عزيزي أو عزيزتي استخدم عقلك .. لا تكن بهيمة
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة
لو استفزك العنوان ودخلت إلى المقال ظنًا منك أنني أشتمك أو أشتم البهيمة فهي فرصة مهمة لنتذكر جميعًا الفرق بيننا كإنسان والبهائم كحيوانات أدنى لأنه على ما يبدو لي أن الفارق أخذ في التضائل حتى أنني أصبحت ألحظ تلاشيه واضحًا من خلال تفاعلات لبشر هم أقرب للبهائم من طبيعتهم الإنسانية التي كان يفترض أن يكونوا عليها، وصدقني يا عزيزي/تي الدرجة العلمية والوظيفية ليس لها أي علاقة بهذا الفارق حيث لم يعد التعليم مؤشرًا على الترقي الإنساني بل هو مجرد شهادة تعتمدها الجهات الرسمية تفيد بإنهاء الطالب سنوات دراسية محددة حتى وإن لم يكن مستحقًا لاجتيازها.
” أنا أفكر؛ ولذلك أنا موجود “
قالها ديكارت قبل أكثر من ٣٠٠ عام وهو صاحب منهج العقلانية والفيلسوف وعالم الرياضيات، ولخص بعبارته الفارق بين الإنسان والحيوان.
في التشريح البشري عرفنا إن الفارق بين الإنسان والحيوان هو وجود ما يسمى بالقشرة المخية والتي تقوم بشكل مبسط جدًا بوظيفتين
الوظيفة الأولى
التحكم في الغرائز أو الرغبات المدفوعة بالعاطفة فقط فمثلًا في الظرف الصحي الطبيعي لو تملكت الإنسان رغبة في قضاء حاجته فهو يثبط من هذه الحاجة حتى يصل مكان يستطيع فيه فعل ذلك، وأيضًا لو شعر بحاجة لممارسة الجنس فهو قادر أيضًا على تثبيط تلك الرغبة طالما استحالت الممارسة إلى حين وفي حال اشتهى الإنسان طعام ما أثناء مروره على مخبز أو مطعم واقتحمت الرائحة الزكية كيانه فإن أقصى ما سيحدث داخله هو إفراز اللعاب كرد فعل عاطفي عصبي لكنه قادر على تثبيط رغبته لو لم يكن يستطيع الحصول على الطعام الذي اشتهاهه سواء لعدم قدرته على دفع ثمنه أو لخيار صحي يناسب وضعه أو لقراره بعدم تحمل الزحام الشديد وقضاء وقت في طابور انتظار حتى يصل.
الوظيفة الثانية
هي القدرة على الخيال والتحليل أي التفكير وبمعنى آخر أن الإنسان كلما ابتعدت تصرفاته عن رد الفعل كلما كان أكثر رقيًا واستخدامًا لقشرته المخية وأكثر إنسانية وأقل بهيمية
بحيث إنه يكون قادر على التصرف بعد ضبط انفعلاته بناءًا على التفكير والتحليل
جزء داخلنا يشبه الحيوانات في رد الفعل العصبي لأهداف وظيفية معينة لحمايتنا مثلًا لو تعرضت يدك لحرارة شديدة أثناء فتح صنبور المياه فتلقائيًا تسحب يدك خارج الماء بسرعة حيث لا دور لقشرتك المخية هنا، أثناء نومك لو ضرب ابنك الصغير ساقك فتلقائيًا تحركها بعيدًا عن مصدر الألم وهكذا لذا تخيل لو أن كل انفعالاتك في الحياة جاءت بتلقائية كرد فعل دون استخدام لقشرتك المخية
في هذه الحال ستكون مثل البهائم التي في أكثر رقي لها عندما تخاف تهرب وعندما تغضب تقتل وعندما تعامل بهجوم تفترس وتباغت الآخر.
من هنا نستخلص إن ضبط العاطفة والمقصود بها ضبط رد الفعل والتحكم فيه وفق صورة أوسع من الفعل الذي شهدناه يعود للجزء الذي يميز الإنسان عن البهائم وهو الخاص بالتفكير والتأمل والتدبر لذلك لا يمكن للإنسان أن يكون موجودًا إلا إذا تدبر وتأمل وفكر لإنه في حال تخلى عما سبق أصبح بهيمة وهذا يشرح ببساطة عبارة ديكارت ( أنا أفكر؛ ولذلك أنا موجود )
هل أنت متأكد أنك لست بهيمة؟
لو أنك وصلت معي إلى هذا الجزء من المقال حيث يمكننا أن نتفق سويًا على أن وصف أي إنسان بالـ البهيمة لا يعد شتمًا بل هو توضيح لحالة قرر فيها إنسان أن يتخلى عن الجزء الذي كرمه به الخالق ويحاكي الحيوانات في طريقة تفاعلها مع الحياة رغم عدم امتلاكها للجزء الذي تميزه هو به عنهم.
هنا يفيد أن نسترجع مفهومنا الدارج عن الإنسان “الذي يستخدم” عقله فنصفه بإنه واحد ( عنده نظر ) حيث لا نقصد أن عينيه تبصران بل نعني ما يتجاوز البصر للبصيرة أو الرؤية التي لا تعتمد فقط على الصورة التي تقع عليها العين البشرية بل على التصور الذي يخلص إليه العقل بعد أن يمرر الصورة على قشرته المخية ويحللها ويفهمها ( ومش كل اللي بيشوف يبصر )
لما العلماء درسوا الفارق بين دماغ الإنسان والقرد الذي يعتبر أكثر الحيوانات رقيًا، اكتشفوا عن طريق التصوير بالرنين المغناطيسي لدماغ 25 شخصًا و25 قردًا تشابه ١١ جزءًا من الدماغ من أصل ١٢ وفق تجربتهم ووجدوا إن الجزء الثاني عشر غير موجود في دماغ القردة.
هذا الجزء المختفي من دماغ القرد، هو قشرة الفص الجبهي للدماغ، والذي ميزه العلماء بمسئوليته عن التخطيط الاستراتيجي واتخاذ القرارات والقدرة على تنفيذ مهام متعددة في آن معًا.
نتيجة هذه التجربة تعزز الفكرة السابقة التي تؤكد أن الإنسان القادر على ضبط رغباته وتثبيطها وأيضًا القادر على التصرف وفق آليات التفكير وليس بناًء على رد الفعل هو إنسان يستخدم عقله الذي تميز به عن سائر الكائنات، ويضاف إلى ما سبق اللغة التي ميزنا بها الله أيضًا عن الحيوان والتي تساعد في رسم الصور التي نشهدها في الحياة باستخدام الخيال لندرك المعنى الواسع لما يحيط بنا أي نرى الدنيا رؤية موضوعية، كما هي في حقيقتها وليس كما يُصَوِّرها لنا خوفنا أو غضبنا أو طمعنا أو هوانا.
بإعمالنا عقلنا كما أمرنا الله نصبح موحودين بكيان أو وجدان لا يشبهنا فيه أي من المخلوقات مهما ارتقت نظل نحن البشر أكثر رقيًا بقدرتنا على التّصور بالشدة على التاء وبقدرتنا على استشعار القيم الحسية بالتأمل والتدبر وفهم الغاية من الوجود ونقد الطبيعة وتحليل الصور لتتكون الروئية وتبرز الفروق الإبداعية بين الناس بعضهم بعضًا ومن هذا الاختلاف ندرك الحضارة التي نحن أهلًا لها ونصوغ المستقبل الذي نستحقه.
اقرأ ايضا
يوميات طالب الكلية الحربية (٨) ..النوم على الجبال داخل الهايك
إن التسابق لتحقيق مصطلح “قصف الجبهات” طالما كان مضحكًا واستشعار الانتصار من وراءه على الناس والمباغتة في التعليق والإجابة السريعة في غير اختصاص والهجوم العنيف والعداء المفرط وسوء الظن دون بينة وبحث ودون استخدام للغة والنقاش والحجج تجاه القضايا التي ندعي الدفاع عنها والإخلاص لها إلى جانب اتخاذ المواقف الحدية في الحكم على الموضوعات والأشخاص واستسلامنا للعاطفة دون أن نتوقف لنفكر في الخطة المثالية التي يقتضيها الظرف أو في طرق حل المشكلة بدلًا من الاستسلام لها بالحزن أو بالغضب أو بالشكوى، كلها وغيرها الكثير يجعلنا ندرك كم من الناس شابهوا البهائم وفقدوا إنسانيتهم بمعناها الكامل.
لا يمكننا تقديم المساعدة لإنسان عطل الجزء الذي تميز به عن غيره من الكائنات غير أن نشير إليه من خلال هذا المقال ونذكره ونقول له بشكل واضح: أنت لست بهيمة فاستخدم عقلك!
وسوف اتطرق في مقالات مقبلة عن المعوقات التي تحول بيننا وبين استخدامنا لقشرتنا المخية من مفاهيم مغلوطة ولكن ضع رأسك كاملاً فوق كتفيك قبل أن نلتقي مجدًا، وإلى لقاء.
الكاتب
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة