همتك نعدل الكفة
536   مشاهدة  

عصام عبدالله .. بدأت رحلة الغربة الحقيقية

عصام عبدالله


في طفولتك ستجده بجوارك يغني لك، تردد ما يقوله فيتحول لجزء من تاريخ، ترتبط اغنياته بوجوه الجد والجدة والعائلة، تكبر بعض الشيء يتفتح قلبك للحب تمشي مزهوًا بمشاعرك لا يساعك ولا تساعه، وفي غمرة عواطفك تلقاه معك يحثك على الحب ويريك جانبه المضيء المبهج، تتقدم في العمر وتنضج وتدرك أن للحب وجه أخر مظلم وقاسي وشديد البرودة، تسير وحيدًا في نفسك ومن بعيد يتردد صداه كأنه يتحدث عنك وعما تلاقيه، فأينما تولي وجهك ستجد عصام عبدالله وأغانيه في انتظارك.

وبان أكتر صهيل البرد حواليا

لم أملك وقتها إلا أن ابعث برسالة إلى صديقي أسامة قائلا فيها “أ*ا ده عصام عبدالله كأنه كاتبهالي بالظبط، مفيش حرف مينطبقش على اللي أنا فيه” ومرفق مع الرسالة رابط اغنية بقيت وحدك لأنغام، تلك الأغنية التي اخرجتها أنغام بعد سنوات طوال من وفاة عصام عبدالله نفسه، ليؤكد أسامه أن الغنوة تنطبق عليّ.

كثيرون سيتوقفون أمام ما تركه عصام عبدالله من إرث غنائي، عصام الصوت المختلف المتفرد، فإن كانت أم كلثوم طلبت من أحمد رامي أن يكتب لها أغنيات تحمل قيمة القصيدة ولكن بالعامية ومن هنا جاءت انطلاقة رامي مع الست، ومن هنا أيضا تغير الكثير في مضمون الأغنية العربية، إلا أن أكبر بلورة لهذا الطلب الذي طلبته الست هو ما قدمه عصام عبدالله.

متفردًا بقاموسه، مازجًا بين اللهجات، لا يخشى شيء ولا أحد، يغني كأنه حكيم الزمان، ويتفلسف ببساطة معلم من أصحاب المقاهي الذين خبروا الحياة، يغزوا كل مجال، حتى أصعبها، فيتفوق فيها، من يجرؤ على الكتابة للأطفال؟ ويترك بداخلهم الأثر، يحرف أبداعه في وجدانهم فيكبرون وهم يرددون ما يقول من سبقه إلى ذلك.

بالنظر السريع لأشهر أغاني الأطفال سنجد محمد فوزي بأغنيتيه “ماما زمانها جاية” والتي كتبها فتحي قورة، و”ذهب الليل” التي كتبها حسين السيد، ثم فجوة كبيرة لنجد عصام عبدالله بأغنية “البطة أطا” والتي غناها عبدالمنعم مدبولي واعد موسيقاها محمد هلال رحمهم الله جميعا، بالتأكيد كان هناك العديد من المحاولات الناجحة مثل محاولات شوقي حجاب وصلاح جاهين القيمة ولكن هل نجحت أبريق الشاي مثلثما نجحت البطة اطا؟!

لكن احلامنا مش وحديها في الدنيا

في قلب الليل/ لو بطلنا نحلم نموت/ حتى حتى / روحي فيكي تروح/ صابر عاللي بيجرالي/ الطول واللون والحرية/ وحدانية/ عرفتيني/ ودعي المكان، وغيرها الكثير من الأغنيات معها عرفنا الحلم، عرفنا الشوق وربما عرفنا الثورة كذلك، قبل أن نصطدم بحقيقة كونية، أن الاحلام تتحقق حينما تنعقد الإرادة ولا تخالفها أحلام الأخرين الأكثر سطوة منا، هذا ما قاله عصام عبدالله بعد وفاته بالحرف في اغنية بقيت وحدك لكن أحلامنا مش وحديها في الدنيا“.

عصام الذي حملنا أطفالًا على كتفيه، وطاف بنا ونحن نحرك أذرعنا كطيور، يحثنا على الطيران والحياة، يعطينا في شبابنا خبرته في تلك الحياة، يمهد لنا أن هناك الكثير في انتظارنا ” حضن في غربة ملمس مثير بعد مشاغبة هترق لك.. مرة في مرة حاول كتير أي محاولة راح تنفعك” هكذا يطعمنا عصام بتطعيم خاص، ذلك التطيعم الذي “جعلصوه” الآن بجملة أصبحت أفيه وهي ” استمرارية السعي تعني حتمية الوصول” ولكنها في الحقيقة “أي محاولة راح تنفعك”.

كذلك يعلمنا ما هو الحب وكيف يكون الفراق في أغنية “روحي فيكي تروح” ” قبل أما تدب خطاكي بدوب” وفي جملة في نفس الغنوة، “إن قولتي وداع أنقسم اتنين فارس متمرد على القوانين وكسير مسلم ما بيبوح كما يعلمنا اللهفة في “حتى حتى” بجملة في منتهى الشاعرية والبساطة والعمق نفسه لو يلمس طراطيفك“.

مفيش أحزان ولا أفراح أبدية

إقرأ أيضا
طهران

ومثلما حملنا على كتفيه وعلمنا في مدرسته يواسينا عصام عبدالله أيضا حينما نفترق أو تغتال الخيانة مشاعرنا، أمام أغنية في قلب الليل سنتوقف كثيرا، تلك الحالة الاستثنائية التي صدرت وسمعناها في الثمانينات قبل ان يعاد طرحها على هيئة فيديو كليب في التسعينات إذا لم تخوني الذاكرة، كل شطرة في تلك الغنوة تحتاج إلى فحص وتمحيص، ولكن يكفيني الآن تلك الجملة التي تعلمك كيفية الرد على الهجر ” صهل تاني ما ردتشي.. وباقي لوحدي أنا بمشي” من باعك مرة سيبيعك مرات فلا تعاود الكرة يكفيك فقط من الألم مرة لأنها ستدوم طويلًا.

تلك المواساة التي يقدمها لنا عصام عبدالله بعد وفاته أيضا في بقيت وحدك، الحقيقة أن بقيت وحدك تصلح كأغنية مواساة، ويمكن عصام عبدالله هو الوحيد الذي كتب ليواسي حبيب أرتطم حبه بالأمر الواقع، الحلم الذي تغتاله الحقيقة ببساطة كأنها طفل عابث قرر فجأة أن ينهي حياة وردة على سبيل كسر الملل، ثم الحقيقة الكونية أن العالم لا ينتهي بفراق أحدهم “مفيش أحزان ولا أفراح أبدية” قبل أن يقنعك أن عليك الآن أن تسلم بالأمر الواقع ” وداع يا أغلى شئ سيبته حبيبي خلاص ودعته ودلوقتي أنا وحدي وأنت خلاص بقيت وحدك

من الحلم لمقتله، من الطفولة وبراءتها إلى النضج إلى الفراق إلى الحياة بقسوتها، رحلة عمر طويلة تعيشها بكل ثوانيها، وفي كل موقف ستجد عصام عبدالله بانتظارك يبتسم وربما يقول لي الآن ماكنش كل ده في قصدي” ويمسك بذراعي ويربت على كتفي قائلًا “لكن دي نهاية القصة“.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
7
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان