همتك نعدل الكفة
70   مشاهدة  

عم جار .. الحلو الذي غيّر طعم المحلة الكبرى

جار النبي الحلو
  • كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



المحلة الكبرى مدينة شديدة الصعوبة، وإذا أطلقنا العنان لخيال كل مدينة بمذاق معين، فالإسكندرية مثلًا بطعم السنجاري (المفحفح)، والقاهرة مثلًا بطعم الكباب، وسوهاج بطعم (المِش) .. فالمحلة يا رجال بطعم (العلقم) .. حيث أن المواطن المحلاوي شخص صعب المراس .. هذا لأن لكل إنسان ثغرته، فالأفندي القاهري لديه نسبة من الترفّع، والبرنس السكندري لديه نسبة من عدم الجدية، لكن أخينا المحلاوي عبارة عن طلسم كبير، ولغز بشري فرعي داخل اللغز البشري الكبير.

 

فالمحلة مدينة خارج التصنيف، لا تعرف إن كانت صناعية أو زراعية أو تجارية، فالجميع هنا لديه خبرة في الفلاحة، والجميع هنا يعمل في شركة مصر، والجميع هنا يعمل في شارعي العباسي القديم والجديد، وهي شوارع تجارية من الطراز  الأول حيث تعج بمحلات الملابس والأحذية وما يوازيها .. هذا بالإضافة إلى إن المحلة مدينة سياسية من الطراز الرفيع، فأصبح لديك هنا مواطن ذو وعي عام، وفي نفس الوقت عامل شديد الصلافة، وهو ذاته مزارع شديد الحِنكة والصبر، ونفسه هو تاجر يبيع لك الهواء، و(يوديك البحر ويبجيبك عطشان)، فكيف لك أن تتعامل مع شخص بكل هذا العمق والإرث؟ .. شخصيًا حاولت مرارًا أن أفهم ماهية هذا المواطن في تلك البقعة الصغيرة التي هي عاصمة محافظة الغربية الأصلية وليست بالعاصمة، وهي (خروجة) أبناء الريف المجاور وليست بالريفية، وهي مركز الانطلاق إلى طنطا والمنصورة فلا هي أخذت الاهتمام العام بطنطا، ولا هي نالت جمالًا كجمال المنصورة، وفي الوقت ذاته يشعر أهلها بالانتماء لها كانتماء الجمهور الإيطالي لمدينة نابولي، لا أحد يفهم ما يحدث هنا، لكن الجميع يدرك قيمة البلدة.

بعض من أعمال جار النبي الحلو
بعض من أعمال جار النبي الحلو

في وسط تلك الاشتباكات الثقافية والأنثروبولوجية، يجلس جار النبي الحلو، أو (عَم جار) في بستانه بقصر الثقافة، يزرع الورود والجمال ويغزل القصص ويلاطف الأطفال ويطهو طبخة المزاج بعيدًا عن كل تلك الأهوال المستعرة بالخارج .. وعَم جار، واحد من أعمدة الثقافة العربية، واسم تم تقديره في دوائر كثيرة من القُرّاء وعلى المستوى الرسمي، وهو ضلع أساسي في “شلة المحلة“، وشلة المحلة هي أحد التكتّلات الثقافية الشهيرة في الوسط الثقافي المصري، التي ذاع صيتها لكونها قد  تكوّنت على أسس ومبادئ وظل أعضائها أوفياء للشلة حتى الآن بما تبقى منهم على قيد الحياة .. ويعتبر (عم جار) حالة خاصة في بيئة المحلة الكبرى، حيث قرر الأديب الكبير البقاء في المحلة الكبرى وسط كل هذا الضجيج يعزف لحن هادئ بالكمان، وفي وسط كل تلك العشوائية يرتّب صنوف لكتابة ذات طراز رفيع لا تخرج إلا من رجل يرتدي الروب الأحمر ويجلس بسيجار فخم في شرفة “الفيلا” بالمنصورية .. فالأيام تجري في المحلة بسرعة لكنها تمر عند (عم جار) بلطف، وعواصف أزمات الكفاح العمالي يُلطّفها عم جار لتتحول إلى نسمات رشيقة تمر على وجنتي طفل بسلام، ومن وسط عنف المايكنات الضخمة أدهشته الأشيا الصغيرة وأسّس منها مصنعه الخاص.. غيّر عم جار طعم المحلة الكبرى بقلبه، وروحه، وعلى رأس كل أدواته، قلمه.

 

إقرأ أيضا
قتل

الكاتب

  • جار محمد فهمي سلامة

    كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان