عقيلة راتب .. أكثر فنانة ظلمها التاريخ وقهرتها الظروف
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
عقيلة راتب
هل تتذكر هذا الاسم، ربما لا تتذكره!
هل شاهدت فيلم عائلة زيزي، بالتأكيد تتذكر تلك المرأة الجميلة صاحبة الصوت الرخيم التي لعبت دور الأم، تلك المرأة التي عانت من طيش أحمد رمزي عاشق الجمال المتيم بجارته وفؤاد المهندس المتيم بماكينة تحويل الخيوط لقماش، وسعاد حسني عاشقة السينما الفاشلة في التمثيل والطفلة زيزي “الغلباوية”.
ربما لم يبق لعقيلة راتب إلا هذا الدور الذي قد يتذكرها به بعضهم، المدهش أنها كانت نجمة مصر الأولى في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، ورغم أن التلفزيون المصري والذي أنشئ عام 1960، احتفظ لنا بالتراث السينمائي لما سبقه لكن مع الوقت اختفت عقيلة راتب التي قدمت في حياتها ما يقرب من 210 عملاً فنياً، منها 170 عمل في الثلاثينيات والأربعينيات كمطربة وممثلة أولى و 40 عملاً في 40 عاماً تلت هذا، انتقلت بعدها إلى الأدوار الثانية ثم دور الأم.
يبدو هذا لغزاً مؤلماً لمن يبحث عن النجومية وتحقيق الذات، من ملأت الشاشات وكانت ملء السمع والبصر تطاردها الأضواء لا يعرف أكثر من 90٪ من مواطني بلادها أنها كانت نجمة تغني وتشدو وممثلة تلهث خلفها الكاميرات.
الميلاد
عام 1916 البلاد تموج بأحداث هامة وثورة شعبية وتغيرات اجتماعية مدهشة، لكن ابنة الأربعة عشر عاماً، المغرمة بالتمثيل، يعمل والدها رئيساً لقسم الترجمة بوزارة الخارجية، وكل أحلامه تنحصر في أن تلتحق ابنته كاملة محمد شاكر، اسمها الحقيقي، بالسلك الدبلوماسي، يبدو الأب متفتحاً بالنسبة إلى مقاييس عصره، يحلم بمستقبل وظيفي لابنته، لكن تفتحه لم يكن كافياً للسماح لها بالعمل كممثلة بعد أن تعلق قلبها بالمسرح عقب مشاهدة المسرحية التي لعبتها قريناتها بمدرسة التوفيقية القبطية في الحفل الختامي للعام الدراسي.
كانت شجاعة بما يكفي لتترك المنزل وتعيش مع خالتها بعدما رفض والدها عرض الفنان زكي عكاشة صاحب إحدى الفرق المسرحية للعمل معه بعدما شاهدها العام التالي على خشبة المسرح، خاضت من أجل حلمها المستحيل بمقاييس عصرنا هذا، فما بالكم بمقاييس عصرها، لكن الوالد سقط مشلولاً وتبعه سقوط مسرحيتها، لتعود وتتفرغ المراهقة الصغيرة لتمريضه.
العودة
عرض من الفنان حامد السيد للعمل في فرقة علي الكسار المسرحية، تنطلق بعده النجمة الشابة لتخوض غمار السينما بعدما لعبت بطولتها الأولى في فيلم اليد السوداء عام 1936 وعمرها 20 عاماً، تتزوج معيدها للحياة وتقرر الوصول حتى آخر الحلم، تركت عملها كمطربة في مسارح عماد الدين كمطربة وانطلقت خلف التمثيل، ليكرمها الملك فاروق وكل من أتوا بعده.
لم تحقق حلم أبيها لكنها حققت حلمها، لكن حتى الأحلام ليست معياراً للسعادة.
النهاية
أطلقوا عليها لقب “معونة الشتاء” لأنها خصصت جزءاً من دخلها لبيوت الفنانين المعوزين، كانت تصرف رواتب شهرية لهم ولم تتوقف عن هذا في أقصى لحظات ضيق ذات اليد، لكن هذا لم يكن كافياً للبقاء، تراجعت رويداً رويداً وخفتت الأضواء بعد أن تحقق الحلم حتى غابت تماماً وفقدت بصرها قبل النهاية حيث ارتفع ضغط دم عينيها وأجرت عملية جراحية إلا أنها فقدت بصرها تماماً وذلك في أثناء تصوير فيلمها الأخير المنحوس عام 1987 لتعيش 12 عاماً بعد أن فقدت البصر وتغادر في صمت مع ابنتها الوحيدة أميمة التي أنجبتها من زوجها الوحيد حامد السيد.
الحلم
تبدو قصة عقيلة راتب محبطة للغاية، فلا الأحلام كافية، ولا النجاح كافٍ للحياة، فقط هي السعادة والحب اللذين قد يجعلان للحياة قيمة، عن نفسي لم أعد مهتماً سوى بالحياة عاشقاً وسعيداً.
الكاتب
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال