عزيزي الشيخ الطيب.. أنت بتكلم مين؟
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
خلال الاحتفال بالسنة العاشرة لإنشاء بيت العائلة المصرية، المنوط به دعم روح المواطنة وإيجاد جسور للتقارب بين الدينيين الأكثر انتشارًا في مصر، وخلال كلمته صرح شيخ الأزهر: الدعوات إلى “دين إبراهيمي” أضغاث أحلام ومُصادرة لحرية الاعتقاد، الكلمة نشرت يوم 8 نوفمبر الجاري من سنتنا الظريفة 2021.
بعد التصريح انفجرت “ماسورة” آراء مؤيدة ومعارضة لفكرة “الدين الإبراهيمي” وطرحه كدين موحد يجمع الديانات الإبراهيمية الكبرى (اليهودية، المسيحية، الإسلام)، لكن لم يخبرنا أحد.. من أين أتى مولانا الطيب بهذا المصطلح؟، من طرح هذه الفكرة التي يرفضها ويحذر منها؟.
البحث عن طرف الخيط؟
في فبراير 2019 ألتقى الشيخ الطيب مع البابا فرنسيس “بابا الفاتيكان” في دولة الإمارات، وبمناسبة اللقاء التاريخي أمر سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد دولة أبو ظبي، بإنشاء “بيت العائلة الإبراهيمية“.
المشروع عبارة عن مجمع يضم ثلاث دور عبادة (كنيس – كنيسة – جامع) -كل منها مبنى مستقل- بالإضافة لمتحف يجمع مقتنيات تخص الديانات التلاتة.
البعد السياسي.. وشبح التطبيع
في سبتمبر 2020 وقعت كل من الإمارات والبحرين اتفاقية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، برعاية أمريكية، وحسب عدة مواقع عربية فأن وزارة الخارجية الأمريكية نشرت على صفحتها نص إعلان الاتفاق وجاء فيه: “نحن نشجع جهود دعم الحوار بين الثقافات والأديان للدفع بثقافة سلام بين الديانات الإبراهيمية الثلاث والإنسانية جمعاء”. وهو كلام يخلو من أي إشارة للدمج بين الديانات التلاتة أو التأسيس لدين جديد.
هبات متفرقة.. ورؤى متطرفة
على فترات متباعدة تعالت أصوات محسوبة على الإسلام تتكلم عن دين إبراهيمي موحد، أقربها من تاريخ توقيع الاتفاقية كانت تدوينة الشيخ عبد الله رشدي، المعروف بآراءه المتطرفة والمثيرة للجدل والتي تسببت في إصدار وزارة الأوقاف أكثر من قرار بوقفه عن العمل ومنعه من أعتلاء المنابر.
فُهِمَ كلامه وقتها في حدود الفرقعة أو بحث عن اختلاق “تيرند” جديد، لكن بعد عدة شهور ظهر إشارة قد توضح بلسان من يتحدث صاحب هاشتاج #الأزهر_قادم.
ففي فبراير 2021 ظهرت نسخة أكثر رسمية من تدوينة رشدي؛ ذلك من خلال الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي أسسه الشيخ يوسف القرضاوي، حين نشر الاتحاد على موقعه الرسمي نص البيان الختامي لمؤتمر حمل عنوان موقف الأمة الإسلامية من الديانة الإبراهيمية، وجاء البيان في عشر نقاط، بدء بافتراض وجود ديانة جديدة “مخترعة” ثم تفنن في التأكيد على رفضها وطرح أسباب الرفض.
بدء البيان توضيح أسباب رفض المؤتمر للديانة (المفترضة) بالتأكيد على أن العقيدتين المسيحية واليهودية عقائد محرفة دخلها الشرك والوثنية.
ثم أكد البيان على تسييس الديانة -التي افترضوها- وعلى إنها إملاء ممن أسموهم “أعداء المِلَّة”.
جاء البند السادس ليوضح أن رؤية المؤتمر تصنف القضية الفلسطينية كقضية دينية وأن الصراع هو بين اليهود والمسلمين، وكأن كلا الدولتين لا يوجد بهما مسيحيين وكأن إسرائيل لا يوجد بها مسلمون، ما يتفق ورؤية الجماعات الدينية المتطرفة ضيقة الأفق. وفي ختام البند نفسه أوضحت صياغة البيان أن أسطورة “الدين الإبراهيمي” هي بنت قرائتهم لبيان الخارجية الأمريكية (سالف الذكر) في ضوء رؤيتهم البدائية للعالم (ديار إسلام VS ديار كفر).
بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر
حسب موقع العين الإمراتي حصل مشروع “البيت الإبراهيمي” على مباركة كل من شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان لدرجة “تصديقهما” على تصميم المشروع بالإضافة لإطلاق اسم كل منهما على دار العبادة الخاص بدينه داخل المجمع المنشود (جامع الشيخ الطيب – كنيسة البابا فرنسيس)، ذلك في يونيو 2021.. أي بعد حوالي 4 شهور من مؤتمر الاتحاد العالمي وبيانه.
بما أنه لا توجد أي جهة أو شخصية دعت لما سُمّْيَ بالدين الإبراهيمي فلم يبقى غير مشروع “البيت الإبراهيمي” ليرتبط به حديث الطيب، مثله في ذلك مثل عبدالله رشدي واتحاد القرضاوي، وهو أمر مستغرب جدًا في ضوء ما سبق ذكره عن علاقة الإمام الأكبر بالمشروع.. وفي ظل العلاقة الممتازة التي تجمعه والأزهر من جهة بالأسرة الحاكمة ودولة الإمارات من جهة أخرى.
تراجع تكتيكي
ما يؤكد أن كلمة الطيب في احتفالية بيت العائلة لم ولن تفهم إلا في السياق المذكور هو صدور بيان رسمي عن المجلس الأعلى للأزهر بتاريخ 11 نوفمبر (بعد 3 أيام من كلمة شيخ الأزهر) يشكر دولة الإمارات على دورها الرائد في خدمة الإسلام والمسلمين، ويخص بالشكر سمو الشيخ محمد بن زايد ودوره في إنشاء مكتبة الأزهر الجديدة.
توقيت البيان يعد سبب قوي لقراءته كمصالحة من مؤسسة الأزهر لأحد أكبر مموليها ومن رئيسها لأحد أهم داعميه الأقليميين، فمشروع المكتبة ليس بالجديد بل أن بداية التعاون بين الطرفين في هذا الشأن تعود لسنة 2012، حين أعلنت السفارة الأمراتية في مصر عن توقيع وزارة شؤون الرئاسة الإماراتية والأزهر الشريف على مذكرة تفاهم حول تمويل الطرف الأول لحزمة من المشروعات يطمح الطرف الثاني تنفيذها، على رأسها مكتبة حديثة ومتطورة، وتجاوزت القيمة المعلنة للتمويل النصف مليار جنيه مصري (155 مليون درهم).
في شهر مايو 2019 قام الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، د. نظير محمد، بجولة ميدانية تفقد خلالها مبنى المكتبة الجديدة وتابع اللمسات الأخيرة، حسب ما جاء في موقع بوابة الأهرام. طوال هذه السنين وخلال كل تلك المراحل لم يصدر الأزهر بيان بمثل هذا الشكل، كما إنه ليس يوم الافتتاح مثلًا أو حتى يوم تحديد موعد الافتتاح.. بالتالي من غير المنتظر أن قول “إتمام إنشاء” يمكن يجعل متابع ما للأحداث يصدق أن بالمصادفة يوم 11 نوفمبر شهد تركيب “كالون الباب” لمكتبة الأزهر الجديدة.
سؤال الحلقة
ختامًا وبعد إجمال كل ما سبق تفصيله، يبقى السؤال قائم: لمن كان يوجه شيخ الأزهر كلمته؟
فيديو كلمة الشيخ الطيب
إقرأ أيضاً
الشيخ منصور الشامي الدمنهوري .. مسيرة قارئ القرآن في بداية خطاب تأميم القناة
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال