عبد الرحمن أبو زهرة .. درويش الفن الحقيقي
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
عزيزي عبد الرحمن أبو زهرة .. قدر الدروايش طلب العدل
(1) خذلان البدايات
هي بلاد لا تعرف سوى النجوم التي تضيء بقوة، حتى لو كانت مجرد انعكاس لقمر صناعي يضيء لاقترابه من الأرض، لا حاجة لها بتقدير حجم النجم حسب قدراته، الكل مشغول بالضوء حتى لو كان زائفاً.
وفي محافظة دمياط تحديداً في السابع من مارس/آذار عام 1934 أطلق الطفل عبد الرحمن صرخته الأولى، حين استقبل الدنيا صباحاً ربما كان والده مشغولاً بعمل ما ولم يحضر ولادته، ربما كان هناك في الشارع نفسه حالة وفاة.
قدر صاحبنا ألا تدركه البدايات، وألا تلحظه العيون عند كل صباح.
(2) نداهة الحلم
يقولون إن الحلم يشبه «النداهة» يجذبك طيلة حياتك، إما تقاومه وتسقط في بحوره العميقة أو تطاوعه وتغرق أيضاً في فشل عميق أو يطير بك حتى تلمس عنان السماء.
جذب الشاب عبد الرحمن أبو زهرة حلمه فانتسب إلى المعهد العالي للفنون المسرحية رغم عمله في وزارة الدفاع – الحربية آنذاك-، لم يستسغ طعم المكاتب المترب، وذلك الروتين اليومي الذي يشبه بصمة إصبع لا تتغير يضعها في دفتر الحضور والانصراف كل يوم، وفي عام 1958 تخرج ليتم تعيينه ممثلاً في المسرح القومي عام 1959.
غادر صاحبنا تراب المكاتب إلى خشبة المسرح وعمره 25 عاماً، بداية جديدة كان يعرف أنها ستبقى مثل كل البدايات لا يلحظه فيها أحد.
(3) الدرويش
المجاذيب والدراويش لا ينتظرون شيئاً، لا يحلمون بمقابل لحبهم وعطائهم، لا ينتظرون مجداً ولا شهرة، كذلك كان هو عندما شارك في أول أعماله الفنية في مسرحية «عودة الشباب» ودور بسيط أمام مريم فخر الدين ومحمود المليجي في فيلم «شباب اليوم» عام 58، وفي عدة أفلام ومسرحيات خلال الستينيات والسبعينيات أشهرها مسرحية «السسبنسة»، مسرحية «ياسين وبهية» وفيلم «بئر الحرمان» وفيلم «الاختيار» ومسلسل «الهروب».
البدايات طالت، كل من يعملون خلف الكاميرا يشيرون إلى موهبة عميقة يمتلكها عبد الرحمن أبو زهرة، لكن الجمهور مشغول بضياء آخر.
كان يكفيه فقط حين العودة إلى منزله إغماض عينيه واستعادة تصفيق الجمهور على خشبة المسرح، لذلك لم ينقطع أبداً عن العمل المسرحي رغم إرهاقه، الدرويش العاشق يهبه الوصل حياة.
(4) الـ 60
الحياة تبدأ بعد سن الستين، مقولة تنطبق بشدة على الفنان عبد الرحمن أبو زهرة إذا تم تغييرها إلى الشهرة، فبعد العمل التلفزيوني المكثف في الثمانينيات ودخول كل البيوت عن طريق مسلسلات «صيام صيام» و«الباقي من الزمن ساعة»، و«فوازير ألف ليلة وليلة» وغيرها كان على موعد مع اللمعان تحديداً بعد مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي» أمام نور الشريف عام 95، عندما قدّم إليه الحاج سردينة طريقاً ممهداً إلى عيون وقلوب الناس التي أدهشها هذا الممثل ذو الوجه المثلث والشعر الأبيض والعيون المسكونة وكأنها تراه للمرة الأولى.
أدرك الكثيرون للمرة الأولى أنهم أمام ممثل استثنائي، ومن بعدها ومن خلال أعمال مثل «أرض الخوف»و«جحا المصري» و«المصراوية» والعديد من الأعمال كان نجم عبد الرحمن أبو زهرة يعلو ويرتفع بعدما تجاوز لعنة البدايات.
(5) سكار وسردينة
عام 1994 قدم عبد الرحمن أبو زهرة دوراً صوتياً لا ينسي من خلال شخصية «سكار» في فيلم الرسوم المتحركة «الملك الأسد»، وغنى خلالها أغنية «استعدوا»، ربما تساءل الكثيرون ساعتها عن صاحب هذا الصوت الذين لم يعرفوه للوهلة الأولى، وربما عرفوه بعد دور «الحج سردينة».
لكن الفنان الذي أتم هذا العام ٨٦ عاماً كان يتعامل بجدية مع كل أعماله، لدرجة أنه عام 2012 قام بتسجيل مسلسل إذاعي بالكامل لشهر رمضان ورجله مكسورة فقط لأنه أعجب بالدور، وكثيراً ما يقبل العمل في أفلام قصيرة ودون مقابل لأنه معجب بالفكرة.
رغم النجومية ورغم تقديم ما يزيد عن 200 عمل فني ما بين السينما والمسرح والتليفزيون خلال مشوار استمر يزيد عن ٦٠ عاماً لم تفارقه روح الدرويش المجذوب العاشق.
طوبى لفنان مثل عبد الرحمن أبو زهرة واللعنة تصيب من يتجاهله.
الكاتب
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال