علي قنديل.. الأصلي
-
أحمد الفخراني
روائي وصحفي مصري
كاتب نجم جديد
في رأيي أن علي قنديل، ليس مجرد ستاند آب كوميديان، بل هو الشخص الذي يرسم خطوط تعريف ذلك الفن في مصر، بما وصل إليه من إتقان يكاد أن يقترب من المستوى العالمي، حيث الإضحاك حقيقي وذو مغزى، كوميديا ذكية لا يُمل منها على مدار ساعة هي مدة حفلاته.
ومع احترامي لكافة الجهود والمحاولات التي بذلت لترسيخ ذلك الفن داخل مصر، تبدو تلك التجارب بجوار قنديل غير مكتملة تنقصها الحيوية والخبرة، لذا يمكن للمرء أن يقولها بلا مواربة، ما سيسجله الزمن لعلي قنديل، أنه الرائد الحقيقي لهذا الفن في مصر، لقد حوله من احتمال وتجارب، إلى حقيقة ملموسة، بحيث صار لهذا الفن على يديه وجود داخل مصر بمستوى أكثر من مشرف.
ربما السر في رأيي بجانب الممارسة التي وصلت إلى عدد استثنائي وضخم من العروض المباشرة على المسرح، تكونت خلالها خبرته الكبيرة وحقق عبرها تطوره اللافت، أنه يملك رؤية أصيلة تنبع منها الكوميديا، كنقد المجتمع والذي يعتمد فيه على تجارب حياتية حقيقية اشتبك فيها مع ذلك المجتمع بالفعل، على عكس محاولات أخرى تشعر كأنها قادمة من خلف زجاج أو عالم منفصل ومواز محاط بأسوار الكومباوندات أو محبوس داخل فقاعات السوشيال ميديا، ولا تجد وسيلة للإضحاك سوى غرابة ذلك المجتمع أو اللعب على التناقض في الألفاظ.
لذا تظل نكتة قنديل طازجة، حراقة، لأنها طالعة من صدور وعقول جمهوره وحياتهم، كأنه قالها فقط بالنيابة عنهم، لا يمكن أن يغيب صورة ذلك الصديق خفيف الدم سريع البديعة في جلسة بمقهى وسط أصدقاء، الذي نقبل منه ما لا نقبله من سواه، أن يضحكنا على أنفسنا في رضا بل ونطالبه بالمزيد. فضلا عن سرعة البديهة التي تمكنه من التفاعل مع الجمهور بنكات غير مجهزة سلفا، بل أظنه يتعمد في الأساس هذا الاشتباك مع الجمهور وينتظره ولا يفشل أبدا، رغم أن في كل مرة تبدو لي مخاطرة لا يقدم عليها إلا فنان شديد الثقة والتمكن من أدواته.
يلعب قنديل على التناقض الذي يمثله ابن الطبقة الوسطى من مواليد الثمانينات، الواقع في الهوة بين عدة أشياء، الانتقال المبتسر بين عدة أزمنة لا رابط بينها: القناة الأولى والثانية وعالم الإنترنت الشاسع، ثلاثون عاما من حكم مبارك دون قدرة على تخيل شخص آخر سواه ثم ثورة يمكن فيها تخيل كل شيء ثم انكسار لتلك الثورة، قيمه كلها الأصيلة والتي تستحق البقاء والمزيفة منها والتي عليها أن تراجع وتختفي، صارت شيئا سائلا غير مفهوم، مفتقد أو غير معترف به. فقد كانت مصر على الأقل في تلك الفترة تعرف شيئا من التماسك الجمعي للروح وتشبث فطري بالحس العام المميز للصواب والخطأ، وعلى الجانب الآخر، بعض ما تربى عليه هذا الجيل تخطاه الزمن، بحيث صار رجعيا إلى الحد الذي جعل من الضروري أن يعيد بعضنا فهم الدنيا من جديد لملاحقة الزمن.
أما الأمر الآخر، فمازال قنديل ممثل تلك الطبقة وتلك الفئة العمرية متشبث ضمن ما فهمه من جديد عن العالم أو ما تربى عليه بضرورات الإتقان والالتزام ، لذا تظل كوميدياه المتعلقة بالتعامل مع الصنايعية مثلا مضحكة على الدوام، الهوة بين المتوقع وبين ما يحدث فعلا، كشاهد على الانحطاط، وهي كوميديا سبق لعادل إمام أن ممثلها ببراعة في فيلم كراكون في الشارع، حيث يحيره تصرفات الطبقات الأدنى ماديا وتعليميا، وتستفزه إلى حد التحدي تصرفات الطبقات الأغنى، خط للأسف لم يستثمر فيه عادل إمام كثيرا، لكنه يكون حينها في أفضل حالاته الفنية، وكذلك سمير غانم الذي اشتهر بأداء لون من ألوان الستاند آب كوميدي في عدد من المسرحيات كمقطع الفول في مسرحية المتزوجون أو باريس وناس باريس يا زناتي في أهلا يا دكتور، حيث ينفرد بالمسرح دقائق طويلة معتمدا على كوميديا شعبية تضحك الجمهور على عاداته وتصرفاته.
اقرأ أيضًا
تدوير الفن الهابط
بالطبع ينهل قنديل من ذلك التراث وخاصة من رغبة سمير غانم المخلصة للإضحاك، وتساعد قنديل قدرات تمثيلية ممتازة، تكفيه على الأقل لتلوين أدائه ببساطة مع تغير الموقف، لكن هذا لا يعني أن تكون خطوته الناجحة القادمة هي التمثيل إلا إذا جاءت تلك الخطوة متوافقة ومدعمة لمشروعه الأصلي كمؤسس لفن الاستاند آب كوميدي في مصر بشكل احترافي، ولا يجب أن تحزنه إن لم تأت من الأساس، فما يفعله وحققه أكبر وأهم وأبقى.
الكاتب
-
أحمد الفخراني
روائي وصحفي مصري
كاتب نجم جديد