسن مني، كنت فاكر إن اللي عملته ووصلت له مش هيبقى حاجة جنب اللي انت هتقدر تعمله».
المشهد الذي جمع عبدالغفور وعبدالوهاب يعتبر أقوى ماستر سين في المسلسل كله، فخلاله كشف عبدالغفور عن سبب قسوته حيث كان يطارده ماضيه إذ كان والده يدلله وأدى هذا التدليل إلى ضياعه فخشي عبدالغفور أن يتكرر هذا مع ابنه، ومع ذلك أقر بخطأه.
انتقدت كذلك الزميلة هند مختار شخصية عبدالغفور البرعي بأنه شخص بخيل على أسرته حيث أجر الفيلا لسفارة وجعلهم يسكنون في شقة لأن المال أهم من راحة ورفاهية أسرته وهو صاحب الكلمة المطلقة العليا التي لا ترد.
لا يمكن التوصل إلى صحة هذا النقد إلا بعد التدقيق في عمق الحوارات بين الشخصيات، والتركيز في الأحداث، فأول مشروع توسعي قام به عبدالغفور البرعي بعد تأسيس وكالة جديدة وتشييد مصنع هو شراء عمارتين على الجاهز وبناء عمارة سكن في طابقها الأخير مع أسرته ثم اشترى الطائرة خردة وهذا أكسبه شهرة بين الشخصيات العامة والأجنبية وأكسبه المال أيضًا فقام ببناء فيلا بعد مرحلة الاستقرار الذي اعتادت عليه الأسرة في الشقة وتأقلمت معه، ومن ناحية أخرى فهناك بُعْد أسري غرضه تقارب أفراد الأسرة.
كذلك لم يكن عبدالغفور هو صاحب الكلمة العليا التي لا ترد فعندما اقترح على فاطمة زوجته بعد زواج عبدالوهاب وإخوته في الحلقة 36 بيع الشقة لكبر مساحتها عليهما وشراء شقة أخرى تلائمه مع زوجته رفضت فاطمة هذا الاقتراح وقالت بضرورة أن تظل الشقة كما هي لتجمع أحفادهم وأن تكون مثلما تركها أولادها بكامل أغراضهم بها.
انتقدت أيضًا الزميلة هند مختار شخصية عبدالغفور في مسألة تحكمه والسلطوية التي يمارسها على بناته فهو لم يعطيهن حق الاختيار والتجربة، وهذا الكلام ينافي أحداث المسلسل فشعار عبدالغفور «أنا حاجتين متدخلش فيهم .. العلام والجواز»، ويدلل على ذلك أنه في حواره مع ابنته نظيرة حول التحاقها بالجامعة الأمريكية رغم مصاريفها التي تصل إلى الآلاف في التيرم الواحد، استغرب عبدالغفور من المبلغ ثم وافق.
لم يتدخل برأيه ولم يتحكم في أي زيجة من زيجات بناته، فرغم عدم ارتياحه لشخص نبيل بن الوزير الذي أراد الزواج من سنية، وافق عبدالغفور عليه لأن ابنته تحبه وترغب في الزواج منه.
وعندما رفضت بهيرة الرجوع إلى زوجها إبراهيم محفوظ سردينة رغم أنها تحبه ورغم إعجاب عبدالغفور به وتدخله للإصلاح بينهما لم يعارض ابنته أو يرغمها على موقفها، وحين اتهمته زوجته بأنه يؤثر عليها ويساندها في قرارها نفى هذا، بل إن إبراهيم طالبه بالضغط عليها لكن عبدالغفور رفض رغم تمسكه به.
سلطوية الأب .. لماذا عبدالغفور البرعي بريء منها ؟
اعتبرت الزميلة هند مختار أن مسلسل لن أعيش في جلباب أبي امتداد للمسلسلات التي ترسخ لسلطة الأب وتجعل المرأة كائن يؤمر حيث قالت «هذه الأعمال الدرامية وما شابهها والتي للأسف مصنوعة بشكل جيد وتحمل في طياتها كل عوامل الجاذبية، تؤصل للسلطة الأبوية والذكورية، فالمرأة هنا شخصية مفعول بها دائما وشخصية رد فعل فقط، فلا توجد لها حرية في الاختيار إلا في حدود ما تسمح به السلطة الأبوية».
هل ظهرت المرأة في شخصية المفعول بها في المسلسل وحرمانها من حرية الاختيار ؟، الإجابة لا، لأن هناك نماذج عدة في أحداث المسلسل ظهرت المرأة فيه بأنها تملك السلطة وحق القرار وحتى حق التحكم في الرجل، فمثلاً توجد زوجة الوزير التي كانت صاحبة القرار والمتحكمة في إدارة البيوت بل وتحكمت في بيت عبدالغفور نفسه حين أصرت على أن يكون العفش كلاسيكيًا قديمًا.
كذلك فاطمة كشري كانت لها شخصية وصاحبة القرار الأول في حياتها، فهي أصرت على الزواج من عبدالغفور البرعي ورفضت الزواج من مرسي وعندما تحدث معها أخوها سيد على خوفه من كلام الناس والفضايح بعد حادث عبده قالت «يقولوا اللي يقولوه».
توجد أيضًا شخصية فتحية زوجة سيد التي كانت متحكمة في زوجها وأولادها، كذلك شخصية نوفا التي كانت الأقوى من زوجها خضير، ولم يركز المسلسل على أن المرأة كائن هامشي، بل في الحلقة السادسة خلال الحوار الذي جمع محفوظ مع زوجته وأبيه قال محفوظ لامرأته “متتحشريش في الشغل” فقال له أبوه “أمك كانت تعرف كل حاجة عن شغلي، مراتك ستر وغطا عليك”.
لن أعيش في جلباب أبي .. الاسم الذي فُهِم معناه خطأً
عبدالوهاب لم يكن يعاني من سلطة الأب بل كان يعاني من حضور والده ونجاحه إذ أن عبدالغفور كان يمتلك هالة النجاح والصيت الذي له رهبة خاف منها عبدالوهاب ولم يحاول أن يفعل أي شيء سوى الهروب إلى أمريكا وحين استقر بمصر أراد التنصل من أهله بالزواج من امرأة أجنبية وحاول أن يجد نفسه معها ويحقق النجاح الذي سيُنْسَب له ويقول الناس عبدالوهاب عمل وليس عبدالوهاب ابن عبدالغفور عمل.
تشير الزميلة هند مختار إلى أن المسلسل يشدد على وجود النجاح حين يرجع الابن إلى أبيه ويكون تحت سيطرته، لكن العمل لم يشير إلى ذلك، فمثلاً العلاقة بين إبراهيم ووالده محفوظ سردينة، فالأب يعمل في الخردة بينما الابن عمل في البلاستيك واستقل بنفسه وصار له اسم ونجح في التفوق بعيدًا عن حظيرة الأب، أما عبدالوهاب فلم يحاول من الأساس، فقط استسلم لخوفه من نجاح أبيه.
عبدالغفور ليس ملاكًا
في النهاية إن أردنا أن نوجه نقدًا لشخصية عبدالغفور فإن هناك عيب رئيسي وهو الروتينية في التربية، إذ أنه لم يكن يتفرغ للاستماع إلى أولاده لانشغاله في عمله ولم يعطيهم الأبوة جيدًا لانهماكه في الوكالة التي لم يأخذ منها أجازة إلا مرتين الأولى في وفاة الحاج سردينة والثانية حين مات فهيم أفندي.
الكاتب
-
منتهى أحمد الشريف
منتهى أحمد الشريف، باحثة شابة في العلوم الإسلامية، تخرجت من كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال