همتك نعدل الكفة
168   مشاهدة  

عصمة النبي.. بوابة النص الموازي

النص الموازي
  • شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



لما نحب نتكلم عن الدين الموازي لازم نتعرف على أهم أركانها، واللي بتنبثق منه باقي الأركان المُرتكز عليها الدين ده؛ وهو العصمة.. بوصفها بوابة لخلق النص الموازي، وَرَد بالخصوص ده في المقال السابق:

في المجال ده سحب المعسكر الشيعي العصمة لتطول آل البيت والأئمة، والمعسكر السني اكتفى ظاهريا بعصمة النبي؛ لكن منح جيل الصحابة أفضلية على كل خلق الله، واخترع ما يسمى بـ”علم الرجال” للتقعيد لعصمة عدد من الأشخاص عشان يقوم على كتافهم النص الموازي“.

فإزاي ده حصل ومدى دقته الدينية وتماشيه مع النص القرآني؟

تعريف العصمة

على مستوى اللغة عرفها ابن منظور (1232 – 1311م) في “لسان العرب”: (العصمةُ المنعُ، وقال الزجّاج في قوله تعالى: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ} 43 – هود. أي يمنعني من الماء، والمعنى: من تغريق الماء. واعتصم فلانٌ بالله إذا امتنع به، واعتصمتُ بالله إذا امتنعت بلطفه من المعصية، ومن ذلك أيضاً قول الله تعالى حكاية عن امرأة العزيز: {وَلَقَدْ رَاوَدْتَّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} 32 – يوسف).

وعلى مستوى الإصطلاح فالمقصود من العصمة هو عدم الوقوع في الغلط، بمعنى إن الشخص المعصوم من الخطأ هو شخص بشري الطبيعة ملائكي الطباع، بالتالي مايعرفش يعمل أخطاء/ذنوب أساسًا.

YouTube player

مفهوم عصمة الأنبياء

عصمة الأنبيا موضوع خلافي بين الفُقها ورجال الدين عند معسكر السُنة، ورثة أو امتداد شيعة معاوية، الزركشي (1344 – 1392م) في كتابه “البحر المحيط” خصص باب لشرح معنى العصمة، ورصد فيه مجموعة من آراء الفقهاء منهم القُرطُبيُّ (1214 – 1273م) اللي قال: “اختلف العُلَماءُ في هذا البابِ: هل وقع من الأنبياءِ صَلواتُ اللهِ عليهم أجمعين صغائِرُ من الذُّنوبِ يؤاخَذون بها ويُعاتَبون عليها أم لا، بعد اتِّفاقِهم على أنَّهم معصومون من الكبائِرِ ومن كُلِّ رذيلةٍ فيها شَينٌ ونَقصٌ إجماعًا“.

الاختلاف المذكور عند القرطبي مصدره حاجتين؛ إن الموضوع مالهوش أصل واضح في القرآن. وتفاوت شكل العصمة بين الفُقها، لإن العصمة المُطلقة تنفي عن الشخص صفة البشرية وتحطه في مصاف الملايكة؛ ودول ماعندهمش اختيارات وغير مكلفين بالأساس.

وبناء عليه حصل بين الفُقها وبعضهم تراوح في حدود عصمة الأنبيا؛ ناس قالت إنهم معصومين تمامًا، وناس قالت معصومين من الكبائر وناس قالت معصومين بس في توصيل الوحي الإلهي.

بس السؤال هنا هل الكلام ده يتفق مع كلام الله ولا يتعارض معاه؟ وهل يتفق مع منطق الدين وسرديته ولا بيتعارض معاهم؟ هل الكلام ده يتفق حتى السُنة النبوية ولا يختلف معاها؟.

العصمة في القرآن

المشايخ بيدللوا على عصمة النبي من القرآن بمجموعة آيات أوضحها بداية سورة النجم ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ (من 1 : 5).

وتأويل (إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى) متباين بين الفقهاء، فنلاقي البغوي (1044 – 1122م) بيقول: “(إِنْ هُوَ) ما نطقُه في الدين، وقيل: القرآن، (إلا وحي يوحى) أي: وحي من الله يوحى إليه“.

وبعده بحوالي قرن القرطبي (1214 – 1273م) قال في تأويلها: “فيها دلالة على أن السُنة كالوحي المنزل في العمل“.

لحل الخلاف التأويلي ده ممكن نشوف قصص الأنبيا في القرآن، ومنها نقدر نحدد شكل عصمتهم إيه بالظبط؛ فبالتالي نقدر نعرف هل كلام البغوي هو الأدق.. والمقصود هو القرآن، ولا كلام القرطبي هو الأدق.. والمقصود هو كل قول وفعل النبي فتبقى السُنة كمان وحي.

YouTube player

العصمة من الصغائر

الصغائر هي الأخطاء البشرية بعيدًا عن الكبائر، يعني لا هي زنا ولا قتل ولا حاجة من دي،

قال الشَّوكانيُّ (1759 – 1839م): “ذهب الأكثَرُ من أهلِ العِلْمِ إلى عصمةِ الأنبياءِ بعد النُّبُوَّةِ مِنَ الكبائِرِ، وقد حكى القاضي أبو بكرٍ إجماعَ المُسلِمين على ذلك. وكذا حكاه ابنُ الحاجِبِ وغيرُه من متأخِّري الأصوليِّين، وكذا حكوا الإجماعَ على عِصْمَتِهم بعد النُّبُوَّةِ مِمَّا يُزري بمناصِبِهم، كرذائِلِ الأخلاقِ والدَّناءاتِ وسائِرِ ما يُنفِّرُ عنهم، وهي التي يُقالُ لها صغائِرُ الخِسَّةِ، كسَرِقةِ لُقمةٍ، والتطفيفِ بحَبَّةٍ“.

وهنا يفهم أن الصغائر محددة بالأمور المنحطة منها، لإن الصغائر غير كده مثبت إمكانية حصولها بالقرآن، زي بداية سورة عبس ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ * أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ * وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ * وَهُوَ يَخْشَىٰ * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ * كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ﴾ (من 1 : 11) والمعروف عن الآيات دي إن الوحي نزل بيها على النبي من باب العتاب.

وفي الآية 1 من سورة التحريم عاتب الله النبي على تحريمه لما أحله الله له، بهدف إرضاء زوجاته، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.

YouTube player

 العصمة من الكبائر

طب هل العصمة من الكبائر، المتفق عليها دي، أمر واقع يقره القرآن ولا يختلف معاه؟

الفُقها ماتفقوش على قايمة موحدة تضم الكبائر، رغم إن في صحيح البخاري حديث منسوب للنبي عن طريق أبو هريرة، بيقول فيه: “اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ“.

لكن الفُقها وسعوا مفهوم الكبائر عن كده وقالوا إن السبعة دول مش كل الكباير إنما يادوب يبقوا قمة جبل الكباير، وفي كل الأحوال، كانوا كل الكباير أو قمتها فالنبي موسى لما قتل المصري بدون قصد أرتكب كبيرة.

﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ (15 : 17 من القصص)

هنا القرآن بيعرفنا بشكل قطعي أن موسى وعن طريق الخطأ قتل بدون وجه حق، وهو نفسه حكم على فعلته إنه من عمل الشيطان وأستغفر ربهه فغفر له.

YouTube player

بالشكل ده القرآن أقر بخطأ النبي في الصغائر، غير المنحطة، وورد فيه أرتكاب واحد من أهم الأنبيا والرسل لكبيرة من الكبائر، بغير قصد، وتاب عنها. بالتالي يبقى تفسير البغوي لبداية سورة النجم أقرب للصحة من تفسير القرطبي.

