عزيزي القارئ .. هل تعلم إنك مُطبع ؟
-
أحمد المقدامي
كاتب نجم جديد
في أبريل عام 1996 ميلاديا إستيقظ العالم الأسلامي و العربي على أنغام النشيد الوطني الأسرائيلي يصدح في قلب مطار الدوحة بينما يقف ” شيمون بريز ” او كما يحلو للصحف الخليجية تسميته بأسم ” شمعون بيرس ” نائب رئيس الوزراء الأسرائيلي حينها .
الأمر الذي سبب صدمة لتلك الجموع الغفيرة ، فمنذ إتفاقية السلام المصرية –الاسرائيلية وبداية المقاطعة العربية الشاملة لمصر إحتجاجا على توقيع تلك الإتفاقية ، لم يتلقى المواطن الشرق الأوسطي صدمة مثل تلك ،حتى رأى بيريز يتجول بأريحية في سوق واقف و شوارع الدوحة، وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة يهديه سيفاً .
الدوحة التي تجيد اللعب على جميع الحبال كانت على أعتاب مرحلة جديدة بعد ظهور الغاز الطبيعي بها لتدخل مرحلة النهضة الخليجية و النقود النفطية ، كانت تدرك جيدا أنه لا سبيل أمامها لتحظى بالرعاية الأمريكية مع الأحتفاظ بعلاقتها بطهران و حزب الله وتركيا إلا من خلال بوابة ” تل ابيب ” .
ظلت الدوحة لسنوات طويلة تحمل وصمة العار تلك وحدها دون غيرها من الدول العربية والأسلامية بأنها “حليفة أسرائيل ” في المنطقة و في الخليج وهو ما سبب إحتقان شعبي جارف و كراهية من تلك الشعوب للنظام الحاكم في قطر الذي أرتبط اسمه باسم أسرائيل إلى الأبد .
ولذلك لا تتعجب كثيرا من الحملة التي شنتها الأذرع الأعلامية القطرية و التركية على إتفاقية التطبيع “الاماراتية- الاسرائيلية ” فالدوحة وأنقرة هما أكثر الدول المطبعة بل و المنبطحة تماما لاسرائيل و الشعوب ربطت بين أسميهما مع اسرائيل كل ذلك الوقت ،ولكن حان الاوان لأن تحمل الامارات ذلك الغضب الشعبي و يلتصق أسمها بأسم اسرائيل لترفع جزء من العبء الملقى على كاهل قطر وتركيا ،وترث نصيبها في التركة الشعبية الغاضبة من التطبيع مع اسرائيل .
ولكن يظل الهدف الاكبر للدوحة وأنقرة أنهما لا يريدان لأحد غيرهما أن ينعم بالتطبيع مع اسرائيل وهو ما يفتح بوابة مغارة علي بابا للمطبع خاصة في اوروبا و امريكا على جميع المستويات الاقتصادية و العسكرية و الشعبية ، فوجهة نظر المواطن الاوروبي و الامريكي مهمة جدا في تلك الحقبة لانها تؤثر على سياسات الحكومات الاوروبية و بالتالي ان يكون المواطن الاوروبي راضا عنك ويراك حمامة سلام ، فهو يعني الحصول على الكثير من الأمتيازات و الانفتاح لدولتك ولشعبك ، ولاتريد قطر وتركيا منافس لهم في المنطقة في تلك الامتيازات ، خاصة ان دخول الامارات سباق التطبيع يعني صراعا جديدا حول تلك الامتيازات الاوروبية والامريكية و لاتي قد تصل إلى حد تهميش الدوحة ، وإذلال أنقرة المغضوب عليها حاليا من القارة العجوز و من العم سام أيضا وبات خروجها خارج الدائرة وشيكا .
لماذا الحنجوريون ضد التطبيع ؟
المشكلة في صراخ البعض المعارضين للتطبيع أنهم لا يصرخون بسبب التطبيع ، فكل الدول العربية مطبعة مع اسرائيل ولكن من أسفل المنضدة في الخفاء ، ولكن صراخهم من أجل أن التطبيع الأن يعني علاقات علنية ، وتلك الشعوب تخشى العلانية وتحب السر من باب ” إذا بليتم فأستتروا ” ، وهو المنطق المشابه لمنطق النعامة التي تدفن رأسها في الرمل عند الاحساس بالخطر .
ولكن هل هذا الكلام ينطبق على كل الشعوب الناطقة بالعربية؟ بالطبع لا ، فثقافة المواطن الخليجي تختلف تماما عن ثقافة باقي المواطنين المتحدثين بالعربية ، فالخليجي لا يوجد لديه ثأر مع اسرائيل و لم يدخل معاها اي حرب ،وهو يتبع الحاكم دائما فأينما ذهب الحاكم ذهب في ظله طواعية ، لانه غير معني بتلك الامور السياسية و لا يهمه سوى الراتب و الحياة الكريمة التي يوفرها له شيوخه وأمرائه ، فتجد مثلا المواطن القطري لاتوجد لديه أدنى مشكلة في أن يتعاطف مع ضحايا حادث أرهابي في لندن صباحا ، و في الليل يفتخر بدعم دولته لكيانات أرهابية متهمة بدعم المسئوليين عن الحادث الارهابي .
ربما الخطأ الوحيد الذي وقعت فيه الامارات هي أنها لم تفرق بين التطبيع و الأنبطاح الكامل فسارع المواطن الاماراتي إلى أعلان حبه للاسرائيليين و اسرائيل ، وارتدى الاطفال تي شيرتات عليها علم اسرائيل و سارع البعض للسياحة في اسرائيل ، وكأنه يقول لحكامه نحن ندعمكم على مستوى الدبلوماسية الشعبية أيضا دون أن يدري أن هذا أنبطاح وليس تطبيع .
وهنا يكمن الفرق بين مصر و الاردن من جهة و الامارات وقطر وتركيا من جهة أخرى ، فمصر والاردن خاضتا حروب ضد إسرائيل وكان لابد من توقيع أتفاقية سلام لحقن الدماء على العكس من الجهة الاخيرة التي تطبع من أجل مكاسب سياسية وأقتصادية ،واسرائيل تعلم ذلك تماما ، فرغم ان مصر من اوائل الدول التي لديها علالقات علانية مع اسرائيل إلا أن اسرائيل تعلم أننا عدو مهما طال الزمن أوقصر ، كما تعلم ان المصالح فقط بينا هي من تتحكم في طبيعة العلاقة ، لذا لاتجد الأذرع الاعلامية الاسرائيلية تعمل على جذب المواطن المصري مثلا، كما تفعل دائما بنشر مقاطع لخليجيين أو اتراك يحتضنون اسرائيليين أو يشكرون في اسرائيل لأنها على ثقة أن المواطن المصري لم ولن يقبل بذلك تحت اي ظرف فالذي بيننا وبين اسرائيل دم و ليس خلاف على قضية فقط ، والمصري لا يسامح في دمه .
تذكرت كلمة الرئيس السادات عندما هاجمه الحكام العرب ووصفوه بالخائن جميعا عدا سلطنة عمان صاحبة الرؤية المبعدية التي دعمت وتفهمت موقف مصر تماما حين قال ” هو كل واحد عنده كشك على الخليج هيعملي صاحب دولة ” قاصدا قطر بتلك الكلمة التي كانت حديثة الأستقلال عن دولة الامارات حينها ، قبل ان يعقب و يعلن أن العرب جميعا سوف يتخذون تلك الخطوة عاجلا أم أجلا و سيندمون على تلك الفرصة الضائعة وهو ماحدث بالفعل ونراه الان .
القضية الفلسطينية .. الفلسطينين أول المطبعين
هناك بديهيات يجب أن نتفق عليها وهي أن فلسطين دولة تم أحتلالها من قبل ” الصهاينة ” ، وان هناك فرق بين اليهود و الصهاينة ، وان إسرائيل اسم نبي قبل ان يكون اسم دولة ، وان نجمة داود رمز اسلامي ليست رمز إسرائيل ،و كان شعارا لدولة المغرب قبل تغييره للنجمة الخماسية ، والتنازل عنه لصالح إسرائيل .
كما يجب أن نتفق على أن حل القضية الفلسطينية لا يكمن في الصراع الحربي و المسلح ،فزمن الحروب قد ولى ولكن يكمن في الحل السياسي وهو القبول بـ ” حل الدولتين ” حتى يصبح للفلسطينين دولة بدلا من الشتات وهو الامر الذي قبلته حماس أخيرا بعد ان مثلت عائقا في المفاوضات على مدار 15 عام أدى إلى زيادة رقعة المستوطنات الاسرائيلية .
كما يجب أن نتفق أن القضية الفلسطينية تخص الفلسطينين أكثر من غيرهم و يجب على الفلسطينين تحمل مشاكلهم بدلا من إلقائها على كاهل الشعوب الاخرى ، ولا أنسى زميلي الفلسطيني الذي ظل يحمل مصر خسارة فلسطين حتى سألته و انت ماذا فعلت لفلسطين ؟ فصمت قبل أن يجيبني أنه ولد في الاردن و لم يذهب إلى فلسطين يوميا !! فأخبرته أنه مثل المتسول المحترف الذي لا يكل و لا يمل من طلب الصدقة حتى أصبح لديه قناعة أن تلك الصدقة حق مكتسب له يجب أن يدفعها الناس له حتى لو لم يكن يملكوا تلك الصدقة .
إذا أراد الفلسطينيون تحرير أرضهم فليجمعوا أنفسهم من كل بقاع العالم ويذهبوا إلى تحرير أرضهم فهم يعرفون مكان دولتهم على الخريطة جيدا و يعرفون طريق الذهاب أليها، وان يتوقفوا عن القبض بالشيكل الاسرائيلي و ينسحبوا من جيش الاحتلال و شرطة الاحتلال بدلا من العمل معهم .
أما المتاجرة بالقضية الفلسطينة فقد ولى عهدها و لن يستطيع أحد المزايدة على أي فرد من اي دولة مرة أخرى ، وتعاطفنا مع الفلسطينين هو تعاطف أنساني بالمقام الاول و لا يجوز أن يكون التعاطف أجباري أو يتم تسوله ابدا فكل شخص حر في تعاطفه، و لا يمكن فرضه مثلما يفعل الحنجوريون و خاصة الذين يعيشون في أوهام الناصرية المزيفة ، والتي فقدنا بسببها حكم غزة و كدنا أن نفقد سيناء أيضا .
أما المتأسلمين أشهر المتاجرين بالقضية الفلسطينية بعد الفلسطينين أنفسهم ، فيجب عليهم ان يصمتوا تماما ، فلم يرفع أحد منهم سلاح في وجه الصهاينة و لم يلقي أحد منهم حجرا في وجه جندي اسرائيلي بل أنهم نهبوا الاعانات و شكلوا العصابات و دمروا البلاد تحت مسمى نصرة فلسطين و التي تحولت لاحقا لنصرة غزة بعد إستيلاء جماعة حماس الارهابية على القطاع وقتلوا فصائل المقاومة الفلسطينية التابعة لفتح و مثلوا بجثثهم في شوارع وطرق غزة .
انكشفت الأوهام و الخدع التي طالما تاجروا بها ،وأوهمونا ونحن صغار أن تلك هي القضية الكبرى التي يجب أن نموت من أجلها لنستيقظ على اننا نموت فعلاً على أيديهم لاننا لم نمكنهم من حكم بلادنا .
وفي الختام سيدي القارئ يجب أن تعلم أننا كلنا مطبعون حكومات وشعوب و الفلسطيني أول المطبعين و الاخواني ملك التطبيع و أنت نفسك تستخدم ادوات تكنولوجيا من أختراع الاسرائيليين و تستهلك منتجاتهم بكل أريحية ، لتعود مساءً لتسب المطبعين و التطبيع وانت اولهم.
الكاتب
-
أحمد المقدامي
كاتب نجم جديد