على الزرقاني.. على كل لون يا سيما
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
جميلة، بورسعيد، أيامنا الحلوة، بطل للنهاية، المنزل رقم 13، أين عمري، صراع في الوادي، حياة أو موت، إسماعيل يس في بيت الأشباح، وغيرها من الأفلام التي ربما لن تجد ما يجمعهما سويًا بسبب تنوعهم الشديد، ولكنهم جميعًا من الأفلام العلامات في تاريخ السينما، والعلامات في تاريخ أبطالها، والأهم أنها جميعًا تميزت بحرفتها المتميزة في كتابتها ولا سيما الحوار، ليكن الرابط الوحيد بينهم هو اسم كاتبها، الرجل الذي لم يترك بابًا في السينما إلا وطرقه، بل وترك فيه علامة مميزة، الرابط هو على الزرقاني المترجم الذي سحرته السينما.
الجريء وكوميديا سوء التفاهم
الزرقاني لم يدخل إلى السينما إلا من باب الإذاعة والمسرح والرواية، فقد جاء المترجم العامل في الحكومة المصرية ووكالة الأنباء العربية، من عالم الرواية والقصة ليشق طريقه إلى السينما، وربما لم يدرك أحد عام 1948 أن هذا السيناريست الذي يقدم نفسه كسيناريست درامي في فيلمه الأول المغامر، أنه سيكون أحد أهم كتاب السيناريو والحوار في تاريخ السينما المصرية.
لم تقف موهبة الزرقاني في الكتابة للسينما عند الكتابة الدرامية التي قدم نفسه من خلالها من خلال الفيلمين اللذان بدأ بهما حياته الفنية، وسرعان ما أعلن أنه قادر على كتابة الكوميديا أيضًا، بقصة شديدة البساطة والواقعية، مع ظهور بداية معالم تكنيك كتابته للكوميديا، وهو تكنيك سوء الفهم المبنى على كوميديا الموقف بفيلم ليلة الدخلة لإسماعيل يس عام 1950، هو نفس التكنيك الذي ستجده في كافة
ولكن الزرقاني لا يقف عن التحول، فمن الدراما للكوميديا للدراما الرومانسية الغنائية مع المطربة العظيمة والنجمة السينمائية الأنجح وقتها ليلى مراد بفيلم شاطئ الغرام، ومن بين تلك الأنواع يظهر تكنيك كتابة على الزرقاني، التكنيك القائم على بساطة القصة، فالزرقاني حينما يكتب سيناريو فكأنما يكتب كلماته بماء ينساب بين المشاهد، لتصبح تلك الانسيابية في سرد الأحداث هي إحدى سمات الزرقاني الأساسية.
تلك البساطة والانسيابية تظهر أهميتها حينما يتجه الزرقاني لعالم سينما الجريمة، فعلى سبيل المثال، الخبر الذي يصادفه في الجريدة كمال الشيخ والذي يتحدث عن جريمة قتل حدثت تحت تأثير التنويم المغناطيسي، يحولها الزرقاني ببساطة شديدة لواحد من أهم وأجمل أفلام الجريمة في السينما المصرية.
وربما يحسب لعلي الزرقاني أيضًا جرأته الشديدة، فحينما كانت السينما تسير بجوار الحائط بين الدراما والكوميديا والأكشن، قرر هو الخروج عن المألوف ومحاولة إحياء ما يسمى بسينما الخيال العلمي في مصر، رغم عدم نجاحها مرات عديدة، ففيلم مثل العالم سنة 2000، بفكرته المختلفة المستقبلية، به شيء من الجرأة، وهي نفس الجرأة التي تملكته حينما تصدى لقصة توفيق الحكيم طريد الفردوس والتي نشرت في المجموعة القصصية مدرسة المغفلين، لنرى عليش الدرويش وهو واقفًا بين النار والجنة على شاشة السينما، والنار والجنة هنا ليس مجازًا، بل بالفعل هناك مشهد لعليش وهو يتحدث مع احد زبانية الجحيم وأحد ملائكة الجنة، بأداء صوتي لتوفيق الدقن وعماد حمدي.
الضلع الرابع
الجرأة والتنوع والانسيابية يمكن أن يكون مثلث مكتمل لأي سيناريست وربما أي ناقد، ولكن الزرقاني كان يدرك أن كل هذا ليس كافيًا، يدرك أن هناك ضلعًا ناقصًا يجب أن يهتم به ربما أكثر من غيره، وهو بناء الشخصيات، وفي رأيي أن أكثر ما كان يعيب فن كتابة السيناريو حتى ربما منتصف الخمسينات أن هناك إهمال غير منطقي فيما يسمى بناء الشخصيات في أكثرية الأفلام، على حساب بناء الأحداث، ولكن في عالم على الزرقاني ستجد شخصيات من لحم ودم حقيقة تتحرك بناءً على دوافع ومبررات واقعية تتناسب معها.
لعل المثال الأبرز في هذا المجال فيلم مثل حياة أو موت للمخرج كمال الشيخ، ستجد أن أي فعل من كافة الشخصيات لديه ما يبرره في بناء الشخصية نفسها، وهذا العنصر في الكتابة كان هو عصب بناء سيناريو شديد الصعوبة مثل سيناريو حياة أو موت الذي يدور في الشارع، وبطولة طفلة غير معروفة، فلابد أن يتفاعل الجمهور معها ومع أفعالها والأهم أن يراها طبيعية وتلقائية ومنطقية، لذلك كان بناء الشخصيات ربما أكثر أهمية من تطوير الأحداث داخل السيناريو.
دراما وجريمة وإثارة ورومانسية وكوميديا وسينما غنائية وسينما استعراضية، أتحدى أن يجود الزمان علينا بكاتب قدم كل هذا التنوع شريطة أنه بالفعل في كل جنس سينمائي له علامته، ففي الدراما ستجد حب ودموع وصراع في الوادي والقاهرة 30، وفي الرومانسية الغنائية ستجد شاطئ الغرام وأيامنا الحلوة، وفي الجريمة والإثارة ستجد المنزل رقم 13 وبطل للنهاية، وفي الكوميديا ستجد إسماعيل يس في بيت الأشباح وعفريت مراتي وإشاعة حب، واعترافات زوج، وحتى في السينما الاستعراضية ستجد فيلم ألف بوسة وبوسة، باختصار الزرقاني كان بالفعل يكتب كل ألوان السينما، وعلى الرغم من هذا فلم يلقى -حتى الآن- الاحتفاء الذي يناسب تلك الموهبة، الموهبة المستحيلة.
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال