عمل المسلم في الكنيسة .. حينما تجدد السؤال القديم في ديسمبر 2018 بسبب مصر والسعودية
-
منتهى أحمد الشريف
منتهى أحمد الشريف، باحثة شابة في العلوم الإسلامية، تخرجت من كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
قبل عامين من الآن وبالتحديد في مطلع ديسمبر من عام 2018 زاد التساؤل حول حكم عمل المسلم في الكنيسة بحرفة وصنعة وأخذ السؤال منحىً سياسيًا نتيجة زيارة الأنبا مرقس مطران إيبارشية مدينة شبرا الخيمة وتوابعها إلى السعودية وحضوره أول قداس كنسي بالمملكة.
بين بن باز ومصر .. تباينات واختلافات
كانت فتوى عبدالعزيز بن باز حاضرة في هذا الشأن فمفتي السعودية الأسبق خلال برنامج نور على الدرب حرم أي عمل من المسلم داخل الكنيسة سواءًا كان حرفيًا كالنجارة أو البناء أو حتى القيام بحراستها، ولا زالت تلك الفتوى تلقى رواجًا خاصةً مع التوجه الذي أخذته السعودية لاحقًا والذي يمكن أن يسفر عن تأسيس كنيسة بالرياض.
اقرأ أيضًا
هل جائت في الهايفة وتصدرت ؟ .. ما بين دار الإفتاء وجمهور لعبة ببجي
لكن دار الإفتاء المصرية خالفت الجميع من رجال الدين وأكدت أنه يجوز لأي مسلم العمل في الكنيسة بأجرٍ لأن ذلك يندرج تحت بند عقد المعاوضة طالما لا يتضمن إذلالًا لصاحبه ولا يستلزم الرضا بعقيدة تخالف ثوابت الإسلام.
التأصيل الفقهي حول حكم عمل المسلم في الكنيسة
في الأساس فإن هناك خلافًا بين فقهاء المسلمين حول حكم عمل المسلم في الكنيسة بأجرٍ فالمالكية والشافعية أكدوا بأنه لا يجوز لأن في ذلك نوع من الإعانة على المعصية، أما الأحناف والحنابلة ومدرسة الزركشي من الشافعية أكدوا جواز ذلك.
كان الأحناف أشد الفقهاء تمسكًا بمبدأ أن عمل المسلم في الكنيسة يجوز وأن المال الذي يتقاضاه المسلم حلالاً والعمل نفسه حلال، ففي كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق قال بن نجيم الحنفي “ولو أجر المسلم نفسَه لذمي ليعمل في الكنيسة فلا بأس به، ولو استأجر المسلمَ ليبني له بيعة أو كنيسة جاز ويطيب له الأجر، ولو استأجرته امرأة ليكتب لها قرآنًا أو غيره جاز ويطيب له الأجر إذا بين الشرط وهو إعداد الخط وقدره، أنا في حاشية بن عابدين رد المحتار على الدر المختار قال “وجاز تعمير كنيسة ولو آجر نفسه ليعمل في الكنيسة ويعمرها لا بأس به؛ لأنه لا معصية في عين العمل”.
أباح الإمام أبو حنيفة عمل المسلم في الكنيسة من باب القياس على جواز عمل المسلم لبناء العقار السكني بل وقال بجواز مَن آجر نفسه على حمل خمر لغير المسلم؛ لأنه يرى أنَّ الإجارة على الحمل ليست بمعصية ولا سبب لها، لأنه قد يكون للإراقة أو للتخليل؛ وذكر بن عابدين “قوله: وحمل خمر ذمي) قال الزيلعي: وهذا عنده، وقالا: هو مكروه، لأنه عليه الصلاة والسلام: «لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً، وَعَدَّ مِنْهَا حَامِلَهَا» وله أن الإجارة على الحمل وهو ليس بمعصية، ولا سبب لها، وإنما تحصل المعصية بفعل فاعل مختار، وليس الشرب من ضرورات الحمل، لأن حملها قد يكون للإراقة أو للتخليل، فصار كما إذا استأجره لعصر العنب أو قطعه، والحديث محمول على الحمل المقرون بقصد المعصية.. وهذا قياس وقولهما استحسان، ثم قال الزيلعي: وعلى هذا الخلاف لو آجره دابة لينقل عليها الخمر، أو آجره نفسه ليرعى له الخنازير يطيب له الأجر عنده، وعندهما يكره.. قوله: وجاز إجارة بيت.. إلخ هذا عنده أيضًا؛ لأن الإجارة على منفعة البيت، ولهذا يجب الأجر بمجرد التسليم ولا معصية فيه، وإنما المعصية بفعل المستأجر وهو مختار فينقطع نسبيته عنه، فصار كبيع الجارية ممن لا يستبرئها أو يأتيها من دبر، وبيع الغلام من لوطي، والدليل عليه: أنه لو آجره للسكنى جاز وهو لا بد له من عبادته فيه”.
من الناحية الحديثية فإن دار الإفتاء قالت “بَوَّب الإمام البخاري في صحيحه بما يدل على جواز المؤاجرة في باب هل يؤاجر الرجلُ نفسَه من مشرك في أرض الحرب؟”، وقال الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح صحيح البخاري “قوله: باب هل يؤاجر الرجلُ نفسَه من مشرك في أرض الحرب؟) أورد فيه حديث خباب وهو إذ ذاك مسلم في عمله للعاص بن وائل وهو مشرك، وكان ذلك بمكة وهي إذ ذاك دار حرب، واطلع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وأقره، ولم يجزم المصنف بالحكم لاحتمال أن يكون الجواز مقيدًا بالضرورة، أو أن جواز ذلك كان قبل الإذن في قتال المشركين ومنابذتهم، وقبل الأمر بعدم إذلال المؤمن نفسه؛ وقال المهلب: كره أهل العلم ذلك إلا لضرورة بشرطين: أحدهما أن يكون عمله فيما يحل للمسلم فعله، والآخر أن لا يعينه على ما يعود ضرره على المسلمين، وقال ابن المنير: استقرت المذاهب على أنَّ الصناع في حوانيتهم يجوز لهم العمل لأهل الذمة ولا يعد ذلك من الذلة”.
الكاتب
-
منتهى أحمد الشريف
منتهى أحمد الشريف، باحثة شابة في العلوم الإسلامية، تخرجت من كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال