عصر الأكواد.. 9 أشهر دراسة تضمن وظيفة بالدولار
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
بين ملايين من مقاطع الفيديو لفت انتباهي عنوان “ضبطت طفلي يستخدم البرمجة في الغش”، تعرض الأم تسجيلًا لابنها صاحب الـ11 عامًا يستعد لخوض امتحان عن بُعد، ويستخدم أداة جوجل “Inspect” (أداة المطور) التي تعرض نص كود الصفحة المفتوحة على المشغل؛ عند الوقوف على كل إجابة من الخيارات المتاحة في أسئلة الامتحان يظهر الكود على الجانب الأيمن من الشاشة، من الطبيعي أن يُذكر في كود كل اختيار إن كانت تلك الإجابة صحيحة أو خطأ في حالة الضغط عليها ليتعرف عليها السيرفر، لكن في هذه الحالة غير المعتادة تحول نص البرمجة إلى ثغرة وأصبح الامتحان “Open Code”؛ علَّقت الأم في نهاية المقطع “يجب أن نراقب هؤلاء الصغار؛ إنهم أذكياء جدًا بالنسبة لنا”.
في عصر الأكواد الرقمنة تصبح الأكواد هي اللغة السائدة، الآن يتعلم الأطفال لغة الزيرو والواحد في سن كنا نحفظ فيه جدول الضرب بالعصاة والجزرة؛ ورفعت تداعيات كورونا من قيمة سوق البرمجيات عالميًا ليتخطى الـ 600 مليار دولار حتى باتت الوظيفة الأكثر طلبًا في أوروبا، تقدم مصر خدمات البرمجة لأمريكا والعديد من الدول الأوروبية وتمثِّل صادرات تلك الصناعة مصدرًا تعتمد عليه بعض الدول للعملة الصعبة؛ الأمر الذي ينعكس على مبادرات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الداعمة لتلك المجالات الصاعدة، على رأسها مبادرة “مستقبلنا رقمي” بالشراكة مع منصة يوداسيتي الأمريكية.
معهد تكنولوجيا المعلومات أحد أهم المؤسسات التعليمية التي تجذب المقبلين على تعلُّم البرمجة، يقدم برنامجين للتدريب الأول قصير المدى ينتهي خلال 3 أشهر والثاني يمتد لـ 9 أشهر، الدراسة مجانية إضافةً إلى مصروف جيب للطلاب يمكِّنهم من التفرُّغ، يقبل المعهد خريجي جميع الكليات بعد اجتياز اختبار حول أساسيات التخصص الذي يرغب الطالب الالتحاق به من بين 14 تخصصًا في مجالات تكنولوجيا المعلومات. من خلال 7 فروع في أنحاء الجمهورية تخرج آلاف الطلاب على مدار 30 عامًا، المثير للاستغراب أن كثيرًا من الملتحقين بالمعهد جاءوا من خلفيات بعيدة كل البعد عن الحوسبة طب، صيدلة، آداب، حقوق وغيرها، من بينهم كان خالد منصور صيدلي سابقًا ومبرمج حاليًا.
من صيدلي لمبرمج والوظيفة تنتظر
يشاركنا خالد رحلته من التكليف إلى الكود وكيف أقدم هو وعشرات غيره على المخاطرة بضرب سنوات الدراسة عرض الحائط والبدء من الصفر “تخرجت في كلية الصيدلة وتسلمت تكليفي في 2016 مع العمل الخاص في صيدلية، كنت أدرس البرمجة كهواية بشكل بدائي جدًا بمساعدة صديق في كلية حاسبات، وكان هو من شجعني للتقديم في معهد تكنولوجيا المعلومات (ITI) الذي لم أكن أعلم أنه يقبل خريجي كليات طبية، التحقت ببرنامج البرمجة مفتوحة المصدر لمدة 9 أشهر لم تكن أبدًا يسيرة، خلال تلك الشهور تنسى حياتك تمامًا وتدفن رأسك بين الأكواد، لكن التعب لم يضع هباء في النهاية بل يستحق وأكثر”.
إلى جانب التأهيل يقدم ITI لخريجيه الفرصة للتوظيف حيث يوصلهم إلى البوابة لسوق العمل بشكل آمن كما أوضح خالد “في نهاية تخرج كل دفعة ينظم المعهد معرض للوظائف يلتقي فيه الطلاب مع الشركات الراغبة في التوظيف، تحرص الشركات على المشاركة في تلك الفعاليات حرصًا على استقطاب خريجي المعهد للعمل معهم؛ المادة العلمية التي ندرسها على مستوى عالٍ من الحداثة وهو العامل الأهم في تلك المهنة، حتى أن بعض الدفعات كان يتم توظيفها بالكامل خلال المعرض”.
خالد وغيره من طلاب ITI جاءوا أيضًا من خلفيات غير متخصصة حتى أن الأول على الدفعة كان خريج هندسة مدنية، كل هؤلاء لم يتركوا تخصصاتهم التي درسوها لسنوات سعيًا خلف الشغف فقط؛ العمل في تلك المجالات يضمن راتبًا أعلى بأضعاف من أي مجال آخر وفقًا لمهارة المبرمج، كما أنها توفر نمط حياة أكثر جاذبية وتؤهل للعمل خارج مصر نظرًا لسمعة المصريين في هذا المجال المعروفة بانخفاض التكلفة والجودة العالية.
6 ساعات شغل والبريك”جيم بينج“
الصيحة الجديدة التي تطبقها الشركات في عصر الأكواد تسعى لتقليل الضغط على موظفيها من خلال الترفيه، الشركة التي يعمل بها خالد تتيح للموظفين ألعابًا مثل البينج بونج والبلايستيشن داخل مقر العمل؛ لمساعدتهم على تصفية الذهن والاسترخاء وهو ما قد يكون أكثر إفادة من العلاوات كما أشار خالد “العمل كمبرمج يمكن أن يكون أونلاين بالكامل لكن الأفضل النظام المختلط، فالعمل من المنزل يوفر الوقت والمجهود لكن التفاعل الإنساني والترفيه منشط فعال للذهن، وهو ما جعل شركات البرمجة تسعى لجعل بيئة العمل مريحة وغير تقليدية تدفعنا نحو المواصلة وتقديم الأفضل”.
المجال التقني شديد التنافسية لا يمكن أن يستمر العامل فيه دون الاطلاع على كل جديد يخصه، وإلا يتراجع مستواه بسرعة أو يتم استبداله بسهولة وهو أكبر المخاطر التي تهدد المبرمج وفقًا لخالد: “يتخذ المبرمج وضع الاستعداد بشكل مستمر فلا سبيل للخمول أمام مستجدات التكنولوجيا اليومية، مئات الاختصارات والتعديلات يتم استحداثها لاختصار الوقت والجهد ولا يمكن بحال أن تعمل بمعزل عنها”.
كحال أي وظيفة مكتبية في عصر الأكواد تتطلَّب الجلوس بشكل معين لفترات طويلة يتعرض الموظف لمتاعب مع المفاصل والعظام لدرجة الإصابة بالتهابات أو خشونة، كما أن التعامل مع شاشة الحاسوب لساعات يضعف النظر ويتسبب في حالات خطيرة من جفاف العين؛ وهو ما يمكن تجنبه بالحرص على استخدام مقاعد مريحة تحافظ على العمود الفقري مستقيم وتجعل العين في ارتفاع واحد مع الشاشة، والحرص على إراحة النظر بين الحين والآخر.
الكاتب
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال