عبد الغفور وفاطمة: بحثًا عن سر الثنائي الأجمل
-
أحمد مدحت
كاتب نجم جديد
بعد مرور 24 عامًا على عرضه الأول، وفي ظاهرة مدهشة، ما يزال مسلسل “لن أعيش في جلباب أبي” قادرًا على حجز مكانًا بارزًا في صدارة المسلسلات العربية الأكثر مشاهدة، محققًا شعبية لا أعتقد أن عملًا دراميًا غيره استطاع أن ينافسه بخصوصها، حتى أن معظم الفضائيات المصرية، بل والعربية، تحرص على إعادة عرضه كل عام، وفي كل مرة تعود آلاف- ربما ملايين؟- من البيوت للائتناس برفقة أسرة الحاج “عبد الغفور البرعي”، بشخصياتها العميقة في بساطتها وصدقها، بصراعاتهم اليومية البسيط منها والمعقد.
لو كنتَ مستخدمًا نشطًا لأحد مواقع التواصل الاجتماعي، فمن الصعب أن يمر عليك يوم أو يومين على الأكثر دون أن تصادف مشهدًا من المسلسل، مكتوبًا أو كمقطع فيديو، وعادةً ما يحقق كل ما يُنقَل من المسلسل انتشارًا جيدًا، بالتحديد عبر “فيسبوك”.. المُدهِش بحق هو حالة التفاعل التي لا ترتبط بسن معين، فغالبًا ما ستجد بين المعلقين أو المشاركين مَن لم يولدوا وقت عرض المسلسل من الأساس، شباب لم يكمل العشرين يشاهدون عملًا اجتماعيًا يحكي أجواء زمن آخر لا يخصهم، لكنهم يصدقونه.. وسر المصداقية والتقارب النفسي يتعلق بالتحديد بمتابعة قصة الثنائي الرومانسي الأجمل: الزوجين “عبد الغفور وفاطمة”، أو “فاطنة” كما اعتاد أن ينطق اسمها بطريقته المميزة، التي ما يزال قلبي يطرب عند سماعها بصوت الجميل الراحل “نور الشريف“.
قدمتْ “عبلة كامل” واحدًا من أعظم التجسيدات في الدراما العربية؛ منحتْ شخصية “فاطمة” تفاصيلًا تخصها وحدها، طريقة معينة في الحديث والمشي والكلام، حتى حركة يديها، بالذات في أوقات انفعالها؛ فاستطاعتْ من خلال غزل تفاصيل بسيطة أن تخلق شخصية حقيقية بشكل يبدو أكثر كثافة من حياتنا الحقيقية نفسها! ثم كان الأداء الاستثنائي المقابل للأستاذ “نور”، فشكلا ثنائية لا مثيل لها، عبر رحلة “عبده وفاطنة” من الشباب للشيخوخة، طريق طويل يقطعاه سويًا، والمشاهد بصحبتهما.. تأثير المسلسل الوجداني على متابعيه غالبًا يتعلق بهذه الرحلة تحديدًا، رحلة الزوجين المتحابين، حتى أصبحا أيقونة الحب كما نتمنى أن نعيشه.
فلماذا تعلقنا بقصة الحب هذه بالتحديد، من بين كل الأعمال الفنية؟
ع الأصل دوَّر
والأصل هنا ليس مقصودًا به أن يمتلك المرء شجرة عائلة عريقة يفتخر بها، على طريقة الأرستقراطيين، لكنه يتعلق بمعدن الإنسان الأصيل، البعيد عن كل ما هو مُزيَّف ومخادِع من القيم.. أحبت فاطمة عبد الغفور وهو فقير، يجمع القرش فوق القرش ليبني لنفسه مستقبلًا أفضل، وخلعتْ له “غوايشها” بعد أن طلبها منها وهي زوجته، لم تتردد ولو للحظة، بل قدمتها له في رضا كامل وهي تخبره أن كل شيء فداه.. اغتنى عبد الغفور، وأصبح واحدًا من كبار التجار، وظل على عهد الوفاء والمحبة لرفيقة دربه، فلم يفكر مثلًا في الزواج عليها من فتاة أصغر سنًا وأكثر جمالًا، أو يبحث عن امرأة أفضل من حيث الحسب والنسب لتنمية تجارته وشبكة علاقاته، كما يفكر بعض ممن يصعدون إلى القمة، ثم يركلون بغلظة مَن شاركهم رحلة الصعود من القاع.
طوال أحداث المسلسل، بين مرحلتي الفقر والثراء، لن تلحظ تغيرًا في تفاصيل العلاقة بين الثنائي الجميل، كشريكا حياة أكثر ما يُميزهما أن كل منهما يستحق أن يوصَف بأنه “أصيل”، الكلمة كثيرة الاستخدام لفظيًا، قليلة الوجود في لحظات الاختبار.
شخصيتان قويتان تحت سقف واحد
لا يمكن وصف “فاطمة” بأنها صاحبة شخصية ضعيفة أبدًا، فهي تتمتع بشخصية قوية حامية الطباع، وقد تنفلت أعصابها بسهولة، وعنيدة أحيانًا لدرجة لا تلين، وعرَّكتها الحياة في شبابها، فكيف يمكن ان تنسجم امرأة مثل هذه مع رجل له شخصية قوية حاسمة مثل “عبد الغفور”؟
ربما يكمن السر في قوة الشخصية الحقيقية التي يتمتع بها “عبد الغفور” نفسه، فلم يكن يسعى لكسرها مثلًا ليثبت لنفسه أنه الرجل القادر على هذا.. استطاعا استيعاب بعضهما البعض، دون أن يحاول طرف ان يفرض سيطرة مطلقة، حتى شجاراتهما كانت تُحَل دون أن يطول الخِصام، في تناغم واستيعاب متبادَل، بالرغم من صعوبة أن يقتسم شخصيتان قويتان حياة مشتركة، إلا أن بعض النُضج يبدو قادرًا على حل المعضلة، آه وهناك شيء آخر له مفعول السحر في خلق هذا التناغم بين شريكين: الحب، في معناه الحقيقي من مودة ورحمة.
رومانسية عبد الغفور الذكية
يتمتع “عبد الغفور” بذكاء ونباهة من نوع خاص، وهذا ما يتأكد للمشاهد حلقة بعد حلقة خلال رحلة المسلسل، وكنتُ دومًا ما أرى أن حدة ذكائه تتضح في حرصه المستمر على مغازلة “فاطمة” بطريقته الجميلة شديدة اللُطف، التي أحبها كل مَن شاهد المسلسل، واسترضائه الذكي لها في أوقات غضبها بحكم ميلها الشخصي للحِمية والاندفاع، حتى أنه لم يكن يخجل من امتداحها أمام الجميع، وهو ما يعجز عنه الكثير من رجالنا الآن للأسف، ويجدون فيه ضعفًا وانتقاصًا من رجولتهم.. “فاطمة” رومانسية للغاية بالرغم من قوة شخصيتها، وهذا ما عرفه شريك حياتها جيدًا منذ خطواتهما الأولى سويًا، لذا لم يحرمها من عبارات الغزل والرومانسية التي يطرب لها قلبها، حتى وقد شاب شَعرها، وشَعره، فالقلوب التي تتشبع بالحب، وتأخذ كفايتها منه، لا تشيب أبدًا.
الكاتب
-
أحمد مدحت
كاتب نجم جديد