عم شعبان الساذج ..الذي نجح في خداع الجميع
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
في عصور ما قبل ظهور تريندات السوشيال ميديا كان هو صاحب التريند، يلتقط الحدث ليكتب شاعره الملاكي “إسلام خليل” أغنية جديدة تعبر عنه، لا تستطيع أن تنكره أو تتجاهله فحتمًا ستصطدم بأغنيته الجديدة إما في زحمة سير وسط شوارع القاهرة، أو داخل شادر يقام عليه فرح شعبي، تحول عم شعب – كما كان يحب أن يلقب – بين عشية وضحاها من مجرد مطرب يغني في الأزقة والحواري إلي نجم جماهيري يتحدث بلسان الشارع ويقول ما عجزت أن تقوله نخبتنا المنكوبة في عهد مبارك المظلم، ليتحول الأمر مع دخول الألفية وظهور برامج التوك شو إلي فقرة مهمة تتغذي عليها ماكينة الميديا وتصدره للمشهد العام بوصفة رمز الإسفاف والهبوط.
عندما التقطته الميديا قرر شعبان عبد الرحيم أن يتقن دوره تمامًا فدخل قفص القرد طواعية كي يشبع نهم المتفرجين إما بالسخرية من طريقة حديثه البسيطة العفوية أو من ملابسه المزركشة التي تتماهى ألوانها مع ألوان الكنبة التي يجلس عليها.
استضافه المذيع “طوني خليفة” في برنامج “أجرأ الكلام” صحبة مغنيًا المهرجانات “أوكا وأورتيجا” وفي المقابل كان يجلس رائد شرطة الأخلاق الطربية “حلمي بكر” الذي بدا كنمر جائع يتحين الفرصة ليفترس من أمامه، عكس شعبان الذي كان يجلس وكأنه على قهوة بلدي في الدرب الأحمر أو الشرابية يعرف متي يلتقط من الكلام مايجعله يصنع إيفيهًا مفاجئًا غير عابئ بالحلقة أو ضيوفها، هو يعلم تمامًا أنه ليس أمام برنامج يناقش قضية جادة هامة، هو أمام مسرحية هزلية يريد صناعها إثبات وجهة نظر واحدة ليغازلوا بها الرأي العام ويبرؤوا ذمتهم أمامه، الفارق بين حلمي بكر وشعبان أن الأول يتحرك بغريزة حب الظهور والبقاء كحامي حمى الفن الطربي الجميل، لا يدرك أنه جزء من لعبة الميديا التي لم تجلبه لكي يقف في صف المدافع بل هو الاّخر داخل القفص يلعب دورًا مرسومًا بعناية حشر فيه رغمًا عنه وحاول أن يتقمصه ففشل، وظهر فظًا يتعامل بأفورة ممزوجة بطبقية وتعالي، عكس شعب الذي يدرك تمامًا فصول المسرحية فقرر أن يلعب معهم ولكن وفق طريقته الخاصة وهو يعلم أن حلمي بكر لم يعد له تأثير يذكر داخل الحياة الفنية المصرية هو دخل القفص هو الاّخر لكنه مصر على لعب دورًا غير دوره، شعبان الذي كان المفترض أن ظهوره لمجرد السخرية والاستهزاء على ما يقدمه، قلب الآية تمامًا وطرح بكر أرضًا عدة مرات؛ مرة يقول له أن دليل مقام الكرد هو الكرد باللبن ثم يسخر منه قائلًا أنه بصدد صنع تيمة لحنية جديدة مختلفة ليصعقه في آخرها بقوله طب مش اّيييه مش اّييه”
عم شعبان شأنه كشأن الكثيرين من المطربين الشعبين في حقبة التسعينات؛ لم يمتلكوا حلاوة صوت قنديل ولا قوة حنجرة عبد المطلب ولا أنس وصهللة عدوية لكنهم امتلكوا في حنجرتهم حس الشارع المصري البسيط بسخريته وعبثيته، صنع لنفسه شكلًا غنائيًا ثابتًا يسير في فلك نغمة واحدة فقط، وابتكر موضته الخاصة التي لم تتغير أيضًا بملابسه المزركشة الشمواه بالخواتم والسلاسل الذهبية كأنه ملك إفريقي متوج على عرشه، لم يكن شعبولا سوي صورة طبق الأصل من المشهد الذي نعيشه برتابته وعبثيته وفوضويته، الفارق أن شعبان قرر أن يتماهى مع المشهد فصار هو النغمة المنضبطة وصرنا نحن النشاز، دائمًا ما كان يثير الجدل بأغنياته فتارة يجهر بكراهيته لإسرائيل في ظل سلام دافئ معها، ويمدح عمرو موسي ليعلن عن توقفه عن التدخين ليصبح إنسان جديد مع بداية العام، عم شعبان الساذج الذي خدع الجميع وأجبرك على أن تحبه أو على الأقل لن تكرهه أو كما قال في حوار تليفزيوني عن حب الناس له – هو ده اللى أخدناه من الشغلانة بنت ال—– دي-
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال