عفوا.. الجنة ملكية خاصة
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد
دائماً ما كنتُ أتخيل الجنة كحديقة الأزهر بارك غير أن هناك في العمق قصر كبير، ربما من الذهب، وحور عين، عدد لا نهائي من النساء لأجلي.. لا أتخيلهن كـ كواعب أبداً.. فأنا لا أحب الأثداء الصغيرة، أما أترابا فهذا المفضل لدي.. صوت المرأة الشجي متعة من نوع خاص، وبالطبع لا يهمني إن مسهن جن أو إنس قبلي.. لست ذكوريا لهذه الدرجة. أما الولدان المخلدون فهذا أمر لايعنيني.
الجنة… إنها النعيم الأبدي حيث لا شقاء، لا فكر ولا قلق.. أكل، شراب، مضاجعة حور العين.. تلك المتع في الحقيقة لا تشغلني نهائياً.. أجل أحب الطعام ولكن بعد الجوع، أرغب في الشراب وقت العطش، أشتهي النساء بعد الحرمان.. أفضل النوم – بالنسبة لي – يأتي بعد تعب شديد.. ولكن لا بأس فـ فيها أيضاً ما تشتهي الأنفس.. يعني أنه بإمكانك أن تطلب الشقاء أو الحرمان أو حتي الجوع أو الأثداء العامرة.. ويكفي، على حد قول شيخي القديم، أن الجنة ستبعدك عن النار وسعيرها..
وقتها سألت شيخي: هل سيدخل غير المسلم الجنة؟ وكان رده أن الجنة لا يدخلها غير مسلم ومؤمن بالرسالة المحمدية، وإن كان صاحب خير في دنياه.. ثم أشار إلى حديث رواه عتبة بن اليقظان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: ما أحسن من محسن كافر أو مسلم إلا أثابه الله عز و جل في عاجل الدنيا أو ادخر له في الآخرة قلنا: يا رسول الله ما إثابة الكافر في الدنيا؟ قال إن كان قد وصل رحما أو تصدق بصدقة أو عمل حسنة أثابه الله المال و الولد و الصحة و أشباه ذلك قلنا: إثابة الكافر في الآخرة؟ قال: عذابا دون العذاب ثم تلا: (أدخلوا آل فرعون أشد العذاب)” وقتها تذكرت أم سلوي، تلك العجوز القبطية الطيبة والتي أحبها الجميع، وكيف كانت معاناتها في الحياة، وحرصها على نشر المحبة بين الجميع، وصراعها الطويل مع المرض حتي الموت.
لم ترَ المرأة المسكينة راحة في حياتها.. فـ هل الجحيم سيكون مصيرها أم لها جنة هي الأخرى؟ وما هي جنة الأقباط؟ لم يجب شيخي عن تلك التساؤلات، أرجعها لوسوسة النفس الأمارة بالسوء، ولخبث الشيطان.
غير أنني وجدت الإجابة بالإنجيل الذي قدم صورة عن هذه الدينونة في (مت5: 31-46). حيث يقول: “ومتى جاء ابن الإنسان في مجده، وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده. ويجتمع أمامه الشعوب، فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء فيقيم الخراف عن يمينه، والجداء عن يساره. ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا إلى يا مباركي أبي، رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم… ثم يقول أيضًا للذين عن اليسار: اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته”.
وهو ما يذكرني بأصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة المذكوران بالقرآن.. حسناً.. فإن أصحاب الجنة بالإنجيل سيحصلون على البركة المقدسة.. وماذا بعد؟ لا حور عين، ولا قصور، ولا شراب، ولا طعام… وهل يحتاج فاقد الحياة لمقومات الحياة؟ الغريب أن الجنة لن يدخلها كذلك إلا من يؤمن بالمسيح ورسالته، وبالتأكيد النار ستكون من نصيب من لا يؤمن بذلك.. فـ ما هو الجحيم كما جاء بالإنجيل؟ “الجحيم هو مكان للنار والكبريت يتعذب فيه الأشرار عذاب أبدي، حيث الدود لا يموت والنار لا تنطفئ: كما أخبرنا مرقس في الإنجيل، بينما الجنة هي الخلود والسمو في الملكوات الأعلي، تنعم فيه بالروحانية إلى جوار العائلة المقدسة”.
وهكذا أصبح لدينا بدل الجنة اثنين، واحدة حسية بحتة، تكتظ بالمتع والملذات الجسدية – وإن كنت لا أعرف أين الجسد الذي سيستمتع بكل ذلك- والثانية روحانية تماماً خالصة.. فـ ماذا عن الديانة اليهودية؟ أصحاب الديانة اليهودية أيضاً يؤمنون بوجود الجنة، وإن كانت جنتهم على الأرض، فحسب معتقدهم أن السماء هي مملكة الإله وحده، أما الجنة فهي في عدن، حيث النعيم الأبدي لليهود فقط، أما باقي الأمم فمصيرها الجحيم. قال التلمود: “النعيم مأوى الأرواح الزكية”.
وقد وضع إلياس يوماً ما جبة أحد الحاخامات هناك فتعطرت من أوراق الشجر، وبقيت فيها تلك الرائحة العطرية، وبسببها كانت تساوي 300 فرنك!!
ومأكل المؤمنين في النعيم هو لحم زوجة الحوت المملحة كما علمت. ويقدم لهم أيضاً على المائدة لحم ثور بري كبير جداً كان يتغذى بالعشب الذي ينبت في مائة جبل.
ويأكلون أيضاً لحم طير كبير لذيذ الطعم جداً، ولحم إوز سمين للغاية. أما الشراب فهو من النبيذ اللذيذ القديم المعصور ثاني يوم خليقة العالم!! ولا يدخل الجنة إلا اليهود.
أما جهنم فهو مأوى الكفار ولا نصيب لهم فيه سوى البكاء لما فيه من الظلام والعفونة والطين. ويوجد في كل محل منه زيادة على ذلك: ستة آلاف صندوق، في كل صندوق منها ستة آلاف برميل ملأي من الصبر.
والجحيم أوسع من النعيم ستين مرة لأن الذين لا يغسلون سوى أيديهم وأرجلهم كالمسلمين، والذين لا يختنون كالمسيحيين الذين يحركون أصابعهم (يفعلون إشارة الصليب) يبقون هناك خالدين”..
لقد أصبح الآن لدينا ثلاث جنات.. لكل دين جنة تختلف كلياً عن الديانات الأخرى. وبالطبع، لن يدخل الجنة من لم يؤمن بهذه الديانة.. لقد أصبحت الجنة ملكية خاصة.. كل واحد يؤمن – بلا شك أو جدال- أنه أحق بالجنة، وأن المختلف عنه – بالضرورة – سيكون مصيره الجحيم.. والسؤال هنا: كيف للإله الواحد الأحد أن يوعد أتباعه بثلاث حيوات مختلفة ومتناقضة بعد الموت؟
الكاتب
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد