عمو الشيخ أبو تريكة .. كبيرهم الذي علمهم الكذب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في تعليق لا يقل خلطًا بالأوراق عن تعليقاته السابقة ، ظهر محلل قنوات بي إن سبورت الرياضية واللاعب سابقًا محمد أبو تريكة ليعلق ،لكنه اختار ألا يعلق هذه المرة على الأداء داخل الملعب ، وقرر أن يفتش – كعادته- داخل أعماق النوايا ، ويرفع –كعادته- لواء الشعارات الفارغة التي وصلت بنا إلى الحضيض ، وينصب نفسه – كعادته- كـ عمو الشيخ الذي يجلس في الكُتَّاب محددًا درجات كل طالب من الطلاب .. وعلق كابتن محمد أبو تريكة على ردود الأفعال للاعبي الكرة عن موضوع حصار غزة الأخير ، وأزمة حي الشيخ جراح التي نالت اهتمام العالم كله ، وفي القلب منه المنطقة العربية .
لن أحدثك عن إن أبو تريكة واحد ضمن مواهب كثيرة مرت على الملاعب المصرية ، وهناك من هم أهم منه داخل المستطيل الأخضر ، ولن أحدثك عن إنه واحد ضمن أضعف المحليين من حيث الأداء والكاريزما ، ولن أحدثك عن عمال نيبال الذين قتلهم الإهمال من إدارة كأس العالم القطرية وتجاهله التام لهذا الموضوع محتفلًا بما حققوه من منشآت رياضية ، ذلك لأن أزمة أبو تريكة لم تكن خلال التسعون دقيقة ، ولو إنه اعترف بنفسه أنه استخدم الخداع في الكرة أحيانًا كثيرة ، ولن أحدثك عن كل هذا لأن كل هذا غير مهم بشكل كبير ، لكني سأجعل أبو تريكة يتحدث لنفسه فقط دون تدخل .
قال أبو تريكة أن فترة حصار غزة كانت كاشفه لكثيرين ، وأن هناك ما يدعو للتفاؤل في الموقف الغربي بعد فترة الحصار ” .. وهنا لابد من وقفة .. أشاد أبو تريكة بجميع الأطراف تقريبًا إلا الطرف الحقيقي الذي بذل الغالي لإيقاف إطلاق النار ، واقتطع من قوته اليومي حتى يشارك أخاه الفلسطيني رغيف الخُبز .. مصر الشعب ومسؤولينه ، وكأن مشهدًا فلسطينيًا قد نسي أبو تريكة أن مصر ظهرت فيه بدور البطولة باعتراف جميع الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية .. ولو إنه لم ينسى .. إنه لا يريد – كعادته- أن يعترف بالحقيقة ، ولم يعد المصريين في انتظار سماع الحقيقة منه .
عاد ليحدثنا قائلًا : لابد من مشاركة الرياضيين في إعمار غزة – متجاهلًا طبعًا- أول من قرر أن يذهب إلى غزة ، الطبيب المصري المكافح ، وعامل سيارة الإسعاف البطل ، وعمال تعبئة المواد الغذائية ، وسائقي التريلات المحملة بالنجدات للمشردين ، ويحملون أيضًا دعوات المصريين ، وقرارات المسؤولين الصائبة في الملف الفلسطيني .. لكن إذا أخذنا حديثه على محمل الجد .. فإن الرياضيين العالميين سيتبرعون إلى إعمار غزة بمشاركة أول من قرر إعمارها ، فلا أبو تريكة ولا غيره قادرين على تغيير الحقيقة ، وتزييف التاريخ .
ثم قال أغرب شئ يمكن أن يقوله متابع للقضية ، وكأنه نازلًا من كوكب فضائي لم يتابع خبرًا واحدًا عن القضية .. قال : افتحوا المعابر .. وكأن بلدًا لم تفتح معبر رفح لاستقبال الجرحى والمصابين ، وكأن تأييدًا شعبيًا مصريًا لهذا القرار سد عين الشمس وكتبت عنه جميع الصحف والمواقع الإخبارية ، فقرر أبو تريكة أن يمارس هوايته المفضلة ، وهي المظلومية الكاذبة ، مناديًا : افتحوا المعابر .. على تريكة أولًا أن يفتح أي جريدة ليرى أول من فتح المعابر . لكنه كعادته لن يقول الحقيقة .
صعد تريكة إلى المنبر في نهاية تعليقه ، ومسك بالميكروفون ، وقرر أن يجلجل صوته بخطاب ديني موجه للأمة جميعًا ، عما رباه والده ، وعن تأنيب الضمير ، وعن التقرب إلى الله ، ناسجًا غطاء ديني لتعليقه الأخير حتى نخاف جميعًا أن نناقشه فيما قاله ، وأن نفند ما قاله كلمة كلمة ، هذا اللعب على الغريزة الدينية للناس لم ولن يفارق أبو تريكة حتى النفس الأخير … ليخرج في النهاية بإشادة الخبثاء والبسطاء معًا ..
تتعجب أحيانًا من مواطن عربي يعرف تمام المعرفة خطايا أبو تريكة الكبرى ، والكذب المستمر الذي لا يتوقف على لسانه .. لكن شيئًا بداخله لا يقدر على الوقوف ضده .. وهذا الشئ غالبًا هي العقدة في التربية التي تزامنت مع العقدين الذي رأينا فيهم تريكة .. ذلك لأننا جميعًا طالتنا بشكل أو بآخر تلك التربية الدينية الخاطئة على يد سباك المنطقة الذي ارتدي الجلباب القصير وأطلق لحيته ليصبح شيخ المنطقة ، أو ذلك الطبيب الذي لم يتخرج من كلية الطب ، لكنه تخصص في الحجامة والطب النبوي بالأعشاب ، أو ذلك الرجل الذي قرر أن تكون الرقية الشرعية مهنته واخترع فيها الاختراعات .. باختصار : مهمة أبو تريكة الأولى هي الحفاظ على نسبة الخزعبليات والجهل الديني بداخلك .. فلا تسمح له بذلك متأثرًا بحرفنته في الملعب .. أنت أذكى من ذلك بكثير !
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال