عبد الحليم ليس “فوتوجينيك”
لم ينم عبد الحليم حافظ في تلك الليلة ، التي صوره فيها المخرج عاطف سالم وذلك نهاية عام 1953 بعد أن أخبره أنه سوف يضع تلك المشاهد في (تترات) فيلم ( فجر) ليراه الناس ، الغريب أن الأغنية لم تكن أساسا من نصيب عبد الحليم ، كان المفروض أن يغنيها المطرب الأشهر في ذلك الزمن عبد الغني السيد ، إلا أن خلافا فنيا على أسلوب الأداء مع الملحن كمال الطويل حال دون ذلك ، وغادر عبد الغني الاستوديو غاضبا و مزمجرا وساخرا من الطويل ( فاكر نفسك عامل كوفاديس) وكان هذا هو أسم فيلم أميركي تاريخي ضخم التكلفة ، فأنقذ عبد الحليم الموقف ، حيث كان في ذلك الوقت عازفا (للأبوا ) في الفرقة اثناء البروفات ، وسجل الأغنية ، لم يكن لعبد الحليم دور في الفيلم ، ولكنه فقط سيظهر في (التتر) ، إلا أن الفرحة لم تكتمل ، وذلك أن المنتجة ماري كويني اخبرت المخرج أنها بعد أن شاهدت صور عبد الحليم لم تقتنع به أمام الكاميرا ، وسوف تكتفي فقط بصوته ، لأن ملامحه ليست ( فوتوجينيك ).
الغريب في الأمر أن عبد الحليم بعد بضعة أشهر يقدم أغنية ( على قد الشوق اللي في عيوني يا جميل سلم ) وتحقق نجاحا جماهيريا ضخما ، ويتهافت عليه المنتجون خاصة بعد نجاح فيلمه ( لحن الوفاء) فتسعي ماري كويني للتعاقد معه بالرقم الذي يريده ، إلا أنه يرفض تماما أن يقدم من انتاجها أي أفلام ، فهو لم يكن يتسامح بسهولة مع من رفضوه في البداية .
حكايات مماثلة ستجد أن نجوما موهبين تعرضوا لها ،مثلا لم يقتنع أنور وجدي بأن عادل أدهم من الممكن أن يُصبح ممثلا ،وذلك في نهاية الأربعينيات ، عندما ذهب إلى مكتبه بحثا عن فرصة ، فقال له بعد ان أجرى الاختبار بطريقة توحي بالرفض ( لما نعوزك ح نقولك) ، فغادر عادل أدهم المكتب ولم يعد ،قبل ذلك بسنوات كان أنور وجدي يشن هجوما كاسحا على النجم الجديد كمال الشناوي الذي بزغ نجمه في مطلع الاربعينيات ، وكان يصفه أنه مجرد ( واد شكله حلو وشعره ناعم ) سرعان ما سوف ينتهي وكأن شيئا لم يكن .
أما المخرج التليفزيوني محمد فاضل فلقد نصح محمود عبد العزيز بأن ينسي تماما حلمه بالتمثيل ، ولهذا قرر محمود كرد فعل السفر إلى فيينا لكي يبيع جرائد هناك ، وبعد عام يعود مجددا للقاهرة محققا في غضون سنوات قلائل نجاحا طاغيا أهله ليُصبح واحدا من أهم نجوم السينما العربية ، وقدم العديد من المسلسلات أشهرها ( رأفت الهجان ) مع المخرج يحيي العلمي منافس محمد فاضل الأول .
المطرب محرم فؤاد الذي انطلق في نهاية الخمسينيات ، في حوار تليفزيوني أجراه معه في بداية الألفية الثالثة عمرو أديب ،ذكر أن على الحجار لا يصلح كصوت منفرد ، فهو لا يمكن أن يتجاوز مكانته كأحد أفراد ( الكورال ) ،بينما وصف هاني شاكر بأن عليه أن يغني فقط للأطفال ويبتعد عن الغناء العاطفي .
المخرج صلاح أبوسيف ، تم تكليفه باستكمال تصوير فيلم ( فجر الإسلام ) بعد أن كان المخرج عاطف سالم قد صور منه أسبوعا واسند دورا رئيسا لنور الشريف ، ولكن أصيب عاطف بوعكة صحية حالت دون استكمال تنفيذ الفيلم ،واستتبع الأمر سفره للخارج، أشترط صلاح على جهة الإنتاج أن يعيد تصوير الفيلم ، وأول قرار اتخذه هو استبدال نور الشريف بمذيع تليفزيوني ، كان قد حقق شهرة عريضة في نهاية الستينيات ،وهو عبد الرحمن على ، وربما هذا يفسر لك لماذا طوال تاريخ نور الشريف والمخرج صلاح أبوسيف لم يلتقيا فنيا ، بينما قدم نور أفلاما لمخرجين من جيل أبوسيف مثل مكتشفه حسن الامام ويوسف شاهين وكمال الشيخ وعاطف سالم .
الكبار في كل المهن لديهم قطعا خبرة ووجهة نظر يعتد بها ،إلا أنهم أيضا يخطئون ، ليس بالضرورة عن تعمد ، من الممكن أن يخونهم التقدير ، مثل ماري كويني وأنور وجدي و محرم فؤاد وصلاح أبوسيف ولكل جواد كبوة ، واحيانا كبوتين !!