العصمة في السُنة

هل السُنة النبوية تتفق مع وقوع النبي في الخطأ ولا تؤكد إنه معصوم، بالخلاف مع القرآن؟

بالرجوع لصحيح مسلم نلاقي عنده رواية عن رافع بن خديج بيقول فيها: “قَدِمَ نَبِيُّ المَدِينَةَ وَهُمْ يَأْبُرُونَ النَّخْلَ، يقولونَ: يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ، فَقالَ: ما تَصْنَعُونَ؟ قالوا: كُنَّا نَصْنَعُهُ، قالَ: لَعَلَّكُمْ لو لَمْ تَفْعَلُوا كانَ خَيْرًا، فَتَرَكُوهُ، فَنَفَضَتْ -أَوْ فَنَقَصَتْ- قالَ: فَذَكَرُوا ذلكَ له، فَقالَ: إنَّما أَنَا بَشَرٌ، إذَا أَمَرْتُكُمْ بشَيءٍ مِن دِينِكُمْ، فَخُذُوا به، وإذَا أَمَرْتُكُمْ بشَيءٍ مِن رَأْيِي، فإنَّما أَنَا بَشَرٌ. قالَ عِكْرِمَةُ: أَوْ نَحْوَ هذا. قالَ المَعْقِرِيُّ: فَنَفَضَتْ، وَلَمْ يَشُكَّ” (حكم المحدث: صحيح).

إقرأ أيضا
زينهم

والرواية دي لو صحيحة، زي ما الإمام مسلم بيقول، فهي دليل من السُنة إن مش كل أفعال النبي وأقواله وحي من الله.

YouTube player

العصمة في ضوء السردية الكبرى

من ناحية السردية الإسلامية ماحدش يختلف من إن وجود البشر على الأرض هو نتاج أرتكاب أبو البشر وأول الأنبياء للمعصية؛ حسب نص الآية 121 من سورة طه ﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ﴾ ثم تحققت له التوبة ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ﴾ (122 – طه).

بالتالي فمن بديهيات السردية الإسلامية إن الخطأ والمعصية أمر وارد عند الأنبيا مش العكس، يفرق إنهم مش بيصروا على المعصية وبيعترفوا بخطأهم وبيتوبوا عنه فور إدراكهم له.

YouTube player

المنطق الديني

منطق الدين الإسلامي قايم على إن الأنبيا بشر، وده القرآن أكد عليه أكتر من مرة، منها:

﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (11 – إبراهيم).

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ (110 – الكهف)

وفي صحيح البخاري رواية منسوبة للنبي برواية ابن مسعود، بيقول فيها: “صَلَّى النبيُّ – قالَ إبْرَاهِيمُ: لا أدْرِي زَادَ أوْ نَقَصَ – فَلَمَّا سَلَّمَ قيلَ له: يا رَسولَ اللَّهِ، أحَدَثَ في الصَّلَاةِ شيءٌ؟ قالَ: وما ذَاكَ، قالوا: صَلَّيْتَ كَذَا وكَذَا، فَثَنَى رِجْلَيْهِ، واسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَلَمَّا أقْبَلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ، قالَ: إنَّه لو حَدَثَ في الصَّلَاةِ شيءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ به، ولَكِنْ إنَّما أنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أنْسَى كما تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، وإذَا شَكَّ أحَدُكُمْ في صَلَاتِهِ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عليه، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ“.

وهذا المنطق هو الذي يعطي للنبيين عظمتهم، فالعصمة تحط من شأنهم، لإنهم بالشكل ده ماكنش عندهم القدرة على الخطأ أصلا.. بالتالي ماقوموش ولا تعرضوا لاختبار الإرادة الحرة زي باقي البشر.

الخلاصة

بناء عليه فلا النبي محمد ولا أي من الأنبيا معصومين من الخطأ، وآية ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ تخص النص القرآني فقط زي البغوي ما قال مش كل كلام وأفعال النبي زي رأي القرطبي.

بس التمسك الشديد من الكهنوت الإسلامي بوجود العصمة، رغم مخالفتها للقرآن وحتى مع روايات منسوبة للنبي، مصدره إن فكرة العصمة في المقام الأول بتسحب هالة من القداسة على الأحاديث وكتير من روايات السيرة؛ اللي بتكون بعد كده باب لتوفير قدر من القداسة لناس تانية كتير. لكن ده هناقشه المرة الجاية.

الكاتب

  • رامي يحيى

    شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
3
أغضبني
3
هاهاها
0
واااو
2


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